كي لا ننسى.. ليلة سقوط وادي الدوم - عين ليبيا

من إعداد: مبروك المغربي

كان عام 1987م عاما سيئا على ليبيا، لم تخل مدينة أو قرية من خيم العزاء، وكان يوم 23 مارس 1987 يوما غير عادي في حياتنا جميعا.

في ذلك اليوم سقطت قاعدة وادي الدوم في يد القوات التشادية، ومُنِيت قواتنا بخسائر فادحة وسقطت القاعدة التي كانت رمزا للقوة فأصبحت رمزا للهزيمة والانكسار، وهُزِم الجيش الذي كان أصلا مهزوما قبل أن يدخل تلك المعركة.

لتنتصر في هذه الحرب يجب أن تكون لديك قيادة حكيمة وسلاح فعال ومعنويات عالية، وللأسف نحن كان سلاحنا معطوبا ومعنوياتنا تحت الصفر وقيادتنا حدث ولا حرج.

في ذلك اليوم تجرع أبناء القوات المسلحة مرارة الهزيمة، وتكبدت قواتنا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، قُتل من قُتل، و أُسر من أسر، وفر من فر، كان يوما عصيبا جدا وسط دخول القوات التشادية إلى القاعدة.

كان الجو رديئا للغاية، ومعنويات جنودنا هابطة تحت الصفر، داخل القاعدة الجو مُفَحّم بالغبار والدخان ولا تسمع إلا صوت الانفجارات وطلقات البنادق والرماية في كل اتجاه وترى تصاعد اللهيب من خزانات الوقود، وترى مئات الجثث من جنودنا متناثرة في كل مكان، وجرحانا ينزفون على تلك الرمال الساخنة حتى الموت.

أما دباباتنا وأسلحتنا فكانت في حالة سكون تام أمام هجوم القوات التشادية على القاعدة، والكثير منا في حالة ذهول تام ونحن نرى القوات التشادية تسيطر على القاعدة وسط مقاومة خفيفة جدا لا تذكر.

هدوء تام لا تسمع إلا بعض الرصاصات هنا وهناك والجميع في حالة ذهول وارتباك وخوف شديد من القادم.

وفجأة هرج ومرج ولغة لا نفهمها، شيء ما قد حدث، من بين تلك الجثث المتناثرة والدبابات المحروقة والدخان المتصاعد يخرج الجنود التشاديون وهم فرحون بأنهم قد أسروا آمر العمليات العقيد خليفة حفتر ومعاونيه وكبار الضباط في منظر مؤسف ولحظة تاريخية صعبة.

رؤية الجنود قائدهم وهو أسير كان سببا أن يضع الجنود أيديهم فوق رؤوسهم وهم يشعرون بالذل والمهانة ويتجرعون مرارة الهزيمة والانكسار.

تستولي القوات التشادية على أكداس هائلة من التموين والذخيرة والشاحنات والعربات بكافة أنواعها، كم كانت فرحة القائد التشادي حسن الجاموس كبيرة عندما علم أن من بين الأسرى العقيد خليفة حفتر.

يقاد الأسرى خارج القاعدة ليبقوا في العراء تحت حرارة الشمس اللاذعة وبرودة الليل القارصة، و ينقل العقيد خليفة حفتر ومعاونوه إلى العاصمة أنجامينا وبقي باقي الأسرى حوالي 3 أيام وهم يتعرضون للإهانة، وقد تم استعمال بعض الأسرى في خدمة الجندي التشادي في غسل الملابس والطهي.

نُقِل الأسرى إلى العاصمة أنجامينا وجروا في شوارعها حفاة عراة ليرميهم الشعب التشادي بالقارورات والأحذية لإذلالهم في منظر مؤلم وكارثي ومأساوي.

هؤلاء الأسرى لاقوا الكثير والكثير من الصعاب، هؤلاء الأسرى عانوا ويلات السجون والسجان الذي لم تأخذه بهم رحمة ولا شفقة وهو يمارس شتى أنواع العذاب والتنكيل عليهم.

تحت الضرب والتهديد تتساقط دموع الأسرى الغالية وهي أعز ما يملكون، ليس خوفا بل حزنا على وطن ينكرهم وعدو يعذبهم، لتكون الحشرات والدواب والقمل رفيقا لهم.

هؤلاء هم الأسرى أما الجرحى فقد نزفوا على تلك الرمال الساخنة حتى الموت وكان أنينهم يفطر القلب، والذين فروا عبر تلك الجبال الشاهقة والصحراء الوعرة مات أغلبهم عطشا، أما الذين قُتِلوا فأصبحوا طعاما للذئاب ليلا والغربان نهارا.

ولازالت عظام ورفاة الكثير من جنودنا مرمية في تلك الصحراء القاحلة ولازال أسرى تلك الحرب يعانون الأمرَّيْن.

بعد مرور أكثر من 34 عاما على تلك المأساة لازال الجرح ينزف، وستبقى لعنة تلك الحرب تطارد كل من شارك فيها هذا جزء من تاريخنا المؤلم الذي كتب بأحرف من دم، علينا ألا ننساه كي لا ننسى سقوط الدوم وضياع جيل وهزيمة جيش.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا