ليبيا المأزومة بالنوستالوجيا - عين ليبيا

من إعداد: عبدالواحد حركات

هنالك قضايا لا يمكنك أن تتخذ حيالها موقفاً محدداً، ولا أن تصفها وتصنفها بشكل دقيق كامل، لأن تداخلات القضايا وتنوع تفاصيلها، وتعدد أوجهها تضع الجميع في ورطة كبيرة وتجعلهم مخطئون بتصنيفها وعاجزون عن إدارتها وحلها، وهذا شأن الأزمة الليبية.!.

لا يمكن أن تصنف الأزمة في ليبيا كأزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ولا يمكن عزوها لشيطنة أطراف داخلية أو فتن أطراف خارجية، كما لا يمكن التأكد إن كان وقودها وفواعلها هم الفرقاء السياسيين أم الفرقاء الاجتماعيين أم المليشيات المسلحة أم الأفراد الشعوبيين أم التكتلات العشائرية أم تجار الحروب والمهربين أم المال السياسي أم الإعلام، ولا حدود لها ولا ايدلوجيا، بل هي خليط ومتتالية متواصلة ومتداخلة من الأزمات، ولها ملاح فردية وعائلية وقبلية، بل إن العداءات الاجتماعية التقليدية التي عهدناها بسبب الأراضي والنساء والأطفال والحسد والأحقاد قد تحولت إلى عداءات سياسية ” ظاهرياً”، ووظفت كتأكيد اجتماعي على العداء الموروث والمخزون في الجينات.

لا أؤمن بوجود حل ليبي- ليبي للأزمة الليبية .. كما لا أؤمن بوجود حل خارجي للأزمة الليبية، بل بخليطهما أؤمن..!

ما حصل في ليبيا تغيير حتمته الظروف الإقليمية والعالمية والمحلية، وهيأ له العسر السياسي وممانعة التغيير والإصرار على التقوقع والانعزالية وعداء الآخرين والمراهقات السياسية التي كانت صفة لليبيا طوال أربعة عقود فرصة الحدوث، وقد شارك فيه الجميع حتى معارضيه حاملي ألوية الممانعة، ولم يقتصر التغيير على السياسة فقط، بل حدث في كل شيء كبير وصغير، حتي الفرد في ليبيا فكراً وعملاً قد طاله التغيير وإعادة بنائه بطريقة أخرى، وكما تضرر الجميع من التغيير استفادوا منه، والموازنة بين أضرار التغيير ومنافعه لا يمكن وضعها الآن، ولا يمكن وصفها بدقة فهي مادية ومعنوية شاملة وعامة.

منطقيا.. لا يوجد أنصار للتغيير ولا أعداء، بل كلاهما يتذبذب وفق مصالحه ومنافعه وأطماعه..!

سواء كنا انصاراً أو أعداءً للتغيير، فمن الصواب الاقتناع بعجزنا عن إدارته وتوجيهه أو حتى عرقلته، لأننا قصر وأدواتنا وأيدلوجياتنا وكذلك قيمنا أضعف من فعل ذلك، فالليبيين رغم انخفاض الأمية بينهم وارتفاع مستويات التعليم، إلا أنهم أقل الشعوب استخداماً للمعرفة وأعجز الشعوب عن تطويرها ومعايشتها، والصفة التخزينية هي الغالبة على النخب العلمية – أقصد النخب وليس كل حملة الشهادات- وكذلك الثقافية، ويكاد يكون التجديد والتطوير بشكل عام من أكبر الممنوعات والمحظورات في ليبيا.

إن العقل الجمعي المعكوس والمنكوس ” مخ المجتمع” الليبي اعتاد تعاطي النوستالوجيا ولم يعد يتلذذ بسواها، ورغم معايشته للتجدد ومحاصرته بمنتجات وإكسسوارات الحضارة الحديثة، إلا أنه لازال غارق في وحل الماضي ولا يفقه سوى أدواته الفكرية الصدئة، ولا يمكنه بأي شكل تجاوز محنه المعتادة والقفز عليها، فأبجدياته ولبناته البدائية التي يصر عليها، لا يمكن أن تكون وسيلة تواصل وتفاعل مع الآخرين، لذا لازال مأزوماً بعلاقاته مع الآخرين ونظرته إليهم وتصنيفهم كأعداء، وسيظل مأزوماً ما لم يقلع عن تعاطي البسوسيات والداحسيات والأوسيات والخزرجيات والقيسيات واليمنيات، ويخلع عباءة الماضي ويغتسل من غباره ويتشبث بالسائرين إلى المستقبل.

ليبيا بحاجة لعزم وفكر وإرادة أنبياء، لأن التغيير يجب أن يحدث في البشر ويعتادوه ويسلموا له وبه، ويجمعوا عليه ويجتمعوا فيه ولأجله، ويقوموه ليجعلوه في صالحهم كجماعة ويسقطوا من حساباتهم كل المصالح الفئوية والفردية، لتعلو مصلحة المجتمع وتستفيد الجموع بدل أن تستفيد النجوع وأمراء النجوع وينتشر الجوع.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا