محاكمة شلقم أم محاكمة إعلاميي البلاط..! - عين ليبيا

من إعداد: فيصل محمد قرضاب

إن كثير من الاعلاميين -إلا من رحم ربي- تحولوا بالفعل إلى مجرد “آلة مدح” لمكارم الأمراء والسلاطين وسخائهم و”آلة هجاء وتقريع” لكل من تسوّل له نفسه المساس بسموهم وجلالتهم. خصوصاً وأن العولمة قد منحتهم ميزة أن تكون مهاراتهم عابرة للقارات والبلدان وليسوا حكراً على سلاطين وأمراء بلدانهم فحسب.

ولذلك قابل “أبرز نجوم الاعلام الليبي” تصريحات السيد عبد الرحمن شلقم بالاستخفاف والسخرية والهجوم اللاذع على شخص الرجل ودون أن يتعاملوا بموضوعية ومهنية مع ما ورد في تصريحاته الخطيرة والمهمة والتي كان ينبغي الوقوف على مدى صحتها خصوصاً وأنه هذه المرة قد قدم تواريخاً وأسماء شخصيات محددة، وكثير من الأدلة التي لا توحي بأن ما ذكره الرجل في كتابه هو محض خيال أو افتراء كما يصفه البعض.

وفي الحقيقة إن أكثر ما صدمنا هو موقف الاعلاميين المعروفين محمود شمام وسليمان دوغة إزاء تلك التصريحات الخطيرة للسيد عبد الرحمن شلقم. والتي قوبلت من قبلهما بالاستخفاف والسخرية والتهجم على شخصه، علاوة على التلويح بورقة المحاكمة وتقديمه للقضاء بتهمة (قذف المحصنات) بحسب تعبير الاعلامي سليمان دوغة…!

فهل كل هذا الهجوم والغضب الهستيري دفاعاً عن قطر وذوداً عن أميرها ؟!! وماذا بشأن ليبيا؟ أم أنها وطن لا بواكي له؟ فإنها بالمناسبة هي أيضاً تملك المال والنفط والغاز مثل الدوحة ويزيد ..! أم أنها فقط فتات موائد قصور السلاطين والأمراء ما يستهوي الشعراء، وقد تهاوت عروشها في هذا البلد فتاه عنها اعلاميوها بحثاً عن دفء السلاطين والأمراء ومكرماتهم..!

والأدهى من ذلك .. لم يكتفي الاعلامي سليمان دوغة بتقريع شلقم والسخرية من تصريحاته بل فاجأنا أنه لم يتردد في التهجم على جمهور المشاهدين على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي ودون أدنى احترام لهم ووصفه لبعض مشاهديه بـ (العاهات النفسية والذهنية) ووصفه لهم بـ (المتخلفين) فهل يعقل هذا التصرف من إعلامي معروف ومرشح أيضاً لنيل حقيبة وزارة الاعلام في ليبيا الجديدة…؟!

وكل ذلك من أجل خبر أوردته صفحة انتفاضة 17 فبراير على الفيسبوك. وقد قرأت الخبر وهو صحيح بالمناسبة ولكن التحريف كان في طريقة فهم السيد سليمان دوغة لفحوى الخبر الذي ربما لم يقرأه وقد أكتفى بالتعليق على الصورة. ومها كان فلايعقل أبداً أن تلجأ لشتم وسب من نشر الخبر وكان يمكن أن تفنده بأدب وبكل رحابة صدر .. فيفترض بأنك إعلامي وأنك من “النخبة” ولست مجرد رجل شارع لتسلك هذا السلوك المُشين بحقك وحق جمهورك ان كان ثمة جمهور تحترمه…!

فليس هناك من مبرر يجعل شخصية اعلامية تنزلق لمثل هذا الخطاب السوقي والمبتذل وينجر للهجة الشتم والسب؟ وقد ذكرني خطاب “دوغة” الهستيري بقول الامام مالك بن أنس ( إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق، فيشتم ويسب ويغضب فأعلم أنه معلول النية لأن الحق لا يحتاج إلى هذا) ! فهل كل هذا من أجل قطر وأميرها؟ وقد كان بالإمكان الدفاع عنها وعن أميرها ولكن ليس بمثل هذا الأسلوب.

عذراً أيها “الاعلامي” ولكن ماكان ينبغي لك أن تطلق العنان لعواطفك الجامحة، فالحياد مطلوب ولو كان حياداً مُصطنعاً وهو على الأغلب كذلك. فنعلم بأنه ليس هناك اعلام محايد ولكن هنالك تقنيات لإيهام المشاهد بـ “الحياد الاعلامي” أنت تدركها حتماً وقد سَقَطَتْ سهواً هذه المرة. وهو أيضاً ماسقط سهواً عن الاعلامي “محمود شمام” والذي لم يجد ما يرد به على تصريحات السيد عبد الرحمن شلقم غير وصف كلام شلقم بـ (اللغة الوضيعة) ومعايرة الرجل بفترة خدمته مع القذافي وأنه قد عاش في خندق الطغيان لأكثر من 40 عاماً بينما يفتخر شمام بأنه كان في خندق الحرية طيلة تلك الأربعون عاماً ونيف.

المفترض إعلامياً .. أنه لا يعنينا أبداً “شخص” السيد عبد الرحمن شلقم” ولا تاريخه ولا مواقفه بل ما يعنينا هو حقيقة تلك الاتهامات التي وردت في كتابه ووردت من قبله على لسان الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية الليبية حول انتهاكات السيادة الليبية والتي تعدت مرحلة الانتهاكات بل أصبحت تشير صراحة بأن (ليبيا دولة تحت الاحتلال وتحت الهيمنة الأجنبية المباشرة ..!)

فليس شيئاً هيناً وبسيطاً أن يصرح دبلوماسي ليبي بأن هناك خمس ملفات سيادية للدولة الليبية هي تحت هيمنة دولة أجنبية؟ وهي ملفات الجيش والنفط والأمن والمالية والاستثمار؟ فما الذي بقي لليبيا كدولة من سيادة على أرضها؟؟ خصوصا بعدما نسمع تصريحاً واضحاً من قبل رئيس الحكومة بأن هناك سلطات عليا خفية هي من يتحكم بإدارة البلاد؟

لذلك فإنه ليس سلوك بريء أو عفوي أن تقابل مثل هذه التصريحات بسخرية وتهكم اعلاميين “معروفين” مثل سليمان دوغة ومحمود شمام أو ينتهي الأمر عند تهديد عبد الرحمن شلقم بالمحاكمة بتهمة (قذف المحصنات) كما قال السيد سليمان دوغة؟ فما الذي بقي لأولئك المحصنات ما يخفن عليه إن كانت بلادهم بأسرها تتعرض للإغتصاب؟

ونجدد الدعوة لبقية الاعلاميين بأن يكونوا ليبيين وصادقين … فالتاريخ لا يرحم .. أن لا يهملوا الموضوع أو يستخفوا به كما تعمد غيرهم … وأن يطرح بكل شفافية وموضوعية وصدق واستدعاء كل الأطراف المعنية ولو استمرت الحلقات لأسبوع أو أكثر فالمهم أن تظهر الحقيقة جلية وواضحة لليبيين وأن تفسحوا المجال لكل الأطراف المعنية ولا تفعلوا كما فعل شمام عندما استعان بشخص السيد “محمد عمر المجبري” الذي منحه شمام لقب “محلل سياسي” وكانت كل وظيفته الدفاع عن الأمير القطري والطعن في شرف شلقم وأهل بيته وشخصيات ليبية أخرى على الهواء عقاباً لهم لتطاولهم على قطر.

لذلك .. ولأن السلطات الثلاث – كما نعلم جميعاً- تعاني الوهن والعجز والغياب التام…! فلم يتبقى أمام الليبيين إلا (السلطة الرابعة) وهي – سُلطَة الاعلام – فاننا ننتظر المبادرة من قبل رجال الأعمال الذين يسيطرون على المشهد الاعلامي الليبي بإختلاف مساربهم وأجنداتهم ! من كان منهم موالياً لقطر ومن كان منهم ضد ما أعتُــبِر تدخلاً وتطولاً على السيادة الليبية أو “احتلالاً” كما يفسره البعض بوضوح أكثر.

ولا ندري حقيقة .. ما الذي يجعل الفضائيات الليبية الخاصة يملؤهم الرعب والخوف من فتح ملفات تتعلق بأمن ليبيا واستقلالها وسيادتها؟ ولا نلوم هنا “الاعلام القطري الموجه لليبيين” بل نعني الاعلام الليبي، الفضائيات “ذات التمويل والإدارة الليبية” والتي يديرها ويمولها “رجال أعمال ليبيين”. فليس هناك من مبرر لهذا الرعب والصمت المريب إزاء قضايا من هذا النوع. وبالمناسبة لقد حدث الشيء نفسه في مصر وفي تونس وكلنا سمعنا وشاهدنا قضايا التدخل الأجنبي في كل من مصر وتونس وقضايا الأموال والدعم الأمريكي والسعودي والقطري والاماراتي وغيرهم للاحزاب ومنظمات المجتمع المدني. ولكن الاعلام التونسي والاعلام المصري كان حاضراً بقوة للدفاع عن استقلال وسيادة بلده وأعتبارها (الخط الأحمر الوحيد) وقد شاهدنا كيف أن هذه الموضوعات والقضايا طرحت بكل شفافية وجرأة ومما اضطرت المسؤولين السياسيين لإتخاذ خطوات عملية جادة نحو احترام سيادة البلد.

فالاعلام الخاص في مصر وتونس ما بعد الثورة أثبت بالفعل حضوره ومهنيته وأثبت بأنه (سلطة رابعة) فعلاً لا قولاً. ولم يسمح بأن تمر صغيرة أو كبيرة دونما أن تطرح بكل شفافية للرأي العام وتعرض الحقائق على الملأ. ولم يستثنوا حتى مسألة تدخل دولهم في الشأن الأجنبي على نحو ما حدث مع الأزمة السورية، وانخراط الشباب التونسي والمصري في الحرب السورية. مما اضطرت حكوماتهم وأحزابهم أن تتبرأ من مثل هذا السلوك واعتبرته فردياً ولايمثل الحكومة. بينما في المقابل نعلم بأن ثمة معسكرات لتجنيد الشباب الليبيين وهم أضعافاً مضاعفة من اعداد المصريين والتونسيين، وكذلك علمنا جميعاً بأن الحرب السورية يتم تمويلها من أموال الليبيين الذين يعيش أغلبهم في العراء و(تحت خط الفقر). ولا نملك إلا الصمت..! فنحن الليبيون للأسف .. وكما وصفنا منذ أيام قليلة الشاعر القطري بدر بن صقر (الليبيون يتعرضون للإغتصاب وصامتون كاللوح).

ومع هذا لا زلنا ننتظر أن يصحوا إعلامنا “الليبي” فهو ربما آخر قشة يتشبت بها الليبيون. فالمسألة بالفعل تعدت الأشخاص وأصبحت قضية وطن، فليبيا أكبر من هذا أو ذاك فإما أن تكون أو لا تكون. والحقائق لا تُبنى بالتكهنات أو بالتهجم على الأشخاص والسخرية منهم بل بالحوار الجاد والموضوعي والصادق..!

فهل يجرؤ الاعلاميون الليبيون..؟



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا