لن تنجح الديمقراطية وهذا حالنا - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

في 2011م عندما حدثت انتفاضات ما سمي بالربيع العربي في بعض الأقطار العربية ومن بينها ليبيا وتمت الإطاحة بنظام الحكم الذي كنا نصفه بحكم الفرد الذي استمر 42 سنة كانت الرغبة قوية في التغيير إلى الأفضل على مستوى الحكم والإدارة بغية تغييره إلى حكم ديمقراطي عصري وفقا للمؤسسات الديمقراطية الحديثة التي تستند إلى دستور ثابت ينظم الحياة السياسية وطريقة الحكم واختصاصات السلطات والفصل بينها، وكان الهدف حينئذ تصحيح وتقويم المسار بما يوفي بمتطلبات الحكم الرشيد الذي هو مبتغى كل الشعوب، من خلال دستور مرجعي، لكننا عجزنا عن إصدار دستور برغم طول الزمن وانتخاب لجنة خاصة للدستور.

بكل أسف وبعد مضي عقد كامل من الزمن، لم نتمكن من تحقيق الهدف المنشود، بل أن ما حدث ويحدث الآن هو انحراف كامل عن المسار الديمقراطي، وتقهقر إلى الخلف إلى ما هو أقبح بكثير مما كنا فيه خلال فترة حكم النظام السابق، الأمر الذي جعل المواطن البسيط الذي يحكم من خلال واقعه المعاش، والذي ساء كثيرا يتمنى العودة لذلك النظام وبكل عفوية، في حقيقة الحال لا يقع اللوم على المواطن البسيط، فهو محق في امتعاضه وتحسره نتيجة ما صار إليه الحال، وانعكس على أوجه حياته اليومية التي صارت جحيما لا يطاق، ففقدان الأمن ثم التضييق عليه في حاجاته الأساسية لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف.

الآن يمكننا القول وبدون حرج، إننا في ليبيا لم ننجح في ولوج محك الديمقراطية بمفهوم الحكم الرشيد، بالرغم من ادعائنا ذلك، وأن رحلة الوصول إلى ذلك الهدف لاتزال طويلة وشاقة، ذلك أن الديمقراطية بمفهومها العلمي والعملي ممارسة منضبطة ناتجة عن ثقافة عامة تتشربها عقول الناس، ثم تمارسها سلوكا يفرض ذاته بواعز الاقتناع بها سبيلا مميزا للحكم والإدارة، ولذلك ها نحن وبكل أسف صرنا إلى ما هو أسوأ بكثير من قبل، فالفساد قد استشرى بشكل مذهل وصار منهجا تتبعه المجموعات النافذة المتحصنة خلف ترسانة السلاح الذي صار معززا للانحراف ودافعا لممارسته علنا وفي وضح النهار.

الذي يجب أن يُدرك هو أن التغيير ليس سهلا ولا يمكن حدوثه بين عشية وضحاها، فهو مسيرة طويلة تعترضها العراقيل، لكنها مخططة ومحددة بمراحل ومحكومة بإجراءات ، أما نحن نفتقد التخطيط المدروس الذي يتبعه الإجراء السليم، ولذلك عملية التغيير كانت وما زالت عشوائية وغير مدروسة، فالتغيير إلى الأفضل لا يمكن أن تحققه العشوائية والعبثية، لأن ذلك هو الخطر بعينه ونتائجه كارثية، وإذا كنا فعلا ننشد التغيير الحسن، أولى بنا أن نتعامل معه بمنهجية واضحة ومدروسة ونبتعد عن العاطفية وردات الفعل العفوي منها والمقصود، فذلك طبعا لن يؤتِ ثمارا ناضجة.

بعد رحلة عقد كامل من الزمن مؤسف جدا القول، بأني وصلت إلى قناعة شبه تامة إلى أن ليبيا ومن على شاكلتها من الدول لا يمكن أن تنجح فيها الديمقراطية الحديثة، فثقافة الشعب للأسف ترتكز على العاطفة وتغيّب العقل، ونحن شعب نتفاعل مع الأحداث بعاطفة جيّاشة ووقتيّة، وليست لنا القدرة على التحكم في عواطفنا عندما نحتاج إلى عقولنا، ومثل هكذا شعوب لا يمكنها التعايش مع منظومة الحكم الديمقراطي السائدة في العالم اليوم، والتي ترتكز على مبادئ الشفافية والحكم الرشيد ، عندما يكون الهدف تقييم ثم تقويم الحاكم وإدارته بكل جسارة ووضوح، نحن في حاجة إلى خوض معركة وعي جماهيري من خلال إعلام صادق يرسخ مفهوم دولة المؤسسات ومعنى الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة لتغيير ثقافة الليبيين التي تعزز وتدعم الحاكم الفرد كائن من كان طالما هو على رأس السلطة!.

الآن وبعد هذا العناء الطويل هل نستفاد من الدرس ونعود إلى رشدنا ونتسلح بالعقل عوضا عن العواطف التي أرهقتنا وضيعت مستقبل أجيالنا؟!، ونعترف بأننا قد أخطأنا في حق أنفسنا وبلدنا أولا وفي حق ومصير أجيالنا بالتالي، وهل نقتنع بأن كل يوم يمر ونحن على هذه الحال يزيد من تعميق أزمتنا ويراكم حجم الخسائر التي تلحق بنا ويدفع بنا بالتالي خطوات بائسة إلى الخلف؟! هل تستيقظ العقول من غفوتها وتتظافر جهود المخلصين من أبناء ليبيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان؟! هل نخوض معا معركة تغيير ثقافة الحكم لدينا وقبول ثقافة الديمقراطية الحقيقية، أم إننا يجب أن نرضى بواقعنا ويلزمنا عندئذ أن نتفق على الحد الأدنى من متطلبات الحكم الرشيد توجيها ورقابة، ونعترف بأن الديمقراطية لا تناسبنا ولن تنجح لدينا!.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا