فليشنقِ الإخوان - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق العرادي

في كل بلدان الدنيا يتميز الخطاب المتداول بين العامة، عن خطاب النخبة، وتمتاز أسمار الصالونات عن أخبار وسائل الإعلام، ويمتاز حديث رجال الدولة عن أقاويل رجل الشارع. لكننا في ليبيا الحبيبة حرمنا هذه المزية، واختلطت خطاباتنا، حتى لا يكاد العاقل المتبصر يميز بين مستويات الخطاب، ولا درجات المتكلمين.

يلقي متحدث لا علاقة له بالصحافة الرصينة، ويسمي نفسه صحفيا، يلقي كلمة في شاشة، كلها سباب، واتهامات مرسلة على عواهنها، فيتلقفها رجل الشارع، ورجل الدولة بنفس القدر من الوعي، ويعيدان تكرارها بنفس الحروف، حتى أصبحنا أمام نخبة يتشكل وعيها ومواقفها على إيقاع ما تنفثه القنوات الموجهة، والممولة، فضاع وعي الناس بضياع وعي نخبتهم.

كل مرة يخرج علينا واحد ممن نضعهم في مراتب رجال الدولة ليقول لنا إننا أخطأنا في العنوان حين توسمنا فيه أنه قد يكون قائدا. ننظر في تاريخ شخصية مثل الدكتور عبد الرحمن السويحلي فنرى سجلا وطنيا حافلا بالمواقف ضد الطغيان، ومقارعة نظام القذافي، ومواقف محترمة في ثورة السابع عشر من فبراير وما تلاها.

لكل إنسان الحق في أن يعرف نفسه بما يناسبه من ألقاب وانتماءات. ومع ذلك يجب على رجل الدولة أن يضع لنفسه تعريفا يناسب المقام، وألا يجعل من تلميع نفسه أمام خصومه السياسيين، الذين يقابلونه “كمواطن ليبي”، سبيلا إلى اتهام مبطن لجهة ما، أو يعطي انطباعا بأن هذه الجهة يجب أن تكون القربان الذي ينبغي على الجميع تقديمه إلى خشبة الذبح، عرف نفسك من تكون، لا من لا تكون.

كان بإمكان الدكتور عبد الرحمن أن يتذكر، وهو بين يدي رئيس البرلمان الليبي السيد عقيلة صالح أن من يسميهم الإخوان المسلمين، ويتبرأ من العلاقة بهم، كانوا من أوائل من دعم المصالحة الوطنية، وكانوا من أول من دعم الحوار السياسي، وما زالوا يدعمون الاتفاق الذي بموجبه تمكن من الجلوس في روما إلى جانب عقيلة صالح. دعموا الحوار، واقتنعوا أنه الحل الأمثل لمشاكل الليبيين، قبل أن يلتحق الدكتور بالحوار الذي كان يرفضه قبل اللحاق به.

لقد رفض من تسمونهم الإخوان حروب الانتقام، ودعوا إلى لقاء بين أبناء ليبيا، وظل صوتهم مرتفعا منذ اللحظة الأولى بأن الحروب لا تبني الدول، ولا تحسم معارك التنمية والتطوير، ولا تقيم العدل بين الناس.. واقتنعوا أنه حتى القذافي لو قبل أن يترك الليبيين يقيمون دولة العدالة بينهم، وتنحى طوعا، لما كان هناك داع لإراقة الدماء في الحرب ضد نظامه.

الذي أعلمه عن الإخوان أنهم مع المصالحة والعدالة، فمن شاء أن ينضم إلى صف عقيلة، وحفتر، فهو وخياره، فحفتر الذي أمر بتصفية الخصوم في الميدان بدم بارد، وهو تصرف يشكل جرائم حرب يندي لها الجبين، جرائم شاهدها العالم، وستلحق هؤلاء القتلة لعنة الله والتاريخ. عقيلة صالح اعترف أنه هو من عين حفتر وبذلك سيتحمل المسؤولية أمام الله أولاً ثم أمام القانون والتاريخ بإذن الله  في كل هذه الجرائم التي إرتكبها حفتر وجنوده.

قبل أن يأتي هذا اليوم؛ خبروني عن واحد من الإخوان المسلمين تولى قيادة الدولة الليبية في أي يوم منذ رحيل القذافي، أو حتى قاد مؤسسة حساسة مستقلة. ثم قدموا جرد الحساب بشأن الأداء في المؤسسات الليبية التي توليتم قيادتها، وفي أي الخانات يمكن تصنيف أغلب مواقفكم؛ خانة خدمة الوطن ونكران الذات، أم خانة رعاية المصالح الشخصية والعائلية؟ ثم اشنقوا الإخوان.

الفكر عابر للحدود، لكن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا أخطأت بعدم نأيها بنفسها عن الاسم والشعار الخاص بالجماعة في مصر، هذا الاسم الذي أصبح يجلب إلى ليبيا معارك هي في غنى عنها، وأصبح يوجد لبعض المقولات التحريضية، التي تبثها أكثر من 35 قناة فضائية، أرضية في الوطن الليبي، وهو خطأ فادح وكارثي، ولكنه لا يعطي مبررا لرجال الدولة والنخبة، أصحاب المبادئ، للانسياق وراء الاتهامات العشوائية، والمقولات التحريضي، فيعلق عقيد ثائر، لوحة رفعتها من قبله قناة العاصمة والدولية ومن دار في فلكهم، واليوم يكررها من كنا نعتقد أنه قامة.. أين أخلاق المدينة الفاضلة؟.

لا شك أن هناك صراعا بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ونظام عبد الفتاح السيسي، ويوجد من يغذي الحرب ضد التيار الإسلامي عموما، وفي مصر على وجه الخصوص، إذا وجدتم أنه من المناسب، كما وجد خليفة حفتر، نقل هذه المعركة إلى الأرض الليبية، وزيادة الشرخ الليبي باستنساخ مقولاتها التحريضية، فهذا خيار سيء جدا، لكن لا أحد يملك الحجر على تصرفاتكم.

لست مدافعا عن الإخوان المسلمين، ويمكنني أن أسطر في نقدهم أكثر، وقد فعلت ذلك مرارا، وما يحرضني على الكتابة ليس الدفاع عن جماعة، أو جهة أو حزب، يعلم الله؛ فالوطن أكبر من الجميع، ولكني أحرص على أن تكون لدى النخبة الليبية، وأصحاب المبادئ تحديداً، رؤية للأشياء على حقيقتها، ولا تنجر وراء خطاب إعلامي، لا تدعمه أي حقائق من أرض الواقع.

فليشنق الإخوان، ولكن انتبهوا فلو كان ظلما، فسيكون مجرد مظلمة جديدة، تضاف إلى المظالم التي عاناها الليبيون، ولن تكون أقلها خطرا.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا