متفقون ومختلفون - عين ليبيا

من إعداد: عبد الرحمن الشاطر

الليبيون متفقون ومختلفون في نفس الوقت حالة معقدة ومحيرة من الشيزوفرينيا يعاني منها نسبة كبيرة من المجتمع الليبي وبالذات من تشربوا ثقافة سلطة الشعب التي خلقت فيهم سلوك التمرد الذي لم يمارسوه وقتها فقد صحوا على مشهد جديد لاعادة تشكيل الدولة فوجدوا أنفسهم حائرين في أولوياتهم وسط كم هائل من مصطلحات ومفاهيم سياسية لم يسمعوا بها وان سمعوا بها فكانوا ينكرونها ويخوّنون من يؤمن بها هكذا تربوا ومن هنا حدث الزلزال في المشهد السياسي الليبي الذي أحدث كل هذه الشروخات والتشوهات.

فهم متفقون على ان تكون لهم دولة لكنهم مختلفون في شكلها ونظامها؟

ومتفقون على أن يحكمهم دستور دائم لكن كل منهم يريد الدستور الذي يخدم أغراضه.

ومتفقون على وحدة الدولة لكنهم يتعاملون مع المناصب على أساس انفصالي ويخدعون أنفسهم بخلق تسميات لتبرير فعلهم الشائن مرة بالأقاليم الثلاثة وأخرى المجاميع الثلاثة أو ممثلين عن الشرق والغرب والجنوب.

ومتفقون على أن يمارسوا المبدأ الديمقراطي في التداول السلمي على السلطة. لكنهم يرفضون نتائج صناديق التصويت ويعتبرون الأغلبية تمارس المغالبة على الأقلية.

ومتفقون على أن تكون دولتهم مدنية لكن منهم من يريدها عسكرية في ثياب وحلة مدنية بمعنى يمكن أن يحكمهم عسكري بمجرد خلعه لبدلته العسكرية وارتداء بدلة مدنية المهم عندهم الشكل و ليس المحتوى والمضمون فمن عاش طوال عمره كعسكري بثقافة وتفكير العسكري كيف يمكنه أن يتحول الى مدني في ربع الساعة التي استغرقته لتغيير بدلته.

ومتفقون على أن يكون لدولتهم اقتصاد قوي وعملة قوية. ولكنهم لا يحبون العمل فهم يريدون الحكومة أن تدفع كافة فواتيرهم لأنهم مواطنون فقط. ولا يريدون أن يفهموا أن العملة القوية وراءها اقتصاد قوي منتج. ولم يسمعوا بمقولة لا تسأل ماذا قدمت لك الدولة وانما اسأل ما قدمته أنت للدولة.

وأن رفاهية حياة المواطن لا تأتي بالصدقات والهبات التي تمنحها الحكومة وانما بالتنافس وسيادة روح العمل والإنتاج والابتكار وهي مسؤولية القطاع الخاص تمهد لها الحكومة بتوفيرالأمن والاستقرار للدولة.

ومتفقون على المصالحة الوطنية لكنهم يتقاتلون لأتفه الأسباب.

ومتفقون على أن كل الليبيين اخوة ولكنهم اخوة أعداء. يسرقون بعضهم البعض و يخطفون بعضهم البعض ويمنعون بعضهم البعض من دخول محيطهم الجغرافي.

ومتفقون على ضرورة تغليب لغة العقل لكن سرعان ما يغيب عنهم عندما يتعرض وطنهم لتدخل أجنبي سياسي أو عسكري فتراهم يصطفون بحماس بين مؤيد لهذا الأجنبي ومؤيد لذلك الأجنبي والاثنين يستعملان نفس المصطلح (حماية الوطن من التدخل الأجنبي) ولكل طائفة بوق اعلامي يلعلع ولا يهدأ وتضيع اواصر الصداقة بين اصدقاء الأمس وتتقطع العلاقات الاجتماعية بسبب هذا الاصطفاف وهنا يغيب الوطن عن الكثيرين وتبقى الأغلبية الصامتة صامتة عن اتخاذ موقف تتفرج و تنتقد في المرابيع وفي المقاهي ووسائط التواصل الاجتماعي وتترك للمصابين بالنرجسية التحكم في خلق كل ما يعرقل قيام الدولة.

الليبيون لم يمارسوا العمل الديمقراطي لأكثر من نصف قرن. وعندما حانت اللحظة التاريخية لممارستها وأتت انتخابات 2012 شفافة ومبهرة أجهضت بأكثر من مائتي اعتداء ممولة من أطراف وجهات ليبية لمنع التحول الديمقراطي أن يأخذ مساره الطبيعي ليتجدر وبالتالي يتطور عبر دورات برلمانية متتالية سلميا.

انتخبنا مجلس نواب عام 2014 ليقدم للدولة الليبية الجديدة اضافة ايجابية ويتدارك الأخطاء التي وقع فيها المؤتمر الوطني العام . فإذا به يبدأ السطر الأول من كتابة تاريخه برفض مبدأ التداول السلمي على السلطة حيث رفض الاستلام من المؤتمر الوطني العام. وكانت النتيجة (يا مابهاك يا مرت بوي الأولى).

أداء مجلس النواب طيلة عمره الرسمي والممدد أعادنا الى الوراء الى دول القبائل والتخلف والتعصب بدلا من أن ينقلنا الى دولة المؤسسات والى القرن الواحد والعشرين بكافة مضامينه ومعطياته الحضارية وبدأنا نسمع تصريحات من بعض أعضائه تثير الاشمئزاز والتقزز تصريحات تنقل على لسان من يفترض أنهم ساسة يمثلون الأمة بكافة ألوانها و يمثلون الحس الوطني والرؤية الوطنية في مرحلة اعادة بناء الدولة الليبية المدنية العصرية فتبين أنهم لا يختلفون عن أي مصاب في عقله.

تنصرم الأعوام.. ويتسع الخرق على الراتق

قيل أن هناك مؤتمرا جامعا سيعقد أوائل هذا العام.. وبدل أن نحتفي بهذا الحدث للم الشمل وانقاذ ما يمكن انقاذه.. دخل على الخط من هب ودب بعقلية المصاب بالانفصام في الشخصية ليكون له حضور في هذا اللقاء لأنه يعتقد أنه وحده من يملك الحل ولا يترك لمن هو أقدر منه ولنقل أعقل منه للتوصل الى توافق يرضي الأغلبية وليس الجميع.

ان من يتحدث عن حل يقبله الجميع مصاب هو الآخر بالشيزوفرينيا فليس هناك بين دول العالم نظام سياسي واحد يٌرضي الجميع فدائما هناك معارضة ودائما هناك رفض كامل وهؤلاء وأولئك دائما يمثلون رأيا مخالفا ولكنه رأي مسالم لا يؤدي الى ارباك الدولة أو تعطيلها
بدأ احتفائي بالمؤتمر الجامع تنتابه المخاوف من مساعي افشاله أو ارباكه او اغتياله.

هناك تحركات غير بريئة تتراكم استعدادا لفعل يؤدي إلى المزيد من الضلال.

ولو حدث انسداد جديد فسوف نسمع أصواتا تتعالى بأن الحل لن يكون إلا ليبي/ليبي، و فكونا من غسان سلامة.

سبع سنوات ونحن نكرر هذا القول الطوباوي والعناد يمنعنا من أن نقول الحقيقة باننا غير قادرين على قيادة سفينتنا الى بر الأمان لأن لدينا ربابنة ربما أكثر من ركاب السفينة ومن ركاب السفينة من لا يتورع عن احداث ثقب فيها ولا يدرك أنه لن ينجو من الغرق ومنهم من لا يملك الخبرة في التعامل مع الأمواج والرياح وانما يملك العناد والعناد لأجل مصلحته فقط.

انتهى طاغية.. وفرخ طغاة بما كرسه من سلوكيات سيئة ومفاهيم سياسية بعيدة عن العصر الذي نعيشه.

بعدما تأكد له من تمكن ترهاته في ذهنية الكثيرين . أصدر كتابه الفاجعة: ( تحيا دولة الحقراء).

ويبقى الأمر أننا متفقون على أن لا نتفق.

و يبقى الحال أننا مصرون على خداع أنفسنا بان الحل بأيدينا و أننا في كل محاولة انما نزيد الطينة بلة ونعقد الأمور ولا نعالجها.

وتبقى الحقيقة ساطعة أننا بحاجة لمن يعيد لنا رشدنا ويقودنا الى الجنة بالسلاسل.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا