لقاء السراج وحفتر.. الحضور والغياب ودلالة المكان - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق العرادي

أثار لقاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج بخليفة حفتر، في دولة الإمارات العربية المتحدة، لغطا ربما أعطاه حجما أكبر مما يمكن أن يكون اللقاء تضمنه فعلا، وتفاءل كثيرون بأن يكون وضع خارطة طريق جديدة للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، وأن من شأنه أن يعيد الأمل بإنعاش الاتفاق السياسي.

لا شك أنه في نهاية المطاف تجلس الأطراف المتقاتلة، في أي صراع ،على طاولة الحوار بعد أن أنهكهم الصراع وأنهك مقدرات أوطانهم ونال من معيشة المواطن البسيط ومذخراته، لكن السراج نفسه لا يرى أنه جزء من هذا الصراع، لذا فأنا لست من الذين يرون أن اللقاء سيضيف ثقلا كبيرا إلى الجهود التي تبذل في سبيل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، ولكنه قد يكون خطوة لمزيد من إقامة الحجة على رافضي ومعرقلي الاتفاق السياسي وعلى رأسهم السيد خليفة حفتر، بأن الإنضواء تحت الاتفاق السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة أو لعب أي دور بعدها.

دلالة المكان

إذا تجاوزنا الإستقبال، هناك دلالات كثيرة لهذا  اللقاء، منها البحث عن نصر معنوي، وبالذات بعد تقارير المنظمات الدولية بشأن إنتهاكات لحقوق الإنسان، متعلقة بارتكاب جرائم حرب تشمل قتل وضرب المدنيين والإعدام الميداني والتمثيل بالجثث، وكذلك ما رشح عن مجلس الشيوخ الأمريكي من إشارات بعدم مشاركة حفتر في الحرب على الإرهاب، مما يشكل ضربة قاسية لحملته العسكرية التي بنيت أساسا على محاربة الإرهاب.

وبالرغم من أن هذا اللقاء يأتي في إطار عملية تسويق للدولة المضيفة، ضمن التنافس الإقليمي والدولي على الملف الليبي، أمام الفيل الأمريكي الجديد، وكلاعب محتمل لدور إقليمي بديل عن إيطاليا، إلا أن أهم دلالات هذا اللقاء؛ هو حسم الجدل بعدم وجود بديل عن الاتفاق السياسي، وسيظل هو الإطار الأكثر قبولا ومرونة، لدخول كل أطراف المشهد الليبي تحته، كما أنه السبيل الوحيد لنيل الشرعية، أو قبول المجتمع الدولي الذي رعى الاتفاق.

كما أن لمكان اللقاء أيضا دلالته؛ فهو ينعقد في بلد كانت طرفا نشطا في دعم بعض أطراف الصراع المسلح في ليبيا بل شارك طيرانها علنا في المعارك ضد طرف آخر. مما يعني أن المكان يرسل رسالة سلبية إلى طرف أساسي من داعمي الاتفاق السياسي النشطين.

لربما لو كان اختيار بلد أخر كالجزائر، بدلاً من الإمارات، كفيلا بتبديد هذا التوجس، لكون الجزائر بالفعل طرفا محايدا ولم يكن طرفا في الصراع المسلح، ولربما أعطى السراج، المسلح بدبلوماسية محترفة (سيالة وفرحات)، لكلامه؛ بأنه ليس طرفا في الصراع أو منحاز لطرف ضد آخر، مصداقية أكبر.

‎وماذا عن باقي الرافضين للاتفاق؟

من المعروف أن أبرز معارضي الاتفاق السياسي في المنطقة الشرقية هو خليفة حفتر، وهو ما يمكن أن يعطي للسراج مبررا لقبول الجلوس مع حفتر، ومحاولة إدخاله ضمن الاتفاق، طالما أنه قبل أن يكون تحت السلطة المدنية التي يمثلها السراج وحكومته.

لكن هذا المبرر نفسه يعطي أحقية لكل رافضي الاتفاق بالجلوس إليهم، ومحاولة احتوائهم داخل مؤسسات الدولة المنبثقة عن الاتفاق. وهناك قوى مدنية وعسكرية في المنطقة الغربية والجنوبية، وفي المنطقة الشرقية (درنة) ترفض الاتفاق السياسي، والدخول تحت شرعيته، فهل سيقرر السراج الجلوس إلى كل الرافضين؟ وعلى أي أساس سيميز بينهم؟

‎عقيلة والسويحلي.. غياب أم تغييب

كما لا يمكن المرور على اللقاء دون تسجيل غياب رئيس البرلمان عقيلة صالح، والذي كان مدعوا لحضور اللقاء الذي رفضه حفتر في القاهرة قبل أشهر قليلة، ومع أنه من الصعب الجزم بأن هناك توجها ما لتجاوز رئيس البرلمان عقيلة صالح، إلا أن استبعاده من اللقاء يحمل رسالة سلبية تجاهه، لا يمكن الجزم بحجم عمقها، بالرغم من الأنباء التي تتحدث عن أن تقريرا ما، كتبه مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية، يحمل إشارات سلبية في حق السيد عقيلة.

إذا كان اللقاء بتجاهله رئيس البرلمان عقيلة صالح قد أعطى مؤشرا إلى إمكانية تجاوزه، فإنه أعطى مؤشرات أخرى بإمكانه تجاوز رئيس المجلس الأعلى للدولة، والمجلس الذي يعاني من ضعف في الأداء، نظرا لعدم قدرته على فرض نفسه طرفا رئيسا في المعادلة، رغم أنه عمليا هو الطرف الوحيد الذي بذل من أجل الاتفاق السياسي، وضحى بحلفائه الرافضين للاتفاق.

إنذارا مبكراً

يعطي اللقاء، وغيره من الأحداث في الأسابيع الماضية إنذارا مبكرا للطرف السياسي الذي يمثله رئيس المجلس الأعلى للدولة، بوصفه يتبوأ أهم موقع في الطرف الداعم للاتفاق في الغرب الليبي، يعطيه إنذارا بضرورة التحرك السريع للتعبير عن إرادة الطرف الذي يمثله، من خلال إستراتيجية وليس عبر تصرفات فردية.

رسم هذه الاستراتيجية ضروري لأربعة أسباب؛ أولاً: حتي يكون بإستطاعة المجلس الأعلى للدولة أن يكون طرفا في تحديد الدور الذي سيلعبه أي من المعرقلين للاتفاق من كلا الطرفين، وثانياً: لتبديد المخاوف الجدية للطرف الذي يمثله من محاولات الالتفاف عليه أو على بعض أطرافه، وثالثاً: لضمان عدم إهدار كل جهود من يمثلهم المجلس الأعلى، في تثبيت الاتفاق السياسي، تقربا لطرف عمل كلما في وسعه من أجل عرقلة الاتفاق، وإدامة القتال بين الليبيين وتقويض ما تبقى من مؤسسات الدولة، ولحمة المجتمع، ورابعاً: لتحصين الاتفاق السياسي، واحترام آليات تعديله المنصوص عليها ضمن مواده.

دستور الوطن هو الحل.. ولكن

وتجاوزا لكل هذا الجدل والتجاذب يجب على القوى السياسية والمجتمعية الليبية التوجه نحو خيار إقرار الدستور الدائم، بناء على المسودة التوافقية التي وضعتها اللجنة المكلفة من الهيأة التأسيسية، والتي ستجتمع غدا للنظر في مخرجاتها.

سيكون الدستور بمثابة المخرج النهائي من تنازع الشرعيات، والتحاكم إلى قواعد القانون، بدل التحاكم إلى منطق القوة، بشرط الحذر من أن يفصل الدستور على أشخاص بدلا من الوطن، كل الوطن.

بخطوة كهذه يمكن القول، إننا بصدد طي صفحات خمسة عقود من التيه، حكمنا فيها العسكر وحصاده، كان زرعُه مرا وكان حصده أمر، طي هذه الصفحات السوداء من تاريخ ليبيا يلزمنا ألا نتنكب الطريق ونعيد حكم العسكر أو الاستبداد، بعد هذه التضحيات التي قدمها الشعب الليبي على مدار خمسة عقود من هذا التيه بحثاً عن وطن، يعيش فيه المواطن حرا سعيدا، ويكون الحاكم فيه خادما لشعبه بدلا من أن ينصب نفسه عليهم إلها.

سيعيد الدستور، المفصّل على مقاس الوطن، السلطة إلى صاحب السلطة الحقيقي؛ الشعب الليبي، الذي يختار من يحكمه وفق دستور حلم به لعقود طويلة، وحرمته منه سلطة العسكري الفرد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا