ليبيا الجديدة، قتل الشباب واهدار الأموال بأوامر أمريكية - عين ليبيا

من إعداد: حسام المصراتي

تكرار مأساة حروب القذافي والتدخل في شؤون الدول:

هل قامت الثورة الليبية لتُعِـيد استنساخ تلك التجارب المَريرة وحملات الإبادة المُمَنهَجَة والمُنَظمَة للشباب الليبيين في أوغندا وتشاد ولبنان وغيرها من الحروب التي لا نَاقة لليبيا فيها ولا جَمَل، فقط ارضاءًا لأهواء ونزوات الديكتاتور المتهور. وتنفيداً لأجندة مشبوهة لإبادة الشباب الليبيين وتدمير الجيش الليبي حينها، وسرقة وإهدار أموال ليبيا بلا حسيب أو رقيب؟

لقد ذكرني الشاب المراهق “ابراهيم رجب الفرجاني” الذي تم القبض عليه من قبل الجيش السوري، بتلك الأيام والسنوات العجاف في ثمانينات القرن الماضي، عندما تم اختطافنا من مقاعد الدراسة بالثانوية العامة لنجد أنفسنا في أتون حرب تشاد… حرب لا تعنينا في شيء، وفي مواجهة الموت من أجل لا شيء … سوى ارضاءًا لطموح حاكم دموي مجنون ومتهور، يحلم بالهيمنة على الكون بأسره لو وجد إلى ذلك سبيلا.

انه ذات المشهد يتكرر بكل تفاصيله ونحن نرى هذا الشاب المراهق يحبس دموعه خوفاً ورعباً بين يدي جيش دولة أجنبية دخلها الشاب مدججاً بالسلاح ليقاتل أهلها بدون وجه حق. كما فعلنا نحن قبله في تشاد..!

لم يولد ابراهيم حينها عندما تم اقحامنا في حرب تشاد، ولكن ورغم “الثورة” وسقوط ذلك الديكتاتور إلا ان ذات المشهد يتكرر حرفياً … ولا يمكن أن ننسى جنود القذافي ولجانه الثورية وهم يقتحمون مدارسنا الثانوية لجر المراهقين عنوة وحشرهم في حافلات ليجدوا أنفسهم في أتون حرب شرسة يواجهون الموت وشتى صنوف التعذيب والتنكيل بهم إذا ماوقعوا في الأسر بين يدي الجيوش التشادية أو الأوغندية. وقد كنت شخصياً أحد ضحايا هذه الحروب وفي نفس عمر هذا الشاب ابراهيم … فلم أتجاوز الـ 16 عشرة عاماً حينها، صحبة عدد من أقراني من طلبة الثانويات العامة بأنحاء ليبيا … ولن ننسى أبداً تلك المأساة … وربما كانت تلك الجريمة أحدى أهم اسباب التحاقنا بالثورة.

فالشاب الليبي ابراهيم رجب الفرجاني الذي لم يتجاوز عمره 19 عاماً و”المختطف” من قبل كتيبة “أنصار الشريعة” و”كتيبة 17 فبراير” في بنغازي قد تم استدراجه – حسب روايته – من المسجد من قبل عناصر تابعة للكتيبتين المذكورتين ليتم تدريبه على أيدي قادة الكتيبة وعدد من الضباط القطريين في أحد المعسكرات الليبية في بنغازي صحبة عدد من رفاقه المراهقين …

وبحسب رواية هذا الشاب المراهق “ابراهيم الفرجاني” والذي تم عرض اقواله على التلفزيون الرسمي السوري بصفته “ارهابي ليبي”، قد ذكر بأن كل من كتيبة 17 فبراير وأنصار الشريعة قد أقنعـوه بأن سفره إلى سوريا هو ورفاقه لا يتعدى كونه مهمة انسانية لإغاتة اللاجئين السوريين على الحدود التركية ليفاجأ بالزج بهم في قلب سوريا ليكون ابراهيم وزملائه في مواجهة الجيش السوري ووقوداً للحرب السورية. وليقاتلوا بالنيابة عن السعودية وقطر ! ولكن لماذا أبنائنا فإن كان ثمة ثأر سعودي أو قطري، فليرسل أمير قطر ابنه تميم ليقاتل الجيش السوري، لماذا يموت “ابراهيم” بالوكالة ولماذا يواجه شاب مثله عقوبة الاعدام في بلد أجنبي ..؟

ونسأل البرلمان والحكومة الليبية هل ضاقوا درعاً بأبناء وشباب ليبيا أمثال الفرجاني ورفاقه؟ هل أصبحت دماء وأرواح شبابنا رخيصة إلى هذا الحد حتى يتم القذف بهم في محرقة الحرب السورية والموت تنفيذاً للأجندات والصراعات الدولية والأقليمية والطائفية؟

والغريب وأنا استمع لرواية هذا الشاب أن السعر لم يتغير فقد تقاضى مبلغ 2000 دينار ثمناً لمشاركته في الحرب السورية وهو نفس المبلغ الذي دفعه لنا القذافي عند عودتنا من أحدى الحروب التشادية الليبية. والموقف المضحك المبكي حينها. أن الحسابات العسكرية في ذلك الوقت رفضت أن تعطينا المبلغ إلا بحضور ولي أمر كل منا نحن طلبة المدارس الثانوية ولا زلت أذكر ذلك الموقف الذي لا يُنسى بأن قال لي العسكري المختص حرفياً: أنت “قاصر” ولا تملك حتى بطاقة شخصية والقانون يمنع ان تستلم المبلغ إلا بحضور ولي أمرك فعليك أن تُحضِر ولي أمرك..!! عندها فقط أدركوا بأنني طفل قاصر..!

وكا فعلوا اليوم بهذا الشاب ابراهيم تم ايهامنا حينها قبيل دخول المعركة حينها بأن عدونا الأوحد هم الجيش والشعب التشادي وفي الحقيقة أن عدونا الحقيقي قد تركناه خلفنا يستمتع بقتلنا وسرقة خيرات بلدنا وسرقة ربيعنا واحلامنا في حياة حرة وكريمة على أرضنا. وأن من كان يغتصب النساء ويفتل الاطفال في الحقيقة هم رفاقنا وما نحن إلا جيش من الغزاة لدول الجوار أجنبية. وكذلك فعلوا بإبراهيم الفرجاني الذي لا يعلم بأن عدوه الحقيقي هم أمراء الحرب الذين خدعوه و زجوا به وزملائه المراهقين في أتون حرب مفتعلة ضد بلد مسلم، حرب لا شأن له بها، ليموت بالنيابة عن أمراء وملوك الخليج في السعودية وقطر، وبالنيابة عن الأتراك والأمريكان.

وليبيا الثورة سرعان ماكشرت عن أنياب ديكتاتورية بديلة لديكتاتورية القذافي، ولم تمضي أشهر على العهد الجديد حتى ظهرت في الأفق ملامح مآسي أوغندا وتشاد جديدة، ممثلة بالتدخل بالشأن السوري والزج بالشباب الليبيين في حرب لا تعنيهم. ولم يلتفت الانتقالي للشعب الليبي عند توريطه لليبيا في أول حرب اقليمية في المنطقة بعد ثورة 17 فبراير. واقحام الليبيين في أتون حرب طائفية مشبوهة بكل المقاييس. ولم يؤخذ إذنا من أحد عند استعراضه لفحولته لتكون ليبيا الدولة الوحيدة التي اعترافت بما يسمى بـ “المجلس الوطني السوري” الذي لم يصمد اياماً حتى ناله التصدع والانهيار جراء الخلاف الطائفي والايديولوجي من داخله.

الـ 24 مليون سوري لن يحتاجوا “للمرتزقة” لو أرادوا حقاً الثورة:

الشعب السوري لو أراد الثورة والانتفاضة ضد النظام الحاكم في بلده فإنهم ليسو بعاجزين ولا ينقصهم الرجال. الشعب السوري ذو الـ 24 مليون نسمة أو يزيد لن يحتاج لليبيون كي يقاتلوا كمرتزقة بالنيابة عن الشعب السوري. لن يحتاج لليبيا التي لم يتجاوز تعدادها تعداد سكان مدينة سورية واحدة. الشعوب لاتقاد للثورة بالسلاسل فإن ارادت الثورة والانتفاضة فإن اشرس الديكتاتوريات لن تصمد اياماً امام شعب يقول كلمته.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الليبيون والتونسيون وغيرهم من المقاتلين بـ “الوكالة” أكثر ولاء ووطنية وانتماء لسوريا من السوريين انفسهم ومن الجيش السوري الذي يحاربونه في عقر داره؟ هذا لا يعقل !… ان المقاتلين الليبيين والعرب ليسوا إلا مُرتَزقة في حرب لا تعنيهم ! وإن أرادوا الجهاد حقاً في سبيل الله ومتعطشين للشهادة لكانت فلسطين أوميانمار أولى بالجهاد ونصرة الاسلام من القتال ضد المسلمين في بلد مسلم.

وكان الأولى بالسعودية وقطر تجنيد المجاهدين وتوجيههم للقتال ضد أعداء الاسلام وليس قتل اخوانهم المسلمين، انقيادا خلف فتاوى مشائخ الموساد والـ CIA ألم نسمع في قت قريب بأن السيد مهدي الحاراتي أمير ما يسمى بـ “لواء الأمة في سوريا” قد ثبت تواطؤه مع الـ CIA واستلامه اموال منهم؟. الفضيحة التي أدت إلى استقالته من المجلس العسكري بطرابلس وهروبه إلى أوروبا. ولم يظهر منذ ذلك الوقت حتى تم تجنيده للقتال في سوريا. أي جهاد في سبيل الله برعاية المخابرات الأمريكية.

أدرك أن كثيرون لا يعجبهم هذا القول لأن كثير من العقول قد تولى شحنها وأدلجتها إعلام الموساد الاسرائيلي الناطق بالعربية والمُترنم بلغة القرآن، أمثال العربية والجزيرة والسكاي نيوز وغيرها والذي يصدح من المحميات الامريكية دول الخليج العربي.

ليبيا الجديدة وإهدار أموال الليبيين بأوامر أمريكية وأوروبية:

بعد أن سبق وأستلمت المعارضة السورية من ليبيا ابان حكم الانتقالي 100 مليون دولار، صرّح اليومين الماضيين السيد سمير نشار عضو المجلس الوطني السوري إن «الأشقاء في ليبيا الحرة» قدموا مبلغ 16.6 مليون يورو. وأعرب «نشار»، كذلك عن شكر المجلس لـ«دولة قطر»، لتقديمهم مبلغ 5 ملايين دولار نقداً للمجلس الوطني، والإمارات بـ 5 ملايين. ويأتي هذا الدعم بعد قرار زعماء أمريكا وبريطانيا وفرنسا بضرورة تقديم الدعم العاجل للمعارضة السورية.

وقد يستغرب البعض عدم وجود اسم أمريكا أو بريطانيا أو أي دولة أوروبية في قائمة المانحين. ببساطة لأن الدول الديمقراطية في العالم لا تستطيع أن تخرج دولاراً واحداً دون أن تحاسب عليه تلك الحكومات وفيما أنفقته. لذلك ولهذا السبب تحديداً لن تسمح أمريكا والغرب بقيام نظام ديمقراطي حقيقي في أي من الدول العربية الغنية بالنفط والغاز. فأموال العرب وخصوصا دول الخليج وليبيا والعراق ينبغي أن تظل بلا حسيب أو رقيب. ويجب أن تنفق وفق الاوامر الأوروبية والأمريكية.

ولكنه (المال العربي) .. !

ولعله من الطريف الوقوف هنا عند تعبير (Arabic Money) ومايعنيه في الثقافة الأمريكية ولمن لا يعلم ذلك فأنصحه الاطلاع على مثلاً على معنى تعبير (المال العربي Arabic Money) في موقع (Urban Dictionary) وهذه أحدى المعاني:

Arab Money is the Meaning of “Gettin Money”, in other words, TAX FREE MONEY! illegal money.

أي أن تعبير (المال العربي) في الثقافة الأمريكية يعني: (الحصول على المال بسهولة) وبتعبير آخر هو (المال بلا ضريبة) أو (المال غير الشرعي).. انه المال الوفير الذي يتم الحصول عليه بلا حسيب أو رقيب.

أما من وجهة النظر الليبية وفي ذهن المواطن الليبي فإن صورة ليبيا سواء في عهد القذافي أو ما بعده فهي عبارة عن جثة مكتنزة تنهشها الكلاب والحيوانات المفترسة والمواطن الليبي البسيط وحده الذي لا يستطيع الاقتراب من هذه الجثة. وليس فقط الملايين أو المليارات التي “تُوهب” للدول والتي تسرق في وضح النهار بل وقد رأينا كيف إنقض أعضاء المؤتمر العام (البرلمان الجديد) على الجثة الليبية وكيف يحتدم الصراع اليوم حول المزايا والأموال التي يطلبونها وتحديد أعلى سقف خيالي ممكن للمرتبات اضافة للخدم والحرس والحشم …

أعضاء برلماننا الجديد يريدون نهب ما يمكن نهبه خلال شهورهم المعدودة ليخرجوا بـ (حمل) يُرضِيهم من الأموال والممتلكات. أما المواطن الليبي فدوره الوحيد في مسرحية الديمقرطية هو الوقوف كـ (كومبارس) في طوابير صناديق الاقتراع. وليس من حقه أن يعرف أين تذهب أموال البلاد أو أي من الحروب التي ينبغي عليه أن يموت من أجلها.

ولست أول الضحايا يا ابراهيم ولن تكون آخرهم ولك ولليبيا الله عسى أن يجد لك مخرجاً …!



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا