ليبيا ليست كعكة - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق العرادي

كنتُ قد صرفتُ النظر عن التعليق على التدوينةِ التي كتبها الشيخُ سامي الساعدي منذ أيام، ولكنَّني رأيتُ أنها خيانةٌ له ولمن قصدهم.

في البداية شككت أن الشيخ قد قرأ نص مقابلة صوان التي علق عليها بهذه التدوينة، ثم رأيت بعد تردد أن أرد، نصيحة له، وتوضيحاً لمن يكون قد وقع ضيحة في شباك هذه التدوينة المُغرِضة.

قال الشيخ سامي: “ربما يذهب حفتر بجلطته، ويبقى عارُكم يا من شرَعتم في مغازلتِه وبعتم صُنّاع ثورتكم وأردتم اقتسام الكعكة معه”. وهنا يقصدُ الشيخ بالجمع (..كم،..تم)؛ الأستاذَ محمد صوان وحزبَ العدالة والبناء وجماعةَ الإخوان المسلمين.

أما الحديثُ عن حفتر وجلطته، فلم أتحدَّثْ عنه من قبل، ذلك أنَّ أمرَه إلى الله إن شاء أخذه وإن شاء مدَّ له. المرض والموت مكتوبان على البشر جميعاً، وهما عِظة وعبرة للأشرار والأخيار، ورحيلهم وعد من الله وفرض.

وأما قولك “ويبقى عاركم..” وهنا لا شك أنك تتحدث عن عار قد وقع، وإلا فإلى أيِّ شِرعة استندت في نسبة هذا العار؟

فإن كان قد وقع، ولم تخبرنا به، فلا ريب عندي أنك تقصد تصريحات صوان لـ “عربي 21”.

هنا نأخذ عليك الجمع المبهم، ولا شك أنك تقصد الذين ذكرتهم أعلاه، صوان، والعدالة والإخوان، وإن صح ذلك فهو ظلم، فالأخوان المسلمون لا علاقة لهم، لا بتصريحات صوان ولا بحزب العدالة والبناء على الإطلاق.

نأتي لتصريحات صوان؛ قلتَ “يا من شرعتم في مغازلته”، ولنعفيك من الجمع ونرفع عنك الحرج، ونحمّل قولك بأنك تقصد أن الأستاذ محمد صوان قد شرع بمغازلة خليفة حفتر. هل تفضلت وشرحت لنا؛ عن المعلومات التي لديك عن هذا الغزل؟ ماذا قال؟ ومتى؟ وكيف كان هذا الغزل؟

مرة أخرى نعفيك من الإجابة، وأجيب نيابة عنك. لا شك أنك تقصد المقابلة التي أجراها صوان هذا الشهر مع عربي21، إذن.. كيف كانت هذه المغازلة؟ ولمن؟ وهل كانت لحفتر؟

قال صوان عند سؤاله عن عودة الديكتاتورية و ذُكر بالتحديد حفتر في السؤال؛ “لن تعود الدكتاتورية إن شاء الله” وقال في معرض رده على سؤال آخر: “إن الظروف التي سبقت انتخابات 2014 أفسدت الحياة السياسية وهي إعلان حفتر انقلابه على الإعلان الدستوري”، وقال: ” وأُعلنت عملية الكرامة تحت شعار جميل وهدف نبيل، وهو محاربة الإرهاب، والذي كان موجودًا فعلًا في مناطق عدة منها بنغازي، ولكن الكارثة كانت كبيرة والدمار هائلًا في أرواح الليبيين من كل الأطراف، وتعدى الأمر إلى محاربة مجموعات إرهابية كان من الممكن القضاء عليها بأقل تكاليف وبدون ظلم الأبرياء وتهجيرهم وارتكاب أبشع الجرائم من قتل وحرق وتنكيل وسجن.”

وأضاف صوان: “أن هذه العملية قد اُستخدمت كمشروع للوصول للحكم وتصفية الخصوم السياسيين”

بالله عليك إين هذه المغازلة؟ وهل هذا الكلام من الغزل أصلاً؟!

لربما تقصد بالغزل – شيخ سامي – قولَ صوان: ” لذلك فإننا نحتسب من قدموا أرواحهم مع عملية الكرامة بصدق نية مُحاربة الاٍرهاب من الشهداء وكذلك فالأجر حاصل لمن قدموا الدعم والتأييد بشتى أنواعه لذات الغرض من القبائل والعائلات”، ويا ليتك يا شيخ سامي.. انتقدت هذا القول مجرداً بموضوعية، دون أن تقوِّل صوان ما لم يقل، ودون أن تنسب إليه وإلى حزبه ما لم يحدث، ولو فعلت ما حركت لنا قلم.

الذين غازلهم صوان، ياشيخ سامي، أهلنا بالشرق، أسر وأهالي القتلى وهم بعشرات الألاف، وغازل القبائل والعائلات  الليبية في برقة، التي ينتمي إليها هؤلاء القتلى، والذين قدموا أبنائهم وهم يعتقدون أنهم يقاتلون الإرهاب.

لقد اختلط الحابل بالنابل، اختلط الإرهابيون مع من استعان بالإرهابين، مع الثوار الذين كانوا يقاتلون حفتر لأنه كان منقلبًا على الثورة وعلى العملية السياسية، وفي المقابل اختلط من يظن أنه يقاتل الإرهاب مع من اتخذ من الحرب على الإرهاب مطية للوصول إلى السلطة.

قال الشيخ شكري الحاسي، عضو دار الإفتاء: “من دخل يقاتل عدواً صائلاً مجرماً متطرفاً يقتل باسم الإسلام والسنة بتلك النية، فهو في سبيل الله لا شك.”.

وقال: “وعليه فهل نقول لمن انضمَّ إلى الكرامة خاصة في بدايتها،  لأخذ ثأره من أولئك المجرمين (يقصد: التيار الذي لايؤمن بالدولة ويحكم بالردة والكفر على كل العاملين بأجهزة الشرطة والعسكر، والعاملين بالسلك القضائي، والدبلوماسي النيابي والبرلماني) ، ووجد ضالته وتلاقت مصالحه مع مصالحهم دون أطماعهم ورغباتهم المذمومة، أو من وجد نفسه طريداً شريداً فاراً من الذبح وقطع الرؤوس، ولم يجد ملاذاً إلا أولئك الانقلابيين.

وأضاف الشيخ شكري: “فمن يشتعل بيته ناراً لا يهمه من يطفئ ناره، والغريق لا يعنيه لون الحبل الذي مُد إليه،  فهل من المنطق الشرعي أو السياسي أو العقلي، أن نحرم عليه الاستعانة بظالم لقتال من هو أظلم منه؟”

وأما قولك أيها الشيخ سامي ” وبعتم صُنّاع ثورتكم”، فهنا لا شك أنك تقصد ثوار بنغازي، ولذا اسمح لي، أن أقول أنه قول مردود عليك. كيف؟ الذي باع ثوار بنغازي هو الذي كان على اتصال بهم ولم يسعفهم بمبادرة حتى أبيدوا عن أخرهم، الذي باع ثوار بنغازي هو الذي لم يقنعهم بمشروع سياسي، وأصر أن يستمر القتال حتى آخر شهيد، الذي باع ثوار بنغازي هو الذي لم ينصحهم بالتمايز وسكت عن “بيعة القتال”.

الذي باع ثوار بنغازي، هو من سكت عن نفس الفعل، ولم يدعُ إلى التمايز، وقام بالشيء ذاته الذي قام به من انضم للكرامة بنية محاربة الإرهاب، وهو يعلم أن حفتر منقلب على العملية السياسية، كيف ننكر عليهم “ثم نُجيز ذلك لأنفسنا” كما ذكر الشيخ الحاسي.

لقد كانت داعش أذكى من أولئك الذين باعوا الثوار ولم يشجعوهم على إيجاد حلول غير الانتحار، تواصلت داعش مع حفتر، وتفاوضت معه ونجحت في فتح ممرٍّ آمنٍ، فروا من خلاله، وتركوا الثوار لمصيرهم. حفتر ضرب هذا بذاك، وداعش فرت من الانتحار وتركت أرض المعركة كما تفعل الجيوش التي تخسر معركة فلا تنتحر.

أما عن الكعكة وتقاسمهم شيخ سامي فلا تستحق الرد. لا الكعكة موجودة أصلاً، ولا لقاء التقاسم المتخيل في أذهانكم موجود من الأساس.

رئيس حزب سياسي أراد أن يمد يده إلى جزء كبير من شعبه، جدد خطابه ورسمه وسط حقل من الألغام، جرم حفتر، وغازل أسر وقبائل أولئك الذين قاتلوا معه بنية صادقة أنهم يقاتلون الإرهاب. مواقف صوان وحزبه من خليفة حفتر مكتوبة ومرصودة صوتًا وصورة، ولكنها الخصومة التي قد تصل بصاحبها – نستعذك بالله- إلى مشارف الفجور.

ليبيا بحاجة إلى  إنقاذ ولا شك عندي أن حزب العدالة والبناء سيكسر كل الحواجز من أجل التوصل إلى حل، وذلك صحبة كل الغيورين، وسيتحملوا في سبيل ذلك أقوال الذين يقذفون كلَّ مشمر بكل نقيصة.

الحزب السياسي حزب يسعى للسلطة حينما يحين وقتها ولكن ليس الآن؛ فالوقت وقت إنقاذ وطن وليس وقت سعي إلى السلطة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا