لن تستقر الكهرباء قبل استقرار الدولة - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

إن كل شبكات الكهرباء في العالم تعتمد أساسا على إجراءات الصيانة الدورية المخططة وطالما نحن نفتقد إليها خلال أكثر من عقد فمن الطبيعي أن تتناقص كفاءة الشبكة وتفقد بعض قدرتها الإنتاجية نتيجة تقادم المعدات وبالتالي لا مناص من طرح الأحمال حتى لو استمر حجم الاستهلاك ثابتا فما بالك بازدياد ذلك كل عام جديد نتيجة الإنشاءات الجديدة من منازل وغيرها! ولا يمكن بحال من الأحوال إصلاح الخلل والقضاء على مشكلة طرح الأحمال بدون معالجات كبيرة يكون على رأسها إجراء الصيانة الجسيمة المتأخرة، لوحدات الإنتاج والتوليد وشبكات النقل.

لقد أدركت ومنذ السنوات الأولى لبداية ظهور المشكلة منذ عام 2013 و2014 أن السبب الرئيس في ذلك هو عدم القدرة على استمرار إجراء الصيانات الدورية، التي هي مبرمجة زمنيا لكل مكونات الشبكة، بدء بمحطات التوليد والإنتاج مرورا بشبكات النقل والتحكم وانتهاء بشبكات التوزيع، داخل المدن والتجمعات السكنية، ومعلوم أن شبكات الكهرباء في كل دول العالم تخضع لصيانة دورية مبرمجة، منها ما هو روتيني بسيط ومنها ما هو روتيني جسيم ما يسمى “الصيانة الجسيمة” أو “صيانة العمرات” وهي تخص تحديدا محطات ووحدات الإنتاج والتوليد على مختلف أنواعها.

لقد كانت في السابق الصيانات الجسيمة الدورية تقوم بها شركات أجنبية متخصصة، حيث كانت تأتي بكامل معداتها ومهندسيها وفنييها لبدء العمل وفق برنامج زمني مخطط ومحدد مسبقا، كما كان مخططا أن تكون فترات إجراء تلك الصيانات الجسيمة لمحطات التوليد والإنتاج في أوقات مناسبة خارج الذروة، سواء الشتوية أو الصيفية، ونقصد بالذروة هنا الأوقات التي يكون فيها استهلاك الكهرباء أكبر ما يمكن، حيث توجد في ليبيا ذروتان: شتوية؛ عندما يزداد الطلب للتدفئة وتسخين المياه، وصيفية عندما يزداد الطلب للتبريد واستخدام أجهزة التكييف.

كانت الأوقات المناسبة لإجراء الصيانات الجسيمة المبرمجة لمحطات التوليد، عادة ما تكون خلال فصلي الربيع والخريف، حيث يقل الطلب على استخدام الكهرباء نتيجة اعتدال الجو، وكانت أفضل الشهور هي مارس وأبريل في الربيع وأكتوبر ونوفمبر في الخريف، وكانت العمرات تجرى على كل وحدة في زمن تبادلي مع الأخريات حتى لا تتأثر الأحمال وهكذا كانت تسير الأمور وفق برنامج معد مسبقا، وهذا ما يفسر استقرار الشبكة حاليا خلال هذه الأوقات وعدم وجود انقطاعات.

قد يقول قائل ولماذا لم تجرى الصيانات كالسابق؟! لنقول وببساطة، أنه نظرا لعدم استقرار البلد لا تتوفر الظروف الأمنية المناسبة في ليبيا حتى الآن، فشركات الصيانة الدولية ترفض أن تُغامر بعامليها في دولة غير مستقرة خوفا من أي اختراقات تمس العاملين أو المعدات التي يستعملونها، وحتى وأن قبلت بعض الشركات المجيء لليبيا فإنها تشترط أن تتكفل الحكومة الليبية بالتأمين الكامل وهو ما يضاعف التكاليف أولا ثم عجز الحكومات المتعاقبة التام على توفير الحماية الأمنية الكافية للمحطات والمواقع المستهدفة بالصيانة، وهي العاجزة حتى على حماية وأمن واستقرار مواطنيها!.

الملفت للنظر هو عدم قدرة المسئولين في الحكومات المتعاقبة وشركة الكهرباء، على قول الحقيقة ومواجهة الجماهير بها، والمؤسف جدا هو ادعائهم الباطل ووعودهم في كل مرة بأن مشكلة الكهرباء ستحل قريبا، إلى أن أصبح ذلك مثارا للسخرية من المواطنين، ولا يعني ذلك إلا أن يترك باب الصرف العبثي للمال العام مشرعا في كل عام جديد، فكم من المليارات صُرِفت على الكهرباء خلال العقد الفائت، وقد تجاوزت مليارات الدولارات وهو رقم خيالي يمكن به تجديد شبكة كهرباء ليبيا بأكملها!.

إذا بكل بساطة و”ما تحتاجش لفقي” مشكلة الكهرباء في ليبيا ستظل قائمة ما ظلت ليبيا غير آمنة وغير مستقرة، فشبكة الكهرباء الحالية القائمة في ليبيا قدرتها الإنتاجية حوالي 9500 ميجاوات منهم حوالي 3000 ميجاوات في حكم الخروج من الشبكة نهائيا، وأن المتبقي القابل للإنتاج هو فقط حوالي 6500 ميجاوات في حين بلغ الاستهلاك الفعلي أثناء الذروة حوالي 7500 ميجاوات الأمر الذي يجعل العجز الفعلي حوالي 1000 ميجاوات، ونظرا للهدر الكبير في استعمال الكهرباء في ليبيا مقارنة بالدول الأخرى فإن عملية ناجحة للترشيد قد تعادل مقدار العجز الفعلي، ما يعني أنه لو توفرت الصيانة الفاعلة وتم إنتاج الـ6500 مع خط متوازي للترشيد قد تحل المشكلة وتعود الشبكة إلى الاستقرار.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا