لماذا نثق بالقرآن الكريم كمصدر للحديث عن دعوة نبي الله عيسى عليه السلام؟ - عين ليبيا
من إعداد: د. علي الصلابي
إنّ عيسى عليه السلام نبي الله هو من أولي العزم من الأنبياء، كما ذكره القرآن الكريم، معجزة بحد ذاته، منذ أن حملت به والدته البتول مريم إلى ولادته وفي حياته كاملة،حيث كان مولده آية ربانيّة ورحمة إلهيّة للبشر أجمعين، وقد ضلّ أقوام عن الهدى وانحرفوا عن منهج الله تعالى وعقيدة التّوحيد، فظنّوا بعيسى عليه السّلام ما ليس فيه ولا يليق به من الصّفات الإلهيّة، فتارة يقولون أنّ الله هو المسيح ابن مريم، وتارة يقولون أنّه ابن الله عز وجل، وتارة أخرى أنّه ثالث ثلاثة، تعالى الله وتنزّه عما يقولون ويفترون، لذلك تناول القرآن الكريم وفي مواطن كثيرة الحديث عن عيسى عليه السّلام.
وإنّ الاستعراض العلمي المؤيد بالدليل والبرهان والحجة سيبين أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي والتربوي والعلمي في سرد القرآن الكريم لعدد من المواقف المحددة من سيرة عبد الله ونبيه عيسى ابن مريم عليه السلام، وهذه المواقف تشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق، كما تشهد لرسول الله صلى الله عليم وسلم، بأنه لا يمكن أن يكون قد استقى هذه الحقائق من كتب العهدين القديم والجديد، وذلك للاختلاف الكبير بين ما جاء عن حقيقة هذا العبد الصالح في تلك المصادر، وتكفي في ذلك الإشارة إلى أن هناك من الوقائع القرآنية مالم يرد له ذكر في أيّ من كتب العهدين القديم والجديد.
وقد يتساءل الإنسان بصرف النظر عن ملَّته أو نحلته: كيف نجعل القرآن الكريم والسنة التي تعدُّ مكملة وموضحة له، ومصدراً للحديث عن دعوة نبي الله عيسى عليه السلام، وقد أنزل عليه كتاب كما أنزل القرآن؟
هناك عدة عوامل وأسباب تبرز ذلك وتسوّغه، أذكر منها:
وأما الأناجيل التي يعترف بها النصارى اليوم، فليس لها حظ من الثقة التاريخية، ولا نصيب من الاحترام العلمي اللازم بسبب ما شوهها من الاختلافات والتناقضات والأخطاء العلمية والتاريخية، وسيأتي في هذه الدراسة ضرب أمثلة لكلها إن شاء الله.
ويقول واشنطن إيرفنغ:”كانت التوراة في يوم ما هي مرشد الإنسان وأساس سلوكه، حتى إذا ظهر المسيح اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل ثم حلَّ القرآن مكانهما، فقد كان القرآن أكثر شمولاً وتفصيلاً من الكتابين السابقين، كما صحح القرآن ما قد أدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل”.
وعلى ضوء ما تقدم نخلص إلى حقيقة علمية ثابتة، وهي أنه لا يوجد مصدر آخر- غير القرآن الكريم مع السنة النبوية الصحيحة – يمكن الوثوق به فيما نحن بصدده. وأما الروايات التاريخية المضطربة سواء في داخل الأناجيل أو خارجها فلا يمكن اعتبارها أو الاستناد إليها في هذا المقام، وهذا ما أكده بعض علماء التاريخ من غير المسلمين فقالوا: ظاهرة عيسى عليه السلام لم تثر انتباه المؤرخين المعاصرين له، مما يجعل – من وجهة نظر تاريخية – أي سيرة تكتب عنه تجميعاً هامشياً لأحداث ومعطيات متناقضة، تحيط بفراغٍ لا يكاد يسكنه سوى ظل يكاد لا يدرك.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الآيات القرآنية التي تتحدث عن النصرانية ونبيها وكتابها عموماً، لا تتجاوز مائتين وعشرين آية، أي ما يمثل 5,3 % من مجموع الآيات القرآنية، خلافاً لما يتوهمه كثير من كتاب النصارى من أن غرض القرآن الأساسي هو مهاجمة العقائد النصرانية أو تضليل النصارى، بل إن هذا العدد المذكور إنما ورد في ثمان وعشرين سورة فقط بعضها لا يحتوي أكثر من آية أو آيتين، مع وجود تماثل بين بعضها والبعض الآخر.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا