في باريس اللقاء الرباعي يحدد عمر اتفاق الصخيرات! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

قبل سنة استطاع الرئيس الفرنسي ماكرون أن ينجح في جمع حفتر والسراج في باريس، وكان منطقيا كما توقعنا أن يسعى ماكرون لتوسيع دائرة اللقاء لتشمل أطرافاً أربعة، لينضم اليهما كل من رئيس البرلمان ورئيس مجلس الدولة، وهو ما حصل الآن فعلا، المتغير الوحيد هو انه بدلا من تواجد السويحلي حضر المشري! إن فرنسا عندما دخلت على الملف الليبي بقوة، ليس مجرد صدفة، لكنه جزء من سياسة ينتهجها الرئيس الفرنسي ماكرون ويتعهد شخصيا بتنفيذها ضمن خطته السياسية للحكم في فرنسا، وينطلق ماكرون في ذلك من استراتيجية اولويات المجال الحيوي لفرنسا في القارة الافريقية من منطلق الارتباط التاريخي لفرنسا مع اغلب الدول الافريقية واستمرار ذلك حاضرا ومستقبلا.
ليبيا تحاول فرنسا دائما ان تعتبرها ضمن مجالها الحيوي لسببين رئيسين: أولهما ارتباط الجنوب الليبي في فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بالترتيبات الناتجة عنها والتي مكنت فرنسا من فرض ولايتها آنذاك عليه، وثانيهما الموقع الجغرافي لليبيا على الخارطة باعتبارها العمق الاستراتيجي لفرنسا في مجالها الحيوي الفرانكوفوني والذي يشمل اغلب دول القارة الافريقية بما فيها الدول المتاخمة للصحراء الليبية في الجنوب والتي لازالت فرنسا تحتفظ معهم بروابط ارث استعماري قديم جديد! ومن هذه الدول طبعا جارتينا الجنوبيتين تشاد والنيجر.
يمكن القول إن الدبلوماسية الفرنسية لازالت تحقق نجاحا في الملف الليبي، فمجرد التقاء اطراف مخرجات اتفاق الصخيرات الثلاثة رؤساء كل من مجلس النواب والدولة والرئاسي على طاولة واحدة يعتبر خطوة متقدمة على طريق جمع الفرقاء الليبيين، خاصة وأنه لم تتمكن حتى الآن اي جهة أخرى من جمعهم في قاعة واحدة، زد على ذلك أن تلتقي هذه الاطراف الثلاثة وهي اطراف سياسية بطرف رابع يمثل القوة العسكرية الموحدة في المنطقة الشرقية ما يعطي زخما اكبر لاهمية اللقاء.
لقد كان ماكرون يعوّل على جمع الاطراف العسكرية المختلفة، بما في ذلك عن المنطقة الغربية والذين كان مفترضا ان يمثلهم رئيس الاركان المعين من الرئاسي، وكذلك من يمثل قوة البنيان المرصوص، لتكتمل صورة المشهد الليبي لكن ذلك لم يحدث بعد ان رفضت بعض الاطراف الحضور، هذا الأمر جعل من مهمة التوقيع على اتفاق ملزم كتابيا عسيرة!، ولهذا اكتفوا فقط باصدار بيان رسمي يخلو من التوقيع، لكن الرئيس ماكرون سيستمر في ضغطه على الاطراف كافة، للوصول الى اتفاق يوقع فيه الاطراف كتابيا في يوم ما، وهو بذلك يريد ان يبرز الدور الفرنسي ليقنع الامريكان والانجليز وحتى الطليان بأحقيته في ذلك ما يدفع للتنسيق معه بالخصوص خاصة بالنظر الى ما تعانيه ايطاليا اليوم من صعوبات اقتصادية كبيرة قد تعصف بموقعها السياسي في القارة الاوروبية.
اذا في باريس حضر الفرقاء وألتقوا، لكنهم لا يزالون مختلفين، وقد يصعب أن يتفقوا، ولهذا يكون الاتفاق الوحيد الذي نتج عن لقائهم هو حول تحديد نهاية اتفاق الصخيرات حيث أن يوم 10 ديسمبر القادم وهو الموعد الذي اتفق ان تجرى فيه الانتخابات سيكون موعد انتهاء مفعول اتفاق الصخيرات وموته نهائيا لا سريريا كما هو الآن!، ولهذا فإنه منذ الآن سيقفل باب جهود البعثة الاممية للدعم في ليبيا والجهود الدولية التي كانت تصب في اجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات وخاصة ما يتعلق بتقليص المجلس الرئاسي الى 3 بدلا من 9 بما يعني اعطاء الضوء الأخضر لاستمرار الأجسام المنبثقة عن اتفاق الصخيرات كل فيما هو عليه حتى ديسمبر القادم
إن الاستحقاق الآن يبدو انه قد انحصر فقط في كيفية ايجاد آلية مناسبة للوصول الى محطة الانتخابات من خلال توافق هذه الاجسام الاربعة التي حضرت اللقاء في مدة لا تتجاوز 15 سبتمبر القادم، ما يعني انه في حال اخفاق الاطراف الاربعة في الوصول الى صيغ توافقية عملية بالخصوص خلال المدة المحددة فإن الوضع سيكون أكثر تعقدا وخطورة لأن ذلك قد يعني دخول عامل فرض الأمر الواقع بالقوة من خلال صدام عسكري يبدو انه لا مفر منه بين جيشي الشرق والغرب، أخذا في الاعتبار ان المؤشرات تدل على أنه ثمة رضوخ دولي للأمر الواقع بترك الليبيين وشأنهم بما في ذلك تقاتلهم داخليا بغية انتصار طرف على آخر عسكريا للوقوف معه ودعمه فيما بعد والتعامل معه من منطلق انه الشرعية الوحيدة التي فرضت نفسها بغض النظر عما يصاحب ذلك من تأثيرات خطيرة واليمة على الشعب الليبي.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا