إذا افترضنا عدم وجود حسمٍ بالقوة لأيّ من الأطراف المتنازعة في ليبيا منذ عام 2011، فإن مفهوم “الغلبة على جغرافية الكيان الليبي” يكون قد سقط هو الآخر، بعدما سقط الكيان السياسي في السنة ذاتها؛ حادثةٌ لم تُحدت في تونس أو مصر اللتين شهدتا أحداثًا مشابهة، لأسباب عديدة لا يتسع المقام لسردها.

وفي ظل حكومة سقطت أخلاقيا وقانونيا واجتماعيا ومعها كل الأجسام المزمنة التي هي سبب هذا التأزم في المشهد الليبي اليوم.

يَبقى هناك عددٌ من الأمور التي يجب أخذُها في الحسبان قبل التفكير في حلٍّ مستدام يعالج الأسباب، ومنها اربع قضايا حاكمة في استقرار ليبيا من وجهة نظري:

1. الهوية الليبية الجامعة وعلاقتها بالخطاب الديني.
2. التقسيم والنظام الإداري من حيث المركزية أم الفيدرالية إداريًّا وتشريعيًّا.
3. المشروع الاقتصادي وهويتُه وتنافُسيته، والتوزيع العادل لعوائد النفط وللتنمية، وتموضع الاقتصاد الليبي داخل اقتصاد عولمي يُرفَع معه ويُستفاد منه .
4. قضاء عادل وناجز ومكافحة الفساد من خلال منظومة أممية تلاحق الأموال المهربة والمنهوبة.

ولابد من الإجابة عن سؤال (الكيف) وآلياتٍ مقترحة لتنفيذ الاستقرار، لوجدنا أننا منهجيًّا في أمسِّ الحاجة إلى:

1. مجلس تأسيسي يشمل كل أطياف الليبين يناقش كل هذه القضايا. يتكون من أحزاب وقبائل ومجتمع مدني ونقابات.
2. تنفيذ مخرجات اللجنة الاستشارية.
3. تنفيذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معًا في نفس التوقيت، وقبول نتائجها بعد الاتفاق على القواعد السياسية الأساسية.
4. الحل الأمني وبناء مؤسسة أمنية وعسكرية نواتُها لجنة (5×5)، وتنفيذ مخرجاتها.
5. تصميم نموذج اقتصاد مختلط، تملك الدولة فيه المواردَ (مثل النفط والغاز والمعادن والشواطئ)، وتشتري الخدمةَ من القطاع الخاص دون منافسته.
6. تصميم نموذج إداري بحُكْم لا مركزي أو فيدرالي على المستوى التنفيذي والتشريعي، يحل مشكلَ المطالبات الإدارية والثقافية والاقتصادية.
7. مصالحة شاملة، وإطلاق المعتقلين على خلفية قضايا سياسية (وليست جنائية)، وتعزيز حقوق الإنسان.
8. مكافحة الفساد وفتح ملفاته منذ عام 2011 وحتى اليوم.
9. الاستفتاء على الوثائق الشبه دستورية لتكتسب شرعيتها من الشعب.

وقبل ذلك كلِّه، حكومةٌ مُصغَّرة تتولى مكانَ الحكومة الساقطة اليوم أخلاقيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. قد تتشكل إمَّا من أحد وزراء الحكومة المستقلين الذين لم يتورطوا في فساد، أو من مجلس القضاء الأعلى كهيئة تشريعية (وليس تنفيذية)، لأن الجمع بين السلطة القضائية والتنفيذية غير جائز قانونًا.

كما لا يُغفَل دورُ البعثة الأممية لأن ليبيا ما زالت تحت قرارات مجلس الأمن والبند السابع. وفي ظل إدارة أمريكية بدأت تلتف إلى الملف الليبي وتسعى لمخرجٍ من الأزمة بسبب هامٍ وهو تداخلها مع ملفات أخرى في المنطقة كسوريا وأوكرانيا والأهم في ظلِّ شارعٍ حيويٍّ بدأ يكسر حاجزَ الصمت والسلبية، ويستمر في مظاهرات سلمية وعصيان مدني مستمر حتى ترحل كل الأجسام البائسة واليائسة ونؤسس لدولة مدنية يستحقها هذا الشعب الأصيل.