ليبيا .. العراق الجديد ..! - عين ليبيا

من إعداد: حسام المصراتي

لا نريد لثورة الـ 17 من فبراير أن تتحول إلى سبباً للنكبة والشتات .. وأن تذهب ليبيا ضحية لصراع المتهافتين على السلطة والحكم .. فالشعب الليبي المنكوب يدعوكم ايها المتكالبون على السلطة للتفاوض واقتسام السلطة فيما بينكم .. فقط رأفة بهم وبهذا البلد المسلم .. فلا نريد أن نلحقه بأفغانستان والصومال والعراق وفلسطين … ويكفي ما أُهدِرَ من دماء المسلمين ..

فلو كان من لا زالوا يتشبثون بالسلاح ويدّعون بأنهم ثوار يتحلون بقدر من المصداقية ويحتفظون ببعض الولاء لهذا الوطن المنكوب الذي انتقل من رعب إلى رعب أشد وطأة، ولو كانوا حقاً هؤلاء المسلحين ثواراً وطنيين لما انزلقت البلاد هذا المنزلق الخطر.

فالثوار لا يخونون أوطانهم ولا يسمحون بأن يكونوا مجرد بيدق على رقعة التهافت على السلطة… الثوار لا يسيل لعابهم لحفنة أموال يسمونها غنائم .. مكافآت .. مرتبات .. فمهما كانت التسميات فإن دماء المحاربين من أجل أوطانهم ليست قابلة للبيع والمساومة تحت أي مسمى.

ولكن .. نظراً لوجود رجال قابلون للبيع تضيع الثورة ويضيع الوطن ..!

والشعب الليبي المنكوب .. اليوم ما بين فـكي رحى صراع رؤس الأموال واللاهثون خلف السلطة وبين حكومة تعاني الإخصاء والعجز المُتعَمَدين. حكومة تم تنصيبها على دولة تحتل مرافقها الحيوية ومطاراتها ومنافذها عصابات مسلحة لا يحكمها قانون وما من سلطان عليهم سوى اهواءهم، مدججين بالسلاح والعتاد. انها حكومة مهزلة مأساوية. وسواء أقيلت أو بقيت فالأمر سيان لأنها ليست موطن الداء..!

أحد مشاهد هذه المهزلة: بأن تُتَّهَم الحكومة بالعجز والفشل، بسبب عدم قدرتها السيطرة على الجماعات المسلحة ممن يُوصَفون بـ “الثوار” وعدم قدرتها على بسط سيطرتها وفرض هيبتها على الدولة. وفي المقابل يتحجج زعماء أولئك المسلحون بأنهم يرفضون حل مليشياتهم وتسليم المرافق التي يسيطرون عليها بحجة أن الحكومة عاجزة وضعيفة.

أليست هذه مهزلة؟ أن تُشهرَ سلاحك في وجه الحكومة وتتهمها بالضعف في الآن نفسه..؟ فهل ينتظرون أن تُعلن الحكومة الحرب ضد مليشيات الثوار، حتى تتثبت الحكومة قوتها وهيبتها؟ ويدركون بأن هذا لن يحدث..!

بفضل من يُسمَّون بـ “الثوار” ممن يتشبثون بالسلاح .. ليبيا تحولت إلى عراق آخر يعاني الانفلات الأمني وغياب الدولة وغياب القانون .. والقرار اليوم في ليبيا لمن يملك السلاح ويسيطر على المنافذ والمنشآت الحيوية ويسيطر على الاعلام وعلى المنابر. ولأصحاب ما يسمى بـ “الشرعية الثورية” أما غالبية الشعب الأعزل فليس أمامهم إلا الصّمت والطاعة وإلا فمصيرهم الخطف والسجن والتنكيل. انها شرعية الغاب ما يحكم ليبيا اليوم ..!

تقتحم عصابات الثوار مبنى الحكومة ويهددون رئيسها ويجبرون الوزراء التوقيع على صرف الأموال لهم بقوة السلاح ويواجهون المظاهرات السلمية بالسلاح ويعتقلون النشطاء والمتظاهرين ضدهم ويخرجون علينا في فضائيات رجال الاعمال وفضائيات الاحزاب السياسية لتبجحوا على الشعب المسكين .. وليقولوا لليبيين من أنتم؟ وليقول ناكر أنا صنعتني الجبهات ويُصرّ بالحاج بأنه يمتلك الشرعية لحماية عاصمة تعجّ بالعصابات المسلحة أكثر مما تعج به الصومال بأسرها.

ولا نستغرب الآلة الاعلامية القوية التي تدعم وجود العصابات المسلحة في ليبيا… والتي تصور هذه العصابات بأنهم هم حماة ليبيا ومحرريها وصمام أمانها الأبدي .. ورغم أن الشارع الليبي يدرك بأن العصابات المسلحة هي السبب المباشر في حالة الانفلات الأمني في البلاد وسبب تعطيل مؤسسات الدولة وهم وحدهم من ينشر الرعب في كل مكان من ليبيا ، ألا أنه ما من لوم وانتقاد إلا للحكومة المُكبّلة بسلاح المليشيات.

ويتأكد للمشاهد الليبي بأن مالكي هذه القنوات الخاصة وكذلك من يهيمن على الفضائيات العامة، كل همهم هو تغذية الفوضى في البلاد من خلال دعمهم المباشر وغير المباشر لهذه المليشيات، ودفاعهم المستميت عن شرعية وجودها وشرعية سيطرتهم على مؤسسات ومرافق الدولة. وتأجيج الصراع بين العصابات المسلحة والحكومة .. ولا نرى سبباً وراء ذلك سوى السعي الدؤوب لمالكي هذه الفضائيات للحيلولة دون قيام الدولة الليبية ذات السيادة والسلطة الحقيقية على أراضيها..

ولا أستثني بالطبع حتى القنوات المنسوبة للحكومة… لأن القنوات المنسوبة للحكومة هي تحت سيطرة تيار سياسي معين. الذين لا يهمهم بالطبع نجاح الحكومة في أداء مهامها الإنتقالية بقدر ما يهمهم أن يمارسوا الضغط السياسي والاعلامي وخوض حربهم الضروس للوصول إلى سدة الحكم في البلاد. وبسط سيطرتهم على البلاد ضمن المشروع الاخواني في المنطقة. وهو ما جعل حالة الانقسام والخلاف تظهر واضحة حتى في الخطاب الاعلامي الرسمي. ما بين خطاب حكومي يحاول انجاح مهام الحكومة وخطاب مناهض يسعى لتحقيق مكاسب مستقبلية لحزبه.

وبهذا أصبح سلاح المليشيات وسلاح الاعلام هو الورقة الأساسية الرابحة في حرب اللاهتون على السلطة في ليبيا الجديدة. ولذلك قفزت التيارات السياسية المتناحرة وأغنياء القذافي للهيمنة على الاعلام الليبي. لاطالة عمر الفوضى ما أمكن. بغية كسب الوقت لترتيب الأوراق وعقد الصفقات محلياً ودولياً. وقد نجحوا في الإيحاء للرأي العام الليبي والدولي بأن ليبيا ومشكلة المليشيات قد وصلت إلى (طريق مسدود).

وكل فريق يحفتظ بعصاباته المسلحة على الأرض لا لشيء إلا للمساومة وامتلاك ورقة تفاوض رابحة بحسب عدد المرتزقة “الثوار” الذين يمولهم ويجندهم ومنهم من جنَّد مدن بأسرها… ولا صوت في ليبيا الجديدة اليوم إلا لمن يسند ظهره بعشرات الألاف من المسلحين. وتراهم متكئين على أرائك الفضائيات يملون شروطهم ويتوعدون ويهددون بإحراق ليبيا وما عليها إذا لم يحصلوا على ما يريدون..! وما أشبه الليلة بالبارحة عندما كان يخرج علينا سيف وأبيه يتوعدون الليبيين بأنهم سيحرقون ليبيا إذا لم نرضخ لهم، وقد فعلوا ..! وما هذه المليشيات إلا تنفيذا لوعيد سيف وأبيه..!

وأصبحت هذه المليشيات وأحزابهم ومموليهم أقوى وأخطر بكثير مما كان القذافي وجنده ..! فمواجهة عدو واحد مهما كانت قوته أهون بكثير من مواجهة تنين المليشيات وخصوصاً بأن هذه المليشيات قد اتخذت طابعاً جهوياً وقبلياً وهو ما ينذر بحرب أهلية حقيقية فكثير من أعيان المدن والقبائل قد تم تجنيدهم فعلاً لتنفيذ أجندات وأطماع سياسية الخارجية منها والداخلية. والأدهى من ذلك أن تحمل المليشيات رايات الجهوية والقبلية. وتحتل المرافق والمؤسسات الحيوية والمنافذ الحدودية بإسم قبائلها ومدنها ..!

لقد غابت ليبيا وتلاشت الهوية الليبية … وأصبحنا أمام حرب الهويات الفرعية وهو ذات الصراع الذي أججته قوى الاحتلال الأمريكي في العراق .. وهو ما فعلته أمريكا في حربها ضد الاتحاد السوفييتي .. انه السلاح الأشد فتكاً بأن يتم تغذية النزعة العنصرية والقبلية والجهوية والعرقية في أي بلد … حتى يصبح أشلاء ..!

وللأسف حتى هويتنا الاسلامية التي كان يعول عليها الكثيرون اصبحت تواجه خطراً حقيقياً مابين اسلاميين وعلمانيين واخوانيين وصوفيين ووهابيين ووسطيين وقد قسمنا ديننا شيعاً واحزاباً ظلماً وعدوانا .. وتحولت منابر مساجدنا إلى منابر لبث الفتنة والفرقة وكل فريق يشتم ويلعن الفريق الآخر … وكل فريق بما لديهم فرحين … !

أخيراً ..

نناشد علمائنا ومشائخنا أن يعملوا على انقاذ البلاد من الفتنة وأن ينصروا الله بدعوتهم لوحدة المسلمين والتوقف عن ترويج بضائع الاعلام العالمي بتقسيم المسلمين ما بين اسلاميين وعلمانيين ووهابيين وصوفيين وغيره والاعتصام بحبل الله جميعاً وأن ينقذوا المنابر من دعاة الفرقة والفتنة. فوالله لا يعقل أن يشهد الناس الاقتتال بين هيئة تسمي نفسها هيئة علماء ليبيا وبين مؤسسة الإفتاء .. أو أن تنتزع المنابر بقوة السلاح ..!! فإن تقاتل العلماء فكيف نلوم الدهماء من الناس؟

ونسأل مالكي الفضائيات الليبية بأن يتقوا الله في دماء الليبيين ويدعوا للوحدة ولبناء ليبيا بدل الخطاب الاعلامي الجهوي والقبلي والعرقي وبث الفتنة وأن يتوقفوا عن دعم العصابات المسلحة. ونسأل أعيان القبائل ووجهائها “الوطنيين” إن وجدوا بأن يتبرأوا من كل تلك العصابات التي تنسب نفسها إلى تلك المدن والقبائل والذين يعيثون فسادا في الأرض واستحلوا ماحرم الله.

ومرة أخرى .. لا نريد لثورة الـ 17 من فبراير أن تتحول إلى سبباً للنكبة والشتات ..



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا