للنساء فقط - عين ليبيا

من إعداد: وفاء البوعيسي

مفارقة كبيرة تستدعي الرثاء, أن نعرف أن إقرار قانون رقم 10 لسنة 1984, بشأن الزواج والطلاق وآثارهما, وتعديلاته المتتالية, قد وقع باتفاق الرجال والنساء معاً, في مداولات ومساجلات طويلة, فيما كان يعرف بالمؤتمرات الشعبية الأساسية, بعهد النظام السابق, لكن ما حدث هو أنه بعد الإطاحة به, جرى القفز على هذا القانون وتعديلاته, بقرارات ذكورية فردية, لرجال أرادوا التشريع لأنفسهم, وتمرير شبقهم الجنسي, وتسييجه بقانون آخر وبالشريعة الإسلامية نفسها, وبمنأى عن شريكتهم بالوطن, التي تفوقهم عدداً وربما علماً, والأنكى أن تتصدى “دائرة ذكورية دستورية” بالمحكمة العليا, لم تتخلل مداولاتها امرأة واحدة, للتعدي على أكثر من نصف المجتمع, وذلك في حالتين ماثلتين الآن, أراهما من أخطر ما قد يمس بكيان الأسرة الليبية, ويهدد الثقة بها وبالرجل نفسه.

الحالة الأولى: تضمّن القانون رقم 10 بالمادة 6, ما يفيد تحديد سن الزواج بإتمام العشرين, على أنه يحق للمحكمة وحدها, أن تسمح بتزويج من هو دون هذه السن.

وما حدث, أنه قد جرى خرق هذه المادة, بقرار “ذكوري” إنفرادي, من ولي ثلاث طفلات, بمدينة الزاوية وحدها, حيث جرى تزويج طفلة من مواليد 2000, والطفلتين الأخريين مواليد آخر التسعينات, وليست الزاوية وحدها من شهد هذه الفعلة الشنيعة في حق الطفولة, بل مدناً أخرى, وبأرقام يبدو أنها قد أثارت انتباه وحفيظة سيدات, من حركة النساء قادمات, حتى أنني تكلمت شخصياً مع إحدى ناشطاتها, وزودتني بهذه المعلومات من داخل مدينة الزاوية.

وخلال عملي الطويل بالمحاماة, لم أقع مطلقاً, على حكم قضائي, خوّل الولي تزويج طفلة بالكاد بلغت الثالثة عشرة, كما أنني تعاملت مع عدد كبير من المأذونين الشرعيين, فما وجدت ـ حسب شهادتي فيمن عرفتهم ـ أحدا عقد على طفلة أصلاً, ولا على من هي دون العشرين, بدون أن يستند على قرار من القاضي, لأن انتفاء تحقق هذا الشرط, سيرتب أثراً خطيراً جداً بالمستقبل, وهو فقدان الزوج والزوجة, أهلية التقاضي عن أي خلاف يثور بينهما لاحقاً.

وما حدث بالحالات المذكورة بالزاوية وغيرها, أنه جرى اتباع مسلك معين, استهدف تجاهل القانون, من قِبل ولي تلك الطفلات, بالعقد عليهن مباشرة لدى المأذون, أو حتى بالاستحصال على إذن زواج, بالمخالفة لما استقر عليه العمل, منذ أكثر من 29 سنة مضت, وهو أمر يمكنني تسميته بـ “تقنين الشذوذ الجنسي بالأطفال”, تقنيناً قانويناً, ودينياً, واجتماعياً, فمضاجعة طفلة في الثالثة عشر, يسمى علمياً بالبيدوفيليا, وهي نمط من أنماط الإنحرافات الجنسية, التي تحيد بالرجل عن التصرفات السوية في إشباع لذته.

وقد سيّج البعض سلوكه ذاك بالدين, حين استمده من تفسير الآية الكريمة “واللائي لم يحضن” من أنه لا يتصور تحقق عدة, ما لم يتحقق الزواج أولاً, مصرّين على أنها تعني الصغيرات بالذات, متعللين بأنه لو أريد بها عكس ذلك, لوردت الآية بلفظ “واللائي لا يحضن”, أو استمده من ثبوت زواج النبي عليه الصلاة والسلام, بالسيدة عائشة, التي تراوح عمرها بحسب المشهور من الفقهاء, بين 9 سنين وبين 11 سنة, وإن كان ابن عثيمين قد حرّم الزواج بالصغيرة, وقد نهى عن التشبه بالنبي, لأنه كما قال “أملك لإربه من غيره من المسلمين”, وأنه أمر اختص به وحده عليه الصلاة والسلام.

وما يعنيني هنا, هو المبدأ في حد ذاته, حتى في حال تحقق الحيض, إذ أن الولي والزوج, إنما ينظران للجزء الأسفل من جسد المرأة فقط, لأنه الأهم في الزواج بها من عقلها, ولأنه الأولى بالأعتبار من علمها, ومن نضجها العقلي والزمني, فما إن يتقاطر الدم من ذلك الجزء, حتي يعطي الإشارة بأنها قد صارت جاهزة للمضاجعة.

والحالة الثانية: بشأن تقييد تعدد الزوجات, فقد كان القانون يشترط موافقة القاضي فقط, بعد التثبت من مدى ملائمة ظروف الرجل, للشروط التي نص عليها القرآن الكريم, ثم صدر أول تعديل, لما أظهره الجانب العملي من قيام الرجال بالتحايل أمام القاضي, بعدم إعلام المرأة بقرار المحكمة, وعدم إدخالها في طلب الإذن, فاشترط لاحقاً, موافقتها رسمياً على الزواج, فإن لم توافق فإن عليه الحصول على إذن من القاضي, لكن تمخض الأمر عن وقوع تزوير في تحصيل موافقتها, أمام بعض محرري العقود أو بعض مختاري المحلة, فصدر آخر تعديل يحسم المسألة, بضرورة موافقة الزوجة أمام القاضي شخصياً, أو صدور حكم من المحكمة, تكون الزوجة الأولى فيه, قد أُعلنت بالجلسة إعلاناً صحيحاً, أو مثَلَت أمامها بالفعل, ففي التعديلات الأولى والثانية, أراد المشرع كفالة علم المرأة بالتزوج عليها, ودائماً كان باب القضاء مفتوحاً على مصراعيه للرجل.

وأخشى أن حكم المحكمة العليا ليس بحوزتي, كي أطلع على حيثياته, وديباجته, ومنطوقه, وكي أتثبت من مراعاة الضوابط التي يتطلبها قانون المرافعات, بشأن صدور الأحكام, سيما أن أحكامها ملزمة للكافة, ولا تقتصر وظيفتها على الحكم في الواقعة المعروضة عليها, بل تتعداها لإرساء مبادئ عامة مطلقة تلزم الكل, ومن العسير جداً, التراجع عن حكم ما صدر عنها, بسبب حصانة أحكامها ومبادئها القضائية, إلا بحالات محدودة ونادرة الوقوع.

غير أن ما يحز بنفسي, بعد هذا الكفاح الطويل لمحكمتي العليا, حين كانت تبز في اجتهاداتها وأحكامها محكمة النقص المصرية على عراقتها, وقد أرست دائماً ولفترة طويلة, إرثاً قانونياً نعوّل عليه نحن المحامون في عملنا, حين يشكُل علينا أمر تفسير مادة ما, أو حين نلمس تعارضاً بين مادة وأخرى, ننهل منه ونحاجج به أمام الماكم الدنيا, بل كنا نتربص بمجلة المحكمة العليا, ونتهافت على اقتنائها بسبب قلة الأعداد التي تطبعها سنوياً, يحز بي اليوم, وبعد ستين سنة على إنشائها, أن أراها تلطم حقوق النساء, ولا تُلقي بالاً لمكاسب المرأة الليبية منذ عهد الاستقلال, وعهد القذافي, ونضالها في الحياة مع الرجل, منذ عهد الطليان, وبعهد الاستقلال حين كانت الجمعيات النسوية, تنتشر في المدن اللييبية من أجل حملات التطعيم, ومحو الأمية, وإنشاء دور العلم, وبعهد القذافي, حين كان عليها أن تدفع من جسدها وكرامتها, ثمن نزقه وهوسه هو الآخر, وتحركها يوم 15 فبراير 2011, حين صرخت هادرة بالحرية والكرامة, والدستور, وتغيير النظام, فأججت الثورة شرقاً وغرباً, سهلاً وجبلاً.

إن موقف المحكمة العليا الليبية اليوم, بإلغائها كل قيد على تعدد الزوجات, بما فيها إعلام الزوجة الأولى, لهو تخويل صريح وسافر الوجه, بتقزيم دور المرأة الليبية, من شريكة للرجل بمشوار الحياة الزوجية الطويل, ومن كونها شريكاً فاعلاً في التنمية ومسيرة الحياة المدنية بليبيا, ومن كونهاً أماً, وزوجةً, وموظفة, ورب بيت, تحترق وهي تعمل على مدى 24 ساعة, إلى محض قطعة أثاث, أو رجل كرسي, أو عروة في قميص, لا يُلتفت إليها, ولا تُعار أهمية, فهل علم أحدكم برجل, يتحدث مع قطعة أثاث, أو رجل كرسي, أو عروة في قميصه, عن رغبته بالزواج؟ بل إنها تحيلها إلى ما هو أبخس قيمةً من ذلك بكثير, وهو كونها مجرد جارية, وظيفتها متعة سيدها وتغذيته, بل إن المرأة الثانية التي سيتزوجها, ليست بأحسن حالاً من الأولى, فهو غير ملزم بإعلامها بأنه متزوج, ولا بتبصيرها أنه رب أسرة وصاحب عيال.

والآن أيتها المرأة الليبية: وقد بدأ زواج الطفلات بليبيا, وأُلغي كل قيد أو شرط, يقنن من تعدد الزوجات, فإنني سأتوقع غداً, صدور قانون يعيد أحكام النشوز, التي ألغاها قانون رقم 10 المذكور, وثانٍ يمنع السفر على المرأة من دون محرم, وثالث يمنعها من تقلد الوظائف العامة والخاصة, عدا خدمه الرجل, ورابع يحظر عليها قيادة السيارة, وخامس يمنع عليها الخروج من دون حجاب, وربما حتى من دون برقع يغطي كامل جسدها بالسواد, وقد يصدر قانون يرّغب في ختان الإناث, حين يجدون له اجتهاداً في كتاب أحد فقهاء الحيض والنفاس … ألخ, فهل ثمة ضمانة واحدة الآن, على أنكن ستعاملن كمخلوقات محترمة, وذات اعتبار؟

أيتها النساء:

كم عدد الليبيات البالغات يا ترى؟ مليونان؟ مليون ونصف؟ أغمضن أعينكن لخمس دقائق فقط, وتخيلن معي لو أن ربع هذا العدد, بل خمسه, أو حتى عشره, تمردن على تلك الصورة البغيضة, التي أرادت المحكمة العليا والذكوريين, حشركن فيها, أغمضن أعينكن وفكرن فقط, في ماذا سيحدث لو أن كل امرأة, تعتقد أن زواج الطفلات هو أمر مرفوض, وأن التزوج عليها بأخرى هو سلوك مهين للكرامة, قد امتنعت عن أن تكون خادمة لوقت مفتوح, تمتنع فيه عن إطعام ذلك الذي يعيش عالة عليها بالبيت, وهو يتأفف من كل شيء, ويزفر دخانه حانقاً, لا يسقي نفسه كوب ماء, لا يحضر لنفسه حبة إسبرين, لا يغير حفاظ طفله, لا يسهر معها عليه, حين تنهكه الحمى وحين يبدأ في التسنين, لا يصنع لنفسه شطيرة, لا ينظف مكان نومه ولا أكله ولا تغوطه, لا يعد لها وجبة صغيرة ولا يصنع لها فنجاناً من قهوة, حين تعود هي أيضاً من عملها خارج البيت, وتضع معه في مصروف البيت مبلغاً, يكفي معيشتهما لآخر الشهر, تخيلن أنكن جماعياً, تدخلن في إضراب مفتوح, تقررن فيه التوقف عن خدمة أبائكن, وأزواجكن, وإخوتكن, وأبنائكن ممن بلغوا سن الخامسة عشر على الأكثر, باستثناء المريض منهم, والعاجز, والصغير الذي لا يستغني عنكن, والذي تعلمن أنه يؤيد قضيتكن, ويؤمن بأنكن شريكات مكافآت له في كل شيء, تخيلن لو أنكن لا تطبخن لهم طعاماً, لا تغسلن لهم ثوباً, لا تضيّفون ضيوفهم, تخيلن هذا فقط, وفكرن لو أنكن تناصرتن معاً, على الإضراب عن خدمتهم, حتى يتبنون معكن موقفاً عادلاً, من مسألة زواج الطفلات, والتعدد الوقح, وقوانين أخرى قادمة تستهدف المزيد والمزيد من حقوقكن وكرامتكن, وتخيلن أكثر, لو أن كل زوجة امتنعت عن فراش زوجها, وسدت أذنيها عن تخويفه لها بالآيات القرآنية, والأحاديث الشريفة, التي يكبل معظمها حقكن في الكرامة, وإتخاذ موقف منصف, وتجاهلتن تخويفهم لكن بالنار, وإغرائهن لكن بالجنان وصحبة النبي, مقابل العودة إليه من جديد.

تخيلن لو أن كل امرأة, تحملت صراخه وضربه, وتحرشه بها حتى تعود إليه من جديد, بأن تحتسب ذلك على أنه جزء من فاتورة, يجب أن تدفعها كي تعيش ابنتها, وحفيدتها, أوضاعاً أفضل من أوضاعها, وكي ترى ابنها رجلاً يحترم المرأة, ويقدرها, ويقر بمساواتها له بكل شيء, وهي فاتورة دفعتن أكثر منها طوال حياتكن الماضية.

أيتها النساء الليبيات, فكرن فقط أن هذه المقالة ليست من فنتازيا خيالي الجامح, والمتعطش للحرية, بل إنها خطوة سبتقكن إليها نسوة من جزر الفلبين, من أجل منع أزواجهن, من قتال بني جلدتهم في مناطق أخرى من الفلبين, وقد أفضى إضرابهن عن الجنس, إلى إحلال السلام بذلك الجزء من الفلبين, وقد أثبتت كيزي مكينزي الناشطة الحقوقية في مينداناو الفلبينية, تحقق السلام وتوقف العنف هناك, بسبب إضراب النسوة عن الجنس, وأخريات من كينيا, دخلن إضرابا لمدة شهر واحد, أفضى لإنهاء خلاقات متأزمة في حكومتهن الائتلافية, وأخريات بالتوغو, شرعن في الإضراب عن الجنس لحين إسقاط رئيس البلاد نفسه.

أيتها النساء الليبيات, إنكن حين تسخرن من هذه المقالة, فإنما تسخرن من قدرتكن على التغيير بأساليب حضارية, هادئة, لا تسقط ضحايا, ولا تهرق دماً, ولا تقتل أحداً, ولا تدخله للسجن, وإنكن لستن أولى النساء اللاتي يفعلن هذا, ولن تكن الأخيرات, فالرجال يفكرون في ثورة جديدة الآن في 15 فبراير الجاري, لإسقاط المقريف, والمنقوش, والمركزية, وإعلاء القضاء, وبناء الجيش, وتفكيك المليشيات, وأنتن قادرات على القيام بثورتكن الخاصة, ثورتكن البيتوتية, بالكف عن إشباع غريزة الرجل وتغذية بطنه, بهدوء, وحضارية, وتصميم, برص الصفوف, بتجميع الكلمة, فالأمر لم يكن مستحيلاً, على نسوة من مجتمعات نعتبرها متخلفة, كالتوغو وكينيا, فتلك المجتمعات التي نعتبرها متخلفة, أيقظت العنقاء من رمادها, فتمردت, وتذكرن شيئاً واحداً, إن تحرير رجل, لا يعني بالضرورة تحرير امرأة معه, لكن تحرير امرأة, سيقود ولابد لتحرير رجل معها.

ولو كنت بليبيا الآن, أو متزوجة بليبي حتى في هولندا, كنت سأكون أول المبادرات, وآخر المتراجعات, حتى أحصل على حقي وحقكن.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا