مدنية وإن طال النضال - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق العرادي

الغــدر !

“لن يثق الليبيون مرة أخرى في المجتمع الدولي، ومن اليوم فصاعداً سنعتمد على أنفسنا في صون بلادنا وديمقراطيتنا” هذا الكلام لوزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا بعد الهجوم الغادر الذي قام به حفتر وقواته على العاصمة الليبية طرابلس في وقت كانت قواها السياسية، بل والعسكرية، مشغولة بالتعاطي السياسي مع تفاهمات أبوظبي والإعداد للملتقى الجامع، المزمع عقده منتصف هذا الشهر الجاري، فكانت طرابلس خاصة، وليبيا عامة، كخلية نحل تعد لهذا الملتقى وتحدد السقوف المقبولة والمرفوضه فباغثها الغدر من كل مكان.

لا أعلم سبب تصريح باشاغا، ولكنني رجعت إلى الوراء، وتحديدا إلى الفترة ما بين 20-23 مارس الماضي، فوجدت ثلاثة تحذيرات غريبة لدول غربية؛ الخارجية الألمانية والأمريكية والبريطانية، وجاءت هذه التحذيرات مختلفة في صياغاتها إلا إنها في المجمل تتحدث عن حدوث هجوم إرهابي وشيك وبعدم السفر إلى ليبيا وطالبت الموجودين من رعاياها في ليبيا بسرعة مغادرتها.

كما أن حفتر قابل الملك سلمان، ملك العربية السعودية، وابنه محمد في زيارة لا شك استفزت الحكومة المعترف بها دوليا والشارع الليبي وبالذات في المناطق المناوئة لحفتر وهو الذي لا يحمل أي سلطة شرعية عدا سلطة الأمر الواقع.

كل هذا يشير إلى أن دولة عربية أو أكثر قد شاركت في هذا الهجوم وأن استخباراتها قد أبلغت مخابرات تلك الدول الغربية التي حذرت رعاياها والتي بدورها أبلغت خارجياتها باحتمالية وجود هجوم إرهابي وشيك على العاصمة، وهو كذلك، وهي تعلم أن الهجوم الإرهابي الوشيك على العاصمة هو الوهم الذي أسماه حفتر بــ “تحرير العاصمة”.

من هذا المنطلق جاءت بيانات الدول باهتة بما في ذلك بيان الأمين العام للأمم المتحدة وسفارة أمريكا وبريطانيا وبيان جمهورية مصر الشقيقة وبيان الدول الخمسة الذي شاركت فيه الإمارات الدولة الرئيسية الداعمة لحفتر. هذه البيانات الباهتة المشبعة بالقلق والمطالبة بضبط النفس، والأسوء أنها لم تسمي حفتر كطرف باغي بل تكلمت عن أطراف بما فيها الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الشرعية والقوات المساندة لها.

ما قبل الملتقى

لا شك أن الملتقى الآن بات في مهب الريح، ولكن قبل عملية الغدر التي قام بها حفتر تحولت المنطقة الغربية وبالذات طرابلس إلى خلية نحل؛ اجتماعات وورش وأفكار ومبادرات، وأظن أن البعثة قد استلمت مئات من هذه المقترحات والمبادرات. بدأ الناس يتعاطون مع بعضهم البعض بعقلانية ونفس منفتح وروح حريصة على السلم والاستقرار، بدلا من سياسة الرفض التي كانت سائدة، وبذل الكثيرون أوقاتا وجهودا كبيرة في الاجتماعات واللقاءت لاقناع الناس بالتخلي عن استراتيجية الغياب والرفض، والانتقال إلى استراتيجية المطالبة ورفع السقف، وتحديد السقوف الأدنى المقبولة والمرفوضة. وبالفعل حتى الكتائب المسلحة بدأت تحدد مطالبها بالرغم من رفضها لشخص حفتر.

فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي والذي قال مرارا أنه جاء للوفاق وليس للحرب، وأنه على مسافة واحدة من الجميع، لم يمانع من لقاء حفتر كلما طالب منه المجتمع الدولي ذلك. وعندما صار الحديث عن أهمية تفاهمه مع حفتر، وهو يعلم أن حفتر لا يمكن الوثوق به أو الوصول معه إلى اتفاق، جلس معه ووجده يصر على عسكرة الدولة وفصل الجيش عنها، أصر في المقابل على مدنية الدولة وقبل بمناقشة وضبط تحويل مهام القائد الأعلى إلى مجلس أمن وطني في إطار الدولة المدنية، ولا يجتمع إلا لأجل اختصاصات القائد الأعلى للجيش الليبي ولهما حق النقض، كل ذلك من أجل إنهاء الانقسام ووقف آلة الحرب والبدأ في عملية البناء، ووقف نزيف الصرف والنهب خارج الميزانية.

التقيت خلال الشهر الماضي بعدد من الساسة والدبلوماسيين والمسؤولين الكبار في الدولة بما فيهم الرئيس وبعض مستشاريه وعدد من قادة مصراته وطرابلس وشاركت في العديد من اللقاءات والاجتماعات والورش وتوصلت إلى نتيجة ذكرتها لمن يهمه الأمر مرارا وتكرارا وكتبتها على صفحتي ولخصتها في ثلاثة نقاط رئيسية؛ ضرورة خوض مسار السلام بكل قوة والبحث عن حل للبلاد، والإستعداد للحرب إذا فشل السلام، وكذلك الاستعداد لمحاولات الانقلاب على الدولة المدنية إذا تم التوصل لأي حل.

من هذا المنطلق جاءت تحركات حفتر الأخيرة الإستفزازية لتوضح بشكل جلي أنه رجل حرب ولا يفقه إلا في إشعالها وأنه بالرغم مما فعله في بنغازي ودرنة والجنوب، الذي دخله وتركه أسوء من ذي قبل، ناقش الساسة والكتائب المسلحة في الغرب الليبية مسألة القبول به في المسار السياسي، إلا أن هذا الشخص لم يكن يوما يرغب في السلام.

الملتقى

قد يؤجل الملتقى وقد يلغى ولكنني أرى أن على السراج والقادة السياسيين والقوات التي تدافع عن العاصمة وترد كيد حفتر وغدره أن تطالب البعثة الأممية بعقد المؤتمر في موعده وذلك أن حفتر لن يتحصل إلا على ما تحصل عليه في جرة القلم الأولى بعد الذي فعل. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا