قائد غواصة ليبي يشتغل بغسيل سيارات

قائد غواصة ليبي يشتغل بغسيل سيارات

بسم الله الرحمن الرحيم

تقرير صحفي: رسالة مختصرة لمن يهمه الأمر من أصحاب القياسات والفكر والوطنية فقط

(ولتعلم كل الدنيا هذا)

كنا نتناقش عن حال البلاد والعباد في بلادنا ليبيا بهذه الأيام .. نتناقش عن حالات الفقر وسوء المعاملة في وطننا ليبيا .. نعم هو عنوان كبير وواقعي أيها السادة الكرام و يا أصحاب الألباب والعقول الكبيرة .. فالمواطن الليبي الحقيقي يتعرض منذ زمن بعيد وحتى هذا اليوم لسوء المعاملة في وطنه ليبيا .. أو هذا ما وصلنا اليه من نقاش مستفيض.

أسعار نفط لا تتوقف عن الصعود .. وعود كالمثلجات توزعها الحكومة .. واخرها صدور الميزانية الممليرة بـ 86 مليار ..وكأن المليار بحسابات اليوم هو تعدد بسيط ولا يمثل 1000 مليون .. والوعود التي تليها وعود بإصلاح عاجل لحالة المواطن الليبي البسيط المحروق بتسلط الفقر عليه وكأن هذا الفقر نصيبه وحظه في هذه الدنيا . لقد أنتهى الطاغية “معمر القذافي” الذي كان يسرق ويسرق ويدمر حياة الليبي .. فما الحدث اليوم .. هل لزالت أفواه السراق وبكافة أشكالهم تلحن لحن ثورة 17 فبراير ولتبقى تهزم وتسرق أموال الليبيين حتى اليوم .. إننا نسأل اليوم الجميع عن الجميع فهل من اجابات مقنعة تدر ليفهمها الليبي البسيط الذي كره أركان بلاده ليبيا لأنها قاسية عليه بكل مرارة . فهل كره الليبي اليوم بلاده أم لزال في جوفه الحب لها .. وهل ما قدمه لبلاده من دماء وشهداء هو بالحقيقة لتعرف ليبيا أنه يكن لها الحب المقدس الذي لا ينتهي.

(الجيش الوطني) .. معاناة حقيقة يتعرض لها أبناء هذه المؤسسة العسكرية .. فمن معاناتهم القاسية بأيام وزمن الطاغية المنتهي الصلاحية منذ زمن سابق بسيط إلى معاناتهم الخطيرة بيومنا هذا فكلمة تهميش ربما كانت أحد بنود الوثيقة المركزية (للمؤسسة العسكرية الليبية) منذ الانبلاج الافتراضي لانقلاب القذافي المردوم والمشؤوم حتى يومنا هذا .. وبل ليزداد هذا التهميش سوء بزمن الثورة اليوم .. وقفز اللامنطقي على الشرعية القانونية للمؤسسة العسكرية . ولعل هذا التقرير السيئ المختصر يبين ما نرمي اليه أو نقصد.

كان يتقضى مرتب والذي يدير به شؤون أسرته المكونة من 7 أفراد لا يتعدى 435 جنيه ليبي بعد خصومات البنك وجمعية عائلية من إجمالي 840 جنيه بعهد الطاغية .. وبأيام الثورة المباركة وبوقت القتال كان هو أحد من أشتغل بالبحر كثائر أذ كان يصل لأسرته مبلغ وقدره 250 جنيه حيناً و[احسن الظروف (نظراً لحالة البلاد في بأيام الثورة ).

هذه الشخصية الوطنية المخلصة .. هو برتبة عقيد بحار .. وبل كان قائد وأمر للعديد من الغواصات ( BADER, METRAKA,HANIN ).. وأشتغلت على قطع أخرى فيما سبق ..وله من الكفاءة مما نخجل لذكرها هنا .. أو غيرها من الأحاديث عن هذه الشخصية و الذي أنزوى بعيداً عنا.. وليطلب منا الابتعاد عنه و فوراً ولأننا كشفنا أمره وقصته ومعاناته .. ولكن بعد حديث طويل معه وبعد أن عرفته بنفسي وقصتي أنا أيضاً .. كان ربما قد أقتنع لكي يعطيني رؤوس أقلام صغيرة جداً من قصته هذه :

هل أنت قبطان بحر؟

نعم وقائد غواصات . (أبرز لي تعريفه عسكري يحمل رتبة عقيد بحار وبهذا التعريف).

رتبة عقيد بحار وقبطان ورايس بحر وتشتغل بهذه المهنة واليوم؟

قال لي: أولاً العمل الشريف لا أخجل منه مطلقاً .. وهي لقمة عيش نظيفة عموماً.

أعرف إنها لقمة عيش نظيفة وحلال .. ولكنني أتحدث مع قبطان بحر يا سيدي الكريم… واليوم يشتغل بغسيل سيارات !!!!!! هذه إهانة كبيرة توجه للبحر الكبير وتوجه أيضا لعموم المؤسسة العسكرية ولليبيا؟

ليست عندي حيلة أخرى صدقني لأكل وعيش عيالي .. وما تعلمته في حياتي هو (بكالوريوس علوم بحرية ) وعلوم البحر والملاحة البحرية والمناورة وعلوم القتال وغيرها .. وأيضاً تعلمت أن أغسل سيارتي … أما أطفالي وأسرتي والصرف عليهم فهو أمر واقع كان علي أن أقوم به لكي لا أمد يدي لأحد .. أما رتبتي العسكرية فأنا أخجل من ارتدائها اليوم بعد ما شهدته من إهانة ما بعدها إهانة للمؤسسة العسكرية والتكلف المهين بالحقيقة في وجه الجيش الليبي .. و ما جرى للمؤسسة العسكرية في زمن الطاغية القذافي هو نسخة أخرى تتكرر ولكنها بشكل أخر بهذه الأيام .. أنظر لشكل وزارة الدفاع ومن يديرها ومن قام عليها بزمن الثورة .. ومن كان قد قال ( هؤلاء جيش وضباط معمر ) – ولا يعلم هذا القائل الانقلابات العسكرية المتكررة من أبطال الجيش ضد الطاغية وكيف تعرضوا للأعدام يليه إعدام وتشريد لأسرهم بمر الزمن والتاريخ الليبي ..وقبل أن تولده أمه هذا القائل .. وأنظر لشكل رئاسة الأركان أيضاً وكيف صارت الأمور بتكوينها القسري .. والقفز من الأدنى رتبة للأعلى رتبة – والقفز لمن كان الأقل خبرة بشؤون الجيش والمؤسسة العسكرية لمراكز مهمة لإدارة هذا الجيش أو المؤسسة العسكرية – هل الجيش ركن من أركان أي دولة أم لا ؟ والمصيبة الكبيرة أننا سمعنا أن هناك مدنيون طالبوا بإعطائهم رتب كبيرة في الجيش .. ألم أقل لك سيرة القذافي بمعاملة المؤسسة العسكرية تتكرر اليوم.. ألم يعطى أبناء القذافي رتب عسكرية عالية وغيرهم من حاشية القذافي .. أو يعطى القذافي نفسه رتبة عقيد وهو ملازم لتصبح المؤسسة العسكرية مخربة بالكامل بالمنطق الاداري؟

نعم الجيش هو ركن مهم وبل رمز من رموز أي دولة وطنية.

إذا أنا صدقت عندما قلت لك إنها صدمة لمن يعلم أن تتكرر نظرية (الرجل المناسب والغير مناسب) ببداية نشأة الدولة الليبية الحرة بهذا اليوم أو العصر الجديد .

فسر لي أكثر لو سمحت

ضحك ضحكة حزينة ليقول: بعد أن انتهت المعارك مع الطاغية وبأحد الأيام جئت للقاعدة البحرية وكنت ( لا ألبس رتبتي العسكرية ) وليستوقفني أحد الشباب (من الثوار ) ببوابة القاعدة وليقول لي: تعريفك (و بشكل أستفزازي) أعطيته تعريفي العسكري وهو قديم ولم أعمل أي تعريف جديد وبأي صفة .. ليرمي بوجهي تعريفي وليقول لي : (هذا أتنقعه وتشرب شرابه) .. قفزت من سيارتي فوراً محاولاً ضربه بالحقيقة .. لولا أن جماعتي أو من يعرفني بالقاعدة ليتدخلوا أو من عرفني ومن أشتغل معي بالبحر من الثوار .. لينهروا هذا الشخص بشدة … أنا هذه الحادثة جعلت لي جرح غائر .. ولأعود لبيتي راجعاً .. ومن ذاك اليوم لم ألتحق بالقاعدة حتى يومنا هذا.

ولكن هذه حادث بالمصادفة؟

ليست مصادفة هذه سوء معاملة بوطننا ومنذ زمن بعيد نعانيها وجميعاً أبناء المؤسسة العسكرية وغيرنا من مؤسسات الدولة .. والحديث يطول هنا .. ولكن هل نحن من أبناء ليبيا أم لا ؟.. ولنرى الفوارق الواضحة بين ليبي وأخر ..ليبي يعيش بترف العيش منذ زمن الطاغية ..ليبي غبي همه بطنه وليبي أخر .. همه الحد الأدنى من العيش .. وهذا الحد الأدنى أخذ بالتلاشي أمام عيونه اليوم؟.

نعم .. أنت تقول حقيقة مؤلمة .. ن ولكن ما دفعك لأن تشتغل بغسيل سيارات وأنت بهذا المستوى وعلى الأقل الاجتماعي؟

الحاجة والفقر .. منذ زمان لم تنزل المرتبات الشحيحة الهزيلة الفقيرة والعيال يبو ياكلوا يا أخي … وعلى فكرة صاحب هذا الغسيل هو صديقي ويعرف وكما قال: (البير وغطاه) ودولة ليبيا الحرة أو الدولة القائمة تعرف ماذا تعني أن لا نستلم مرتباتنا الشحيحة أصلاً وماذا يحدث لنا من حالة غريبة بضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكالب طبقة من السراق تحت مسمى (التجار) للاستفادة المثلى من ضياع مؤسسات الدولة الجيش والشرطة والمحاسبة.

أنت متشائم يا سيادة العقيد .. وليبيا تحتاج أمثالك لبناء الدولة بأسس صحيحة ..نحتاج أمثالك لبناء ليبيا المهدمة؟

ضحك أيضاً .. ليقول لي : ( سيادة العقيد البحار القبطان ) اليوم سامحني وبصدق لا أطيق سماع هذه العبارة اليوم وكنت أتمنى أن أكون عامل بسيط على أن أتعلم واجتهد بمجالي ومهنتي .. أما ليبيا فهي في القلب .. وما أراه إلا حقيقة سخيفة .. أنا أرى أمور غير محسوبة تظهر كالفاجعة أمامنا … أرى الناس يلبسون (عباءة الثوار) والسخيف في الأمر أننا نرى أيديهم المزورة تمتد خلستاً وبضح النهارلتأخذ الفلوس النضير لوقوفهم بالثورة والحرب ضد القذافي .. هذا عيب كبير.. ولنرى هذا التزاحم المشين على الكراسي والنفوذ السياسي والتشويه المستمر لثورة الله سبحانه وتعالى في ليبيا أيها السيد الطيار.

إذا أنت تترك طوعيتاً مكانك لأخرين متسلقين مشبوهين ليعيثوا في ليبيا الفساد ويحرموا ليبيا من النهضة العاجلة؟

أنا أبن هذا البلد وأفتخر بتاريخ بلادي وأعرف إن هؤلاء كالزبد سيذهبون مع الريح .. ولكن أتحدث مع واقع وواقع مرير .. فقط أتمنى أن لا أسمع فتوة دينية تحرم غسيل السيارات هذا ..لأنني أكره الحرام وأخاف من فلوس الحرام أن تدخل ببيتي .. أو يأكلها أطفالي.

هل ترى فوارق بينك وبين أخرين مثلك قباطنة بحارة وعلى الأقل بدول الجوار؟

ضحك .. ضحكة منزعجة وقال لي سأحكي لك هذه القصة : بالصدفة كنت بمهمة صيانة للقطعة البحرية التي كنت أشتغل عليها .. ولأمر اضطراري رسونا بميناء Antirrio ولأن الأمر سياسي بحث وجب جلب أحد قيادات البحرية اليونانية . وإذ به أحد زملائي ومن دفعتي .. وهو قبطان بحار اليوم .. وليفرح بنا كثيراً .. وليهئ لنا عزومة غداء بقاعدة بحرية .. وبل لأذهب معه بصفة شخصية لبيته … أنا هنا أريد أن أضع نسبة ما بين تلك القاعدة اليونانية وبين حياة هذا البحار اليوناني .. وبين قاعدتي البحرية (الدمار الشامل ) وبين بيته وبيتي .. وباعتبار أن هذه الشخصية من نفس عمري ونفس تخصصي .. فأنا أعيش حياة الغابرين وهو يعيش حياة طبيعية لا تعتبر مرفهة .. اقول طبيعية عادية تجد عليها كل الطبقة الوسطى ولو كانت بأي دولة عربية أخرى .. هل لو علم صديقي اليوناني أنني أشتغل بغسيل سيارات ودولتي الليبية تعتبر من أغنى دول العالم .. فماذا سيقول؟؟؟؟؟

أنت أبن هذا البلد .. ولكنك تصرخ بصمت أيها السيد .. وصوتك هو لأقل تعبير سأحتفظ به بضميري أنا وبضمير من هم على شاكلتنا وبضمير التاريخ ودماء الشهداء.

ضحك صاحبي وقال لي دعني أغسل عجلة هذه السيارة الله يرحم والديك.

رحلت عن الرجل وبأوراقي المتواضعة وأنا بجوفي حزن كبير ربما لا يعرفه الاخرين وممن تاجروا عبر سنوات طويلة بدماء الليبيين .. وقد كانوا خبراء بسرقة أموال وأرزاق ليبيا طيلة حكم القذافي .. واليوم هم من تاجر بكل خسة وسفاهة ببيع السلاح أبان الثورة عملوا البزنس بمعونات الإغاثة الدولية التي كانت تصل للبلاد ولزالوا أمامنا بكل خسة وبلادة … أومن قد تاجروا بعياداتهم الخاصة بالمرضى من أبناء ليبيا وهم بمستوى دكتور وطبيب.. أو من سرقوا البنزين والدقيق وحتى قرورات الماء … فماذا سأقول لكم أكثر بهذا التقرير أو اللقاء ربما الصحفي؟

أجرى اللقاء / عادل عبدالله الجهاني (محمد الجراح)

حركة العصيان المدني بليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • د سالم البراني

    إعتصر قلبي لما يحدث لهؤلاء الكفاءات العالية . ليبيون ذات قيمة همشهتهم بلادنا ليبيا واليوم وهي حرة تهمشهم ولو قاموا بالثورة .. فكيف ستتقدم بلادنا ؟ بدون الكفاءة والعلم ؟

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً