مسودة ليون … هل يمكن تجاوز حكم الدائرة الدستورية؟ وكيف؟ - عين ليبيا
من إعداد: عبدالرزاق العرادي
لماذا عرض ليون مسودته؟ وهو يعلم سلفاً أن طرفاً ما سيرفضها؛ لأنها إذا جاءت ملبية لما يطلبه طرف رفضها الطرف الآخر والعكس صحيح.
في الغالب أراد ليون تقديم المسودة كي يفرض إطاراً للتفاوض؛ فبالرغم من رفض المؤتمر الوطني العام للمسودة جملة وتفصيلاً، إلا أن ليون أراد أن يرفع الحوار إلى مستوى التفاوض بتقديم تنازلات أو اقتراح إضافات أو حذف بعض القضايا المختلف عليها في إطار هذه المسودة. جاءت الردود سريعة من وفد المؤتمر ومن بعض المشاركين وكان أول من سارع وكتب عن المسودة وذكر مثالبها عضو مجلس النواب المقاطع فتحي باشاغا، على صفحته في موقع الفيسبوك للتواصل الإجتماعي، ثم توالت بعد ذلك المقالات والملاحظات حول المسودة.
أفضل ما قرأت من المقالات حول هذه المسودة مقال للإعلامي إسماعيل القريتلي، وهو مراقب للمشهد عن كثب ومتابع للحوار بشكل دقيق، بعنوان “مسودة الاتفاق السياسي المقدمة من المبعوث الأممي- قراءة في المضمون”، ومقال آخر للدكتور نعيم الغرياني، وهو بالإضافة إلى كونه عضواً مقاطعاً في مجلس النواب فهو أحد المشاركين في الحوار، بعنوان: “ملاحظات على مسودة الاتفاق السياسي الليبي”، وركز الكاتبان على الإيجابيات التي يعتقدان أن المسودة قد حققتها، وذكرا الإخفاقات التي أهملتها هذه المسودة.
كلاهما أشاد بالجهود التي بذلت وكلاهما حريصان على اقتناص الفرصة التي سنحت للعبور بالبلاد إلى بر الآمان، وكلاهما تحدث عن سلوك وقصور أعضاء مجلس النواب وغياب الممارسة الديمقراطية فيه، وقراراته التي أسهمت في إذكاء الصراع السياسي والمسلح.
ومن أهم المفارقات بين مقالى القريتلي والغرياني أن القريتلي أشار إلى إهمال السيد ليون لأحكام القضاء التي نصت المسودة على احترامه، بينما تجاهل الغرياني بشكل كامل أحكام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
في هذا المقال لن أكرر ما ذهب إليه الكاتبان، ولكني سأركز على نقاط أرى أنها قد توصلنا إلى استشراف المخرج، بالإجابة على جملة من الأسئلة باختصار غير مخل؛ ما الذي يعنيه حكما الدائرة الدستورية رقما 17 و16/61ق؟ وما هي أهم الشبهات حولهما؟ وهل بالإمكان تجاوزهما أو إيجاد مخرج لهذه المشكل القانوني السياسي؟.
ما الذي يعنيه حكما الدائرة الدستورية رقما 17 و16/61؟:
في البداية نتطرق لحكم الدائرة الدستورية رقم 17 قبل 16 وذلك لأن المحكمة تناولته بهذا التسلسل، وفي نفس الوقت لأن الحكم رقم 16 استند على الحكم رقم 17.
حكم الدائرة الدستورية رقم 17/61ق:
الطعن المقدم كان في عدم دستورية الفقرة رقم (11) من المادة (30) من الإعلان الدستوري، وبالتالي فإن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا حكمت بدوائرها مجتمعة؛ “بعدم دستورية الفقرة (11) من المادة (30) من الإعلان الدستوري، المعدلة بموجب التعديل السابع الصادر بتاريخ 11 مارس 2014م وكافة الآثار المترتبة عليه”. تنص الفقرة (11) على أن “يعمل بمقترح فبراير على أن يقوم مجلس النواب المنتخب بحسم مسألة انتخاب الرئيس المؤقت بنظام انتخاب مباشر أو غير مباشر خلا مدة لا تزيد عن خمسة وأربعين يوما من عقد أول جلسة له”.
وأما الآثار المترتبة عليه وحكمت المحكمة بعدم دستوريتها فهي مقترح فبراير وقانون انتخاب مجلس النواب، وانتخابات مجلس النواب وكل إجراء أو تشريع أوقرار صدر عن مجلس النواب.
حكم الدائرة الدستورية رقم 16/61ق:
الطعن المقدم يطالب المحكمة بقبول الطعن بعدم دستورية جلسة مجلس النواب المنعقدة في مدينة طبرق بتاريخ 4/8/2014م وما بعدها؛ حيث قالت المحكمة في الأسباب؛ ” إن هذه المحكمة سبق أن قضت في الطعن الدستوري رقم (17 لسنة 61 ق) بعدم دستورية الفقرة 11 من المادة (30) من الإعلان الدستوري المعدل بموجب التعديل الدستوري السابع الصادر بتاريخ 11 مارس 2014م، وكافة الآثار المترتبة عليه. ثم أكدت أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية لها حجية مطلقة وتنصرف إلى الكافة… ولما كان انعقاد الجلسة المطعون بعدم دستوريتها قد تم بناء على التعديل الدستوري الذي قضي بعدم دستوريته، وكان لهذا القضاء حجية مطلقة حسمت الخصومة الدستورية. وبالتالي حكمت المحكمة بدوائرها مجتمعة باعتبار الخصومة منتهية”.
من المعلوم أن المحكمة تحكم بانتهاء الخصومة بالنسبة للنص التشريعي الذي سبق للمحكمة أن قضت بعدم دستوريته بالنسبة للدعاوى المرفوعة قبل إعمال أثر الحكم. أما في غير هذه الحالة فإنها تقضي بعدم قبول الدعوى، بل لو أن الوضع طبيعي ورُفع طعن في قرارات مجلس النواب فإن الدعوى لن تقبل لعدم وجود جسم اسمه مجلس النواب، حسب منطوق هذا الحكم.
لقد تم إغفال حكم المحكمة العليا رقم 16 لأنه حجة دامغة وغاية في الوضوح ولكن حالة الإستقطاب والتحليل لها جعلت بعض النخبة تبحث عن تأويلات وتفسيرات وتلقي بشبهات لا علاقة لها بمنطوق حكم المحكمة.
التأويلات والتفسيرات:
من هذه الشبهات التي أربكت المشهد وخاصة من أؤلئك الذين كنا نعتقد أنهم قامة في مجالهم:
وهذا صحيح إلا أنهم أغفلوا شرط إقراراها بطريقة دستورية؛ فالمحكمة العليا ذاتها قالت في الأسباب بصريح العبارة “إن هذا الدفع غير سديد”؛ فالفقرة (11) من المادة (30) أقرت بطريقة غير دستورية، حسب رأي المحكمة، وبالتالي قبل الطعن وحكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة.
وهذا صحيح أيضاً، لكن حكم المحكمة ألغى كل الآثار المترتبة على هذا الحكم، وقانون انتخاب مجلس النواب لم يأت ذكره إلا في مقترح فبراير، بل إن من أهم آثار مقترح فبراير إصدار القانون رقم (10) بشأن إنتخاب مجلس النواب.
يكفي إلغاء المادة الأولى من مقترح فبراير لانعدام مجلس النواب، فما بالك أن كل المقترح الذي يُوجِد مجلسَ النواب وينظم عمله قد تم إلغاؤه.
انتهاء الخصومة تعني باختصار فقدان الصفة لأحد الخصوم، وبالتالي تؤدي إلى انعدامها من الأساس لعدم وجود أحد أطرافها، وهو في هذه الحالة مجلس النواب، وبالتالي حسمت الخصومة.
المخرج:
كما ذكرت في إحدى التغريدات، فلو أن المسودة غيرت كلمتين بثلاث كلمات في المادة (59)، وفي هذا الموضع من المسودة فقط، فيقوم المؤتمر عوضاً عن النواب بإجراء التعديل الثامن، لما كان للمؤتمر أن يرفضها جملة وتفصيلاً.
لذا أرى أن يتم استئناف الحوار على أساس:
“يقوم كل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام، كلٌ على حدة، بإجراء تعديل للإعلان الدستوري بما يتفق ونصوص هذا الاتفاق، وفقاً للإجراءات المقررة قانوناً وعلى ضوء المقترح لتعديل الإعلان الدستوري المرفق بهذا الاتفاق”.
ملاحظة أخيرة:
لا بد من زيادة عدد أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، التي خذلت الليبيين بتقاعسها وعدم حرصها على الوفاء بالمدة الدستورية، ولا حتى بوعودها. هذه الزيادة يجب أن تشمل أطرافاً أخرى رئيسية، لم يشملها الحوار، ولم تشارك في انتخاب الهيئة التأسيسية، وهي المجموعات المعارضة لفبراير،المقرة، في نفس الوقت، بإنتهاء نظام سبتمبر والحريصة على المشاركة في صنع مستقبل ليبيا الجديدة. هذه الخطوة في غاية الأهمية حتى يكون الدستور الليبي الدائم لكل الليبيين.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا