غسل الأموال كعامل مؤثر في تضخم أسعار العقارات الليبية - عين ليبيا

من إعداد: زياد الشنباشي

انتشرت جريمة غسل الأموال في ليبيا كالنار في الهشيم، ويرجع ذلك لتوافر مجموعة المقومات الداعمة لها، سواء من حيث انتشار الفساد بمختلف صوره من جهة، ومن جهة أخرى لما يعتري قانون مكافحة غسل الأموال من ثغرات كبيرة تضعفه وتحد من فاعليته، بالإضافة إلى شبه انعدام رقابي على هذه الجريمة.

وباعتبار السوق العقاري يعد من أسهل السبل التي قد ينتهجها غاسلي الأموال من المجرمين وأصحاب الياقات البيضاء وأكثرها انتشارا لغسل الأموال، فقد لجئ غاسلي الأموال إلى اتخاذ العقارات كوسيلة لتحويل الأموال المتحصل عليها من أعمالهم غير المشروعة لتظهر كأموال نظيفة، وذلك بإضفاء الصفة الشرعية عليها من خلال شراء أراض وعقارات بأسعار تعادل أضعاف أثمانها الحقيقية، وبفارق غير مقبول، مما يشير إلى وجود شبهات لعمليات غسل للأموال، حيث نتج عن ذلك تضخما غير منطقي للأسعار، مما دفع بجميع أصحاب العقارات إلى رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه إسوة بغيرهم خاصة مع توافر المشترين وبأموال نقدية، فصارت الأسعار في المدن التي تتم بها عمليات الغسل تساوي أضعاف الأسعار العقارية للمدن الأخرى، ليدفع ضريبة ذلك المواطن البسيط، حيث صارت أسعار العقارات تفوق قدرته الشرائية، وهذا يشبه إلى حد كبير ما حصل من قبل بالعراق كنتيجة طبيعة لانتشار الفساد وبالتالي لغسل الأموال.

وعليه سأوضح بعجالة واختصار شديدين أمور مهمة لتفسير كيفية استغلال العقارات لتبييض الأموال القذرة، وتأثير فيروس كورونا على زيادة عمليات الغسل العقاري، وما موقف الأجهزة الرقابية من كل هذا، وعلى من تقع مسؤولية مكافحة الغسل العقاري، واختم بتوصيات بسيطة كمحاولة للتخفيف من حدة وانتشار هذه الجريمة.

العقارات وسيلة سهلة لتبييض الأموال

نظرا لتفشى جرائم الفساد كالتهريب والمخدرات والتزوير والرشاوى وغيرها من الجرائم المدرة للأموال، بالإضافة لسهولة القيام بالتحويلات النقدية عن طريق السوق السوداء وبدون أدنى رقابة، الأمر الذي من شأنه إتاحة القدر الكبير من السيولة لدى غاسلي الأموال، مما دفعهم لشراء العقارات بمبالغ طائلة ودونما مساومة، كما أن البعض صار ينشئ عقود وهمية بالبيع والشراء وبمبالغ خيالية وذلك بغية إضفاء الصبغة الشرعية على تلك الأموال، ليتسنى لهم بذلك إدخالها للبنوك المحلية والخارجية، الأمر الذي يصعب معه تعقب الأصل غير الشرعي لتلك الأموال، وبالتالي تهربه من توقيع العقوبة عليه.

كما أن الانتشار الواسع لفيروس كورونا كان من شأنه الزيادة من احتماليات تحقق الغسل العقاري للأموال الليبية، فبعد تفشي هذا الفيروس ونتيجة لإقفال الدول لحدودها وتشديد الرقابة عليها، وبما أن عمليات الغسل مستمرة في ذروتها، حيث ـن الفساد لا يزال ينخر في مفاصل الدولة، فليس لغاسل الأموال إلا العقارات كوسيلة لإخفاء تلك الأموال غير الشرعية.

كما أن انعدام رقابة الدولة على السوق العقاري جعل من الساحة العقارية في ليبيا ميدانا خصبا لغسل الأموال، فيكفي بك أن تذهب إلى سمسار عقاري أو إلى محرر عقود محملا بالمبالغ النقدية الضخمة وغير معلومة المصدر، دون أن تسأل عن مصدر تلك الأموال ولا عن طرق الحصول عليها، وتشتري ما شئت من العقارات بأضعاف قيمتها الحقيقية وبمبالغ نقدية تُسلم باليد، كما أنه بإمكان أي شخص أن يشتري القدر الذي يريده من العقارات دونما أن تُوجه ضده الشكوك من قِبل الجهات الرقابية خاصة في ظل توقف السجل العقاري عن العمل، ويرجع القصور في حقيقة الأمر إلى الضعف التشريعي والرقابي وغياب الرغبة الحقيقية في تحقيق المكافحة.

وعليه فإن المسؤولية عن تضخم أسعار العقارات في ليبيا واستغلالها لغسل الأموال هي مسؤولية مشتركة بين المهنيين العقاريين والجهات الرقابية والتنفيذية، وعلى رأسها المصرف المركزي وهيئة مكافحة الفساد والتي كان عليهما القيام بواجباتهما من رقابة وإعداد لمذكرات موضحة لما يشوب قانون مكافحة غسل الأموال من قصور سعيا لمكافحة فعالة ضد هذه الجريمة، كما يجب أن تتظافر الجهود بشكل فعلي حتى لا يزداد الحال سوءا.

توصيات بهدف الحد من هذه الإشكالية

  1. منع التعامل النقدي في شراء العقارات، وأن تتم عمليات البيع والشراء بشيكات مصرفية، وذلك بهدف تسهيل عملية الرقابة المصرفية، حيث أن مراقبة عمليات الغسل يعد اختصاصا أصيلا لها.
  2. إصدار لوائح تنفيذية تحكم عمل المهنيين العقاريين.
  3. القيام بتعديلات في قانون مكافحة غسل الأموال وذلك لما يعانيه من ثغرات قانونية.
  4. إنشاء لجنة مختصة بالرقابة العقارية على غرار الدول الأخرى كلجنة DGCCRF الفرنسية.
  5. تحديد التزامات العاملين في مجال العقارات كنظام إدارة المخاطر، وواجب معرفة العملاء والالتزام باليقظة المستمرة اتجاه العملاء، وإعلان حالات الاشتباه لدى وحدة المعلومات المالية واللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال.


جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا