“قعمز يا ولد .. انت وهو” - عين ليبيا

من إعداد: عبد الرحمن الشاطر

هل يكون الاقتتال الأخير في جنوب غربي طرابلس من باب رب ضارة نافعة؟
وهل تدخّل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقوة لفض الاقتتال وفرض تفعيل الترتيبات الأمنية التي نص عليها الاتفاق السياسي بداية لاستقامة الأمور في ليبيا؟
وهل التوقيع على تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية ستكون بمثابة المضاد الحيوي للقضاء على التشوهات التي عانى من نتائجها المواطن الليبي وحولت ليبيا الدولة النفطية الى دولة تتلقى التبرعات والمساعدات الطبية والمالية والغذائية من الخارج؟
اسئلة كثيرة يمكن طرحها وقد لا تتوقف القائمة عند أرقام مئات معينة.
الاقتتال الأخير بين أبناء الوطن الواحد حمل شعار انهاء المليشيات المسيطرة على العاصمة والمتحكمة في القرارات السياسية والمالية فيها. وهذا صحيح ويتفق عليه ومعه الجميع. ولكن استبدال ميليشيات بمليشيات سيعيدنا الى نقطة البداية في الدائرة المفرغة التي ندور فيها منذ 6 سنوات.
المجلس الرئاسي كانت بدايته خاطئة عندما دخل العاصمة عام 2016 يومها كان التأييد الشعبي له كبيرا.. والأمل في تحسين الأوضاع دغدغ الجميع بدون استثناء. لكن المجلس لم يكن في الموعد مع الشعب .. كانت له ظروفه الخاصة بسبب تركيبته المتناقضة .. ولم تكن لديه الخبرة الكافية .. ولم يستعن بمستشارين محنكين ووطنيين ..فبدلا من أن تكون ليبيا سببا في تجميعهم .. كانت المصالح السياسية والجهوية والانتماء السياسي هي القشة التي قصمت ظهر المجلس وأربكت أداءه.
لو ركز المجلس الرئاسي على تقديم الخدمات فقط بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية وهو ما نُصح به وبالتحديد ثاني يوم التوقيع على اتفاق الصخيرات قبل حتى تشكيل حكومته – وأنا واثق مما أقول – وقبل أن يأتي للعاصمة لكان كافيا لأن يمنع ليبيا من التردي التدريجي الى هذا المستوى المخجل من التخلف والانهيار.
فهل سيستفيد المجلس من تجربة سنتين ونصف ويعطي العيش لخبازه .. بمعنى يستعين بذوي الخبرة وليس بذوي العلاقة الشخصية او الجهوية؟
وهل سيتمكن المجلس من تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية ومتابعة تأثيراتها الايجابية والسلبية على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني بصورة عامة ليس يوما بيوم وانما ساعة بساعة؟
وهل سيكون المجلس واعيا ومدركا لصعوبة تنفيذ الترتيبات الأمنية وما تتطلبه من ارادة وحزم لاخراج فعلي للمليشيات وانهاء تواجدها على الأرض واستيعاب منتسبيها في مؤسستي الشرطة والجيش على أساس فردي وبأرقام عسكرية بعد اعادة تاهيلهم مهنيا في معاهد وكليات الشرطة والجيش. ام سيكرر سيناريوهات التحايل على قراري المؤتمر الوطني العام رقمي 23 و 52 بادماج الكتائب في المؤسستين على أساس فردي وبأرقام عسكرية بعد تأهيلهم مهنيا وفق القوانين المعمول بها. يومها تحايلت حكومة زيدان والكتائب على القرارين وخرجت الكتائب من الباب ودخلت من الشباك تحت تسميات جديدة بيافطات شرعية وأصبحت الكتائب هي التي تصدر الأوامر والقرارات ووزارة الداخلية توقع وتعطيها صفة الشرعية!!
أنا أخشى أن يتكرر نفس السيناريو باعذار جديدة ومختلفة مثل التكليف بمهام أخرى!! هذه المليشيات والكتائب لن تسمح بالتفريط في نفوذها ومنهم من وراءه دول وسلاح وأموال وأعلام.
نصيحة للمجلس ان يستثمر التاييد الشعبي والدولي العارم لانهاء وضع المليشيات بان يستجيب وبكل قوة ويعمل بحزم واصرار لتحقيق هذا الهدف ..الأفاعي لا توضع في غرف الانتظار وانما لا بد من انهائها لمرة واحدة و أخيرة.
أنا أثمن عاليا الحزم الذي أبدته مؤخرا البعثة الأممية في التعامل مع القضية المكلفة بادائها في ليبيا وأصبح خطابها تعبيير صادق بأن الكيل قد فاض بها وأن صبرها قد نفذ وأنها لن تسمح بالمواقف المراوغة التي تطيل الأزمة وتعقدها ولا تؤدي الى انتاج قرارات تنبع من احساس بالمسؤولية الوطنية وتراعي مصلحة الوطن والمواطن.
لكن ما لم تجد البعثة تجاوبا أو لنقل تفهما وتعاونا من اغلبية الأطراف الليبية فان مساعيها قد تمنى بالفشل وقد لا ينفع فيها قرارات من مجلس الامن .. حينها .. سيكون الأمر متأخرا جدا.
في هذا الصدد أزعجتني البيانات التي تطلق من هنا وهناك معلنة تمسكها برأيها واصدار انذارات بضرورة تلبية طلباتها ومطالبها والا فان لها موقف آخر: بمعنى استعدادها للاستمرار في ارباك المشهد وخلق الفوضى.
ما صدرعن مؤتمري القبائل والمدن في كل من ترهونة واجخرة جاءا ترويجا لتوجه معين يوحي بأن اختراق المؤتمرين وتوظيفهما لخدمة توجه معين وشخصيات معينة وتمهيد الطريق لهم لحكم ليبيا ولو كان ذلك ضد رغبة الاخرين وخارج اطار دستوري سليم أمر محتمل وقائم وخاصة مع ظهور عناصر عسكرية في الصور.
هذا الموقف تمنيت أن لا يصدر عن شيوخ قبائل وأعيان وحكماء مدن. تمنيت أن لا يتدخلوا في تفاصيل العملية السياسية ليزيدوها ارتباكا على ارتباكها وانما تمنيت أن يكون خطابهم بمثابة توبيخ الآباء لأبنائهم على سوء أدائهم الذي أوصل البلد الى الحضيض .. و استمرار نزاعاتهم على المناصب التي تنذر بتمزيق ليبيا الى أشلاء .. تمنيت أن يكون خطابهم بارجاع الأمانة الى الشعب الليبي وحل المجالس الثلاثة النواب والدولة والرئاسي ومنحهم مدة ستة أشهر حتى لا يحدث فراغ سياسي وتنفيذي للتحضير وانجاز انتخاب جسم تشريعي جديد يحقق التهدئة ويشيع الأمل في النفوس ليعيد تشكيل المشهد وترتيب البيت الليبي وتوحيد مؤسسات الدولة واصدار دستور يليق بالشعب الليبي المتطلع الى دولة مدنية ديمقراطية موحدة دولة القانون والتداول السلمي على السلطة.. تمنيت أن يتصرفوا كآباء وكشيوخ نجلهم ونقدرهم ويقولو: ( قعمز يا ولد انت وهو.. ليبيا أكبر منكم جميعا فلا تؤذوها). تمنيت أن لا ينحازوا الا للوطن .. ليبيا أمنا وحاضنتنا .. يارب سلمها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا