ليبيا الدولة الفاشلة.. حكومات تعبث وشعب معطّل! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

إن مصطلح الدولة الفاشلة، يعني بوضوح عدم قدرة دولة ما على الوفاء بمتطلبات الحد الادنى من مفهوم الدولة، والذي يعني مجموعة نظم سياسية واجتماعية واقتصادية وإدارية وأمنية، تتناغم مع بعضها البعض في اطار فاعلية موصوفة تحقق الاهداف المرجوة من كل منظومة منفصلة، ثم متكاملة مع بقية النظم الأخرى، وبرغم بعض القصور في تلك المتطلبات خلال فترة حكم القذافي، إلا أن ليبيا لم تكن تقترب من تصنيف ما يسمى بالدولة الفاشلة!، فقد كانت لليبيا هيبتها الخارجية ومكانتها الاقتصادية بين دول العالم، بالرغم من تحقيقها مستويات متوسطة من النمو الاجتماعي والاقتصادي، حافظت على موقفها المالي القوي حتى في اوقات الازمات والمختنقات ولاسيما الاقتصادية التي فرضت على ليبيا في شكل حصارات من فترة إلى أخرى، فمن حصار تجاري اقتصادي من قبل امريكا وبعض الدول الغربية منذ عام 1981، على معدات النفط ومستلزمات التشغيل اضافة الى قطع غيار طائرات شركة الخطوط الليبية، إلى الحصار الجوي الذي ضرب على ليبيا ابتداء من العام 1993 والذي استمر لأزيد من 7 سنوات!.

لكن بعد إسقاط نظام القذافي، توالت على ليبيا مجموعة من الحكومات العابثة الفاشلة، التي لم تكن تمتلك ابجديات الحكم والإدارة لدولة منهكة تخرج من حرب ضروس، استمرت حوالي ثمانية أشهر متتالية، وما أحدثه ذلك من دمار وخراب في الممتلكات والمقدرات، والتي يتطلب إعادة إعمارها المليارات والسنوات!.

وبدلا من ان تدار ليبيا المأزومة بعقول متفتحة واعية ذات خبرة ودراية، تمت السيطرة في غمرة الاندفاع السلطوي على مقاليد الأمور ومفاصل الدولة، من قبل أفراد يفتقدون التجربة وتنقصهم الخبرة، فانتشروا كالسرطان في هياكل الدولة ابتداء من الادارات العليا مرورا بالوسطى وانتهاء بالإدارات المحلية، وأبعدت بحماقة مقصودة كل الخبرات والقدرات الليبية الحقيقية التي لم يستفد منها لا في عهد القذافي ولا الآن، حتى من باب الاستشارة!.

لقد اربك ذلك العبث المشهد الليبي وادخل البلد في فوضى لها اول ولا اخر لها!، وقد تجلت مظاهر ذلك العبث في تفشي الفساد الاداري والمالي في كل مفاصل الدولة بشكل مروع لا مثيل له، فانتهكت كل الضوابط واللوائح الادارية والمالية المنظمة للعمل، ما سبب في استنزاف كبير وخطير للأموال الليبية، في برامج عشوائية غير محددة وبدون اهداف مثل ما سمي “بمكافئات الثوار النقدية”، وملف الجرحى، والتي صرفت فيها المليارات وكذلك فتح الباب للتعيينات الجديدة، والتي نتج عنها تضاعف مخصصات الرواتب خلال سنتين فقط، حيث ارتفعت من حوالي 8 مليار دينار عام 2011 الى حوالي 24 مليار دينار عام 2012 م، زد على ذلك ما نتج عن قرارات الايفاد للعمل وللدراسة بالخارج التي وصلت الى حوالي 20000 موفد خلال سنوات 2012 و2013 و2014 وكذلك ما يربو عن 10000 فرصة تدريب خارجية وداخلية لا جدوى منها ولا مردود!.

ان ذلك ترتب عنه تخصيص اكبر ميزالنية في تاريخ ليبيا حيث بلغت في عام 2012 حوالي 68 مليار دينار، في حين كانت في 2011 فقط 43 مليار دينار!، ثم كانت ميزانية 2013 بالمثل تقريبا، وهو ما شكل استنزافا خطيرا للأموال الليبية ليس ممكنا تغطيتها من الناتج العام للدولة بالمعدلات القياسية لتصدير النفط والغاز، والذي تراجع فيما بعد تدريجيا كنتيجة لعدم القدرة على تشغيل أسمى للحقول النفطية في ظل التوترات الأمنية، وزاد الطين بله الانهيار الكبير في سعر النفط الذي وصل الى ما تحت الثلاثين دولار للبرميل، بعد ان كان يلامس 114 دولار للبرميل!، الأمر الذي دفع السلطات العابثة الى الاستعانة بالاحتياطي النقدي لتغطية العجوزات الكبيرة حتى تراجع من 135 مليار دينار في عام 2012 الى حوالي 70 مليار دينار في عام 2015!.

لاشك ان ليبيا تسير بخطوات سريعة نحو حافة الانهيار المالي والاقتصادي، وهي في ظل مثل هذه العقول التي تسللت الى مفاصل المؤسسات لا يمكن لها أبدا تجاوز المحنة، والخروج من عنق الزجاجة، بل أن المجال يبدو مسدودا امامها ولا امل في القريب يلوح بالانفراج، ليبيا وبكل مرارة وأسف اجدها الآن قد دخلت نفقا مظلما لا سبيل للخروج منه، إلا بصدمة تعيد الوعي لعقول اسكرها المال وغشاها دخان الفساد الكبير!، صدمة توقظ ضمير الشعب، لينتفض ويزيح كل هذه العفونات التي تقلدت المناصب في ليبيا بعد 2011، من الإدارة العليا مرورا بالوسطى وحتى الدنيا والمحلية، فهذا الورم السرطاني لا فكاك منه إلا باستئصاله كاملا وإلا فان الشفاء بعيد المنال!.

الحل في ابعاد كل هذه العناصر المتسلقة صغيرها وكبيرها، من إدارة البلد وإحلالها بعناصر متمرسة وخبيرة وذات تجربة، وفق ضوابط ومعايير صارمة، تستند إلى الكفاءة والنزاهة والخبرة الطويلة، وان يكون ذلك مقترنا بحالة من التقشف تلغى فيها كل الامتيازات والرواتب العبثية التي وضعها السماسرة العابثون، من الذين نكبت بهم ليبيا، وان تصدر القرارات التي تلغي كل الميزات والقرارات السابقة المتعلقة بمرتبات ما يسمون بالنواب وأعضاء المؤتمر ولجنة الستين والوزراء والوكلاء، وان تعود مرتبات الرقابة الادارية والمالية والقضاء وكل من زيدت مرتباتهم بعد 2011 الى ما كانت عليه.. وان تتحدد مرتبات مواقع النواب والوزراء بالحد الاعلى للمرتبات لليبيين قبل عام 2011 حتى يكون ذلك عادلا ومتوافقا مع ظروف البلد.

بكل اسف امام كل تلك الممارسات العبثية من الحكومات المتوالية لم يكن للشعب الليبي أي دور يذكر فقد كان هو الغائب دائما عن ساحة الفعل والعمل، نستطيع القول انه قد تم تعطيل اي دور للشعب وساهم الشعب نفسه في تعطيل دوره حين انكفأ عن نفسه مبتعدا عن ساحة الاحداث تاركا الساحة لمثل اولئك العابثين!.

لكن الشعب المعطل قد لا يقوى على الاستمرار في سلبيته بعد ان اصبحت الاحداث تمس معيشته بصورة مباشرة الآن، وهو ما ينبئ بتحرك هذا المعطل وإعادة بث الروح فيه، لينطلق من جديد محطما ذلك الصندوق الزجاجي الوهمي الذي وضع فيه نفسه من باب الاتكالية والسلبية! فهل نشهد في الايام القادمة تحركا شعبيا يخترق جدار الصمت ويكسر صندوق الزجاج؟!.



جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا