كيف يقود توحيد الجيش بصيغته الحالية إلى تقسيم ليبيا؟ - عين ليبيا
من إعداد: سالم المعداني
تشهد ليبيا اليوم حراكاً محموماً تحت لافتة “توحيد الجيش” يبدو في مظهره خطوة إيجابية طال انتظارها؛ لكن جوهره يثير مخاوف جدية من إعادة إنتاج الانقسام العسكري بصورة أعمق وأكثر خطورة.
فالتصور المتداول حالياً — خصوصاً في المنطقة الغربية — يقوم على تعيين “قائد عام للجيش” وإعادة هيكلة مراكز القرار، دون فهم تاريخ هذا المنصب أو إدراك تبعات إعادة إحيائه، ودون مراجعة قانونية جادة لسياق نشأته وإلغائه.
إن جوهر المشكلة ليس في التوحيد نفسه، بل في الطريقة الخاطئة والهيكل الذي يُفرض على المؤسسة العسكرية دون أسس دستورية أو تراكم وطني سليم.
وهو خطأ قد لا يهدد المؤسسة العسكرية وحدها، بل قد يقود البلاد — بصريح العبارة — إلى الانقسام إلى دولتين إذا استمر دون تصحيح.
هذا المقال يشرح لماذا.
1.جذور الخطأ:
يجهل كثيرون أن منصب القيادة العامة منصب ملغي مند عام 1989 “القائد العام للقوات المسلحة” في ليبيا ألغي رسمياً بموجب قرار القائد الأعلى للجيش رقم 5 لسنة 1989، واستُبدل به “اللجنة العامة للدفاع”، التي أصبحت هي القيادة العسكرية العليا بدلاً من القيادة العامة التي كانت تطلع بمهام وزارة الدفاع.
أي أن المنصب الذي جرى إحياؤه بعد 2014 ملغى قانونياً ولم يصدر أي قانون بإعادته وإحياؤه تم بقرار سياسي لا تشريعي
وعليه، فإن أي محاولة لصناعة “قيادة عامة” جديدة في المنطقة الغربية تعيد افتتاح بابٍ أُغلق منذ 36 عاماً، دون سند قانوني أو دستوري.
2. خطأ مجلس النواب في سنة 2015، أعاد مجلس النواب منصب “القائد العام” عبر تعديل قانون 11 لسنة 2012، دون مراجعة التشريعات السابقة، ودون فهم أن المنصب:
إما غير موجود منذ 1989 أو أنه في الأصل وزارة الدفاع بصورة أخرى
هذا الخطأ التشريعي تسبب في:
3. كيف يتحول “التوحيد” إلى تقسيم؟ مثلما حصل في السودان
الخطورة ليست في التعيين فحسب، بل في الفلسفة العسكرية التي تقوم عليها القيادة العامة نفسها.
فهذا المنصب جزء من العقيدة السوفييتية التي:
وهو ما يتناقض مع جوهر ثورة فبراير التي نادت بمدنية الدولة والتداول السلمي للسلطة.
إذا تمت إعادة إنشاء القيادة العامة في الغرب، بينما توجد قيادة عامة قائمة في الشرق، فالمشهد القادم سيكون كالآتي:
4. لماذا تصبح “القيادة العامة” سلاحاً بيد الانقسام؟
لأنها تخلق:
أولاً: ازدواج القيادة وضياع وحدة القرار العسكري “القيادة العامة .. مؤسسة خارج السيطرة المدنية”
في نظام أي جيش حديث هناك:
لكن “القيادة العامة” تمنح شخصاً واحداً سلطة مطلقة تجعل كل ذلك بلا قيمة.
فإذا كانت هناك قيادتان… فقد وقع الانقسام.
ثانياً: شرعنة الترقيات غير المنضبطة في الشرق
عشرات الرتب العليا (لواء/فريق/مشير) مُنحت دون ضوابط حقيقية وبالمخالفة للتشريعات العسكرية ومنها القانون رقم (40) لسنة 1974م. بشأن الخدمة في القوات المسلحة ودون مراعاة لهيكل الجيش.
وحين يتم التوحيد:
ثالثاً: تفريغ الغرب من رتب الخبرة
سبق ان تم تداول هذه الموضوع مع رئيس المجلس الرئاسي السابق فايز السراج بعد بيان آثاره على بنية الجيش إذا تم إحالة ضباط الجيش على التقاعد في ظل اعلان حالة النفير وتطبيق القانون رقم 21 لسنة 1991م بشأن التعبئة الذي يحظر إحالة العسكريين اثناء التعبئة وبالتالي يتعين ترجيع جميع العسكريين الذين احيلوا للتقاعد بعد 2014 باعتبارها كلها باطلة قانونياً وقد استجاب لذلك بسبب:
رابعاً: خطر أن يصبح الجيش قوة سياسية تحكم الدولة.
القيادة العامة — تاريخياً — تقف فوق الحكومة. ومع وجود قيادتين متصارعتين، يصبح:
5. مآلات خطيرة قد تنتهي إلى دولتين
إذا استمر هذا المسار دون تصحيح، فالمآلات واضحة وستكون:
1) جيشان يعكسان انقساماً سياسياً وجغرافياً
2) انهيار أي محاولة للحوار العسكري 5+5
3) تعطيل الانتخابات والدستور
4) تدخل أجنبي مضاعفا في الشرق الليبي وغربها والنتيجة: صراع دائم.
5) خطر التقسيم الرسمي
إذا انفجرت مواجهة عسكرية جديدة بين القيادتين، قد يفرض المجتمع الدولي: وقف إطلاق نار وخطوط تماس وإدارة ذاتية ثم نجد أنفسنا أمام دولتين تماماً كما حدث في:
السودان واليمن وقبرص وكوريا
ليبيا ليست بمنأى عن هذه السيناريوهات.
6) الحل ليس إلغاء التوحيد، بل تصحيح الطريق وذلك عبر:
أولاً: إلغاء منصب القيادة العامة نهائياً
لأنه:
ثانياً: العودة للهيكل الطبيعي للجيش الحديث
وهو:
ثالثاً: إصلاح الترقيات والإحالات الباطلة وإعادة الضباط المبعدين في الغرب إلى مواقعهم.
رابعاً: توحيد العقيدة العسكرية لا الهيكل فقط
فلا معنى لتوحيد السلاح دون توحيد:
خامساً: إشراك البعثة الأممبة لتفادي كارثة تاريخية تتمثل في توحيد الجيش بطريقة تقسّم الدولة.
وختاماً:
وحدة الجيش لا تبنى بتجميع الرتب بل بتوحيد العقيدة العسكرية والشرعية والقانون
إنّ إعادة إنشاء “القيادة العامة” بصيغتها التاريخية، سواء في الغرب أو الشرق، ليست خطوة إصلاحية بل خطأ جسيم يعيد ليبيا إلى بوابة الانقسام.
وإذا استمرت هذه المقاربة السوفييتية في تنظيم الجيش، فإن البلاد ستجد نفسها — من حيث لا تشعر — أمام مسار يؤدي إلى:
جيشين ،شرعيتين ،عقيدتين ودولتين
وهو ما يجب مواجهته اليوم قبل أن يصبح أمراً واقعا
إذا لم تتمكنوا من بناء الدولة فلا تكونوا معول هدمها
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا