كيف سيؤثر التغير المناخي على الأطعمة التي نتناولها؟ - عين ليبيا

646afa63-d765-43d5-9e71-3b3ac154079e_16x9_600x338

 

وكالات

هل يمكن لأنوع معينة من الطعام أن تختفي، أو تنقرض إذا جاز التعبير، أم أن الأمر مبالغ فيه؟ يحاول قسم “بي بي سي فيوتشر” أن يبين الحقيقة من الخيال في هذا الشأن.

 في وقت سابق من هذا العام، حذر العلماء من أن ستة مخلوقات قد تنقرض نتيجة لتغيرات المناخ. فهل يمكن أن يحدث الشيء ذاته للمحاصيل وما نتناوله من غذاء أيضاً؟

من الواضح أن المزارعين في أماكن عديدة حول العالم سيواجهون صعوبات في العقود القادمة. تدرس الباحثة جيل فارانت من جامعة كيب تاون ما إذا كان بإمكانها تصميم محاصيل تستمر لفترات أطول دون الحاجة إلى الماء، وذلك باستخدام جينات من “النباتات المتجددة”.

 لكن إن لم يكن باستطاعتنا إيجاد السبل لحماية الأغذية الأخرى، فهل بإمكانها أن تعيش رغم تغير المناخ؟ لحسن الحظ، هناك أخبار طيبة على هذا الصعيد. فعلى الرغم من العناوين البارزة المحذرة من احتمال انقراض الطعام، إلا أنه لا يوجد دليل على أن الأنماط الرئيسية من الغذاء مثل الفاصوليا والشوكولاتة والنبيذ والذرة والقمح سوف تنقرض.

“المحصول نفسه لن ينقرض، ففي مكان ما من العالم سوف ينمو”، كما يقول أندرو جارفيس، أحد الباحثين البارزين في برنامج لبحث تأثير تغيرات المناخ يعرف باسم أمن الزراعة والغذاء.

لكن ذلك لا يعني أن الأخبار كلها طيبة فيما يتعلق بغذاء المستقبل. فعلى الأرجح علينا أن نغير مكان زراعتنا لأنواع معينة من المحاصيل، حيث يتزايد ارتفاع الحرارة في بعض المناطق.

الجانب السلبي يتمثل في أن المزارعين المحليين سيعانون بموجب هذا السيناريو. وبعض الناس سيواجهون صعوبة في الحصول على بعض أنواع الغذاء.

تقول مرغريت والش، عالمة البيئة في مكتب برنامج التغير المناخي التابع لوزارة الزراعة الأمريكية: “حتى لو كان إنتاج الغذاء لن يتأثر بشكل عام، فإن تأمين الغذاء يمكن أن يتأثر”.

وبمعنى آخر، حتى لو استمر إنتاج وزراعة أنواع معينة من الغذاء في مناطق معينة من العالم، فهذا لا يعني أن الجميع سيحصلون على نفس الكمية التي يحصلون عليها في الوقت الراهن.

بشكل عام، وفرة الكثير من الأغذية سواء من المواد الغذائية الأساسية أو كماليات الحياة مثل القهوة والشوكولاته على الأرجح سوف تتأثر أيضاً بتغير المناخ.

الكيفية التي سنشعر بها بهذه الندرة في المحاصيل الغذائية يعتمد على مدى ارتفاع درجة الحرارو ونوعية المحصول، لكن بشكل عام، “ارتفاع الحرارة إلى ما بعد مستوى 30 درجة مئوية يعتبر في غاية السوء للمحاصيل”، كما يقول وولفارم شلينكر، الأستاذ المساعد في الشؤون العامة والدولية في جامعة كولومبيا.

فعلى سبيل المثال، تظهر دراسة إحصائية قام بها مع زميل له عن إنتاج الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة انخفاضاً حاداً في كمية الإنتاج عند تجاوز عتبة الـ 30 درجة مئوية.

في الولايات المتحدة التي هي أكبر منتج في العالم للذرة وفول الصويا يمكن للمزارع أن تنتقل إلى الشمال لدرجة معينة كما يقول شلينكر، لكن في المستقبل من المرجح أن تعاني المحاصيل الغذائية لأن التربة شمال أيوا تنخفض جودتها، نتيجة للتوسع الجليدي.

دراسات أخرى بما فيها عن القمح في الهند و عن الذرة في أفريقيا توصلت إلى أنه إذا تجاوزت درجات الحرارة حداً معيناً فإن كمية المحاصيل تبدأ في التراجع. المحاصيل يمكنها التأقلم والانتقال ولكن إلى حد معين.

يقول شلينكر: “العامل المشترك بين جميع الأبحاث هو التوصل إلى أن درجات الحرارة المرتفعة جداً تؤثر بصورة جوهرية على نمو المحاصيل الغذائية، لكن حدود هذا التأثير تتفاوت من محصول إلى آخر. إذا صحت التنبؤات لنهاية القرن، فإنني أعتقد أن كثيراً من المناطق الزراعية في الولايات المتحدة ستصاب بأضرار وخسائر كبيرة”.

في الظروف الحالية يتعرض حوالي أربعة في المئة من الأراضي المزروعة بالمحاصيل في العالم إلى الجفاف في أي سنة من السنوات. لكن بحلول نهاية القرن يتوقع أن تصل النسبة الى 18 في المئة سنوياً.

بعض الدراسات تشير إلى أن المحاصيل البستانية بشكل عام، وهي كل ما نتناوله إلى جانب المواد الغذائية الرئيسية يمكن أن تكون الأشد تأثراً بشكل عام، نظراً لأنها محصورة في مناطق جغرافية أصغر.

وقد توصلت جارفيز وزملاؤها إلى أن 18 في المئة من مناطق زراعة البن في وسط أفريقيا والبرازيل يمكن أن تصبح غير ملائمة بحلول عام 2050 على سبيل المثال، بينما يرجح أن يكون للتغير المناخي آثار عميقة على إنتاج الكاكاو في غرب أفريقيا.

يضيف جارفيز: “النوعية الفاخرة من الشوكولاته ستصبح أقل توفراً في المستقبل، وإن رغبت فيها، فعليك أن تدفع ثمناً أعلى للحصول عليها”.

هذا يعني أن بعض أنواع الأطعمة ستكلف من يرغبون بها أسعاراً أعلى. لكن بالنسبة لمن لا يستطيعون دفع أسعار مرتفعة، سيلجأون إلى شطب هذه الأنواع من قائمة غذائهم. يقول شلينكر: “كلما قلت المحاصيل، تراجعت وفرتها، وارتفع سعرها”.

تغير آخر سينتج عن التغير المناخي هو اعتمادنا على المحاصيل الأساسية كالقمح وفول الصويا والذرة والأرز والتي تزود الجنس البشري بنحو 75 في المئة من السعرات الحرارية، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال الحيوانات التي نربيها على هذه المحاصيل.

جارفيز وزملاؤها توصلوا أيضاً إلى أنه على مدى السنوات الخمسين الماضية شهد العالم تزايداً في تساوي معايير الغذاء، فالطعام الذي نتناوله اليوم على مستوى العالم متشابه بنسبة 36 في المئة أكثر مما كان عليه عام 1961.

وبينما تعتبر تلك أخباراً سارة بالنسبة لسكان العالم الفقراء الذين يستهلكون الآن سعرات حرارية، بروتين ودهون أكثر مما في السابق، إلا أن التجانس فيما نتناوله على مستوى العالم والاعتماد الزائد على مجموعة قليلة من المواد الغذائية الأساسية يجعلنا عرضة لتهديدات متعددة مثل الجفاف والمرض وانتشار الحشرات والتي يتوقع أن تزداد في عدة أماكن حول العالم نتيجة التغيرات المناخية.

هناك وسائل لتخفيف كارثة نقص الغذاء العالمي. وعلى نفس خطى الباحثة جيل فارانت في بحثها عن المحاصيل المتجددة، تهدف عدد من الشركات والمنظمات والباحثين بما في ذلك مؤسسات مثل “غيتس فاونديشن”، و”مونسانتو” إلى التوصل لمحاصيل مقاومة للجفاف ودرجات الحرارة عن طريق الهندسة الجينية والاستنبات التقليدي.

ومازال من المبكر الحكم على مدى نجاح هذه المساعي. يقول شلينكر: “العلماء الذين تحدثت إليهم في مونسانتو متفائلون تجاه إمكانية هندسة محاصيل تقاوم الحرارة المرتفعة. من ناحية أخرى، يبدو العلماء الذين تحدثت معهم في وزارة الزراعة الأمريكية أكثر حذراً”.

ويضيف جارفيز: “الهندسة الوراثية هي أحد الحلول التي ينبغي أن نواصل تطويرها، لكنها ليست العصا السحرية التي ستحل كافة المشاكل. الأدلة التي تم جمعها في السنوات العشر الأخيرة تشير إلى أن الهندسة الوراثية لم تحدث تغييراً جذرياً ثورياً في الزراعة”.

وإلى أن تؤتي الهندسة الوراثية ثمارها، فإن حلولاً أخرى يمكنها المساهمة في التغلب على بعض جوانب المشكلة، بما في ذلك زيادة كمية السماد، واتباع طرق ري أفضل، واستخدام الماكينات والآلات التي تنتج المحاصيل بسرعة من حقولها، أو بإقامة صوامع للتخزين تمنع التسوس.

يقول والش: “العديد من الأماكن يمكنها الاستفادة بشكل كبير باستخدام تقنيات موجودة في الزراعة. الإدارة العامة للاقتصاد الزراعي يمكنها أن تساهم بصورة كبيرة في التخفيف من التغيرات”.

وفي الختام، يمكن لتنويع اعتمادنا على المحاصيل الحساسة للحرارة مثل الأرز والقمح والذرة أن يساعد في حل المشكلة.

يقول جارفيز: “لقد شاهدنا تغييرات جذرية في العقود الماضية فيما نأكله نتيجة لحركة التجارة العالمية، وأعتقد أن الميل إلى التنويع سوف يستمر. إن الاعتماد على عدد أكبر من النباتات ينتج عنه نظام غذائي أكثر صلابة وأقل خطورة، وهو أمر يوفر تشكيلة أوسع من متطلبات التغذية”.

 


جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا