مشروع مدنية الدولة في ليبيا تحت الاختبار في طرابلس - عين ليبيا

من إعداد: أ.د. فتحي أبوزخار

نعم فبراير قامت من أجل إرساء قواعد نظام حكم مدني ديمقراطي في ليبيا، وبالرغم من أن الشعب خرج سلمياً إلا أن التعنت العسكري لمعمر القذافي دفع به لإعطاء الأمر لكتائبه الأمنية بالتصدي للرافضين له بمضادات الطيران، وليمعن في طغيانه فتح مخازن الأسلحة وأطلق المجرمين من السجون.. ولكن انتصرت إرادة الدولة المدنية واستمر الصراع وما زال يتحسس الشعب الليبي طريقه إلى الديمقراطية ولو كره الظالمون!

التجربة والخطأ:

نتيجة للتحصر السياسي في ليبيا فقد حاولت الفرق المؤطرة بالخارج من مجموعات المعارضة بالخارج، وبالداخل جناحي ليبيا الغد “الليبرالي، والإسلامي”، التفرد بالسلطة بعد انتصار فبراير وفرض سياسة الأمر الواقع باستغلال حماس الثوار بدغدغتهم بالمناطقية والعاطفة الدينية أحياناً وفي الغالب بالقبائلية والعنصرية أو الاتكاء على تاريخ المعارضه ومن هنا كان الخطأ. هذه الفوضى فتحت شهية الكثير من دول العالم للتسلل لليبيا باستخباراتها وحاولت بسط قواعدها بأيدي المتهورين من شباب ليبيا الحاملة للسلاح، وهناك من الدول من اختارت المراهنة بالسيد حفتر وخاصة بعد نجاح تجربة مصر في العودة للمربع الأول بحكم العسكري على يد السيد عبدالفتاح السيسي الذي تلقى الدعم من السعودية والأمارات وفرنسا. وقد استفاد في ليبيا العديد من النشطاء السياسيين والمدنيين والحقوقيين والإعلاميين من تلك التجربة!

لقد ساعدت الظروف الجغرافية بإطلالة المنطقة الشرقية على حدود مصر بتوفير الدعم الاستشاري الاستخباراتي والمادي والإعلامي واتخاذ الرجمة قاعدة للسيد حفتر،  وبسبب تنامي التيار الإسلامي المتطرف الرافض لمدنية الدولة  فقد نحج السيد حفتر بعد أربعة سنوات للسيطرة عليها، فكيف سيسيطر على طرابلس الممثلة للمنطقة الغربية والوسطى؟ بل الجميع يتفق على أن طرابلس ليبيا!

ضعف مؤشرات نجاح  حفتر في ليبيا “طرابلس”

لا يستطيع أحد أن يجزم من سيُهلك وسيُدمر الأخر في هذه الحرب الأهلية منتصراً ففي جميع الأحوال النتيجة هي خسارة لنا نحن كليبين وليبيات!!! ولكن الصراع بين المشروع المدني الذي تبنته 17 فبراير أو العسكري بقيادة حفتر يظل مشروعاً من سنوات وتحديداً من 2014 عندما أعلن عن الانقلاب على المؤتمر الوطني العام الممثل للدولة المدني.  وبالمقارنة مع تصريحاته المتلفزة في بداية 2014 بأنه سيسطر على المنطقة الشرقية في ظرف أسبوعين وأخذت منه أربعة سنوات فكيف يعلن الآن من مكان مجهول بأنه سيدخل طرابلس في 48 ساعة؟ والكاتب لا يستطيع تصديق ذلك نتيجة للأسباب التالية:

  • عندما كان في الرجمة أخذت منه المنطقة الشرقية أربعة سنوات فكيف وهو اليوم في الرجمة يريد دخول طرابلس في 48 ساعة؟
  • وجود الحدود المصرية بالتأكيد عامل مساعد كبير لدعم لحفتر أما الحدود الغربية فهي ليست كذلك.
  • بالحدود المصرية الليبية نجحت فزاعة الحرب على الإرهاب في الشرق الليبي ومهدت الطريق لحفتر بمساعدة الاغتيالات الاستخباراتية للعديد من العسكريين وأيضا النُشطاء  المدنيين، وهذا يعتبر بالمنطقة الغربية مخاطرة! وبعيد المنال.
  • وجود التطرف في المنطقة الشرقية كان عامل مساعد لقوة حفتر بالرغم من أنه فتح له الطريق ليقبره البنيان المرصوص في سرت. وهذا غير موجود بالعدد الذي قد يضعف الجبهة بالمنطقة الغربية.
  • بالرغم من أن تنسيق حفتر مع السراج في أبوظبي ضمن له مكان في المعادلة السياسية إلا أنه وبخيانته للاتفاق ورفضه لبوابة السياسة واختياره الهجوم عسكرياً سيقلل من مكانته دولياً ولو تواطأت معه بعض الدول وشجعته بالهجوم على طرابلس.
  • المجتمع الدولي غض الطرف عن المنطقة الشرقية وقبِل بحجة الإرهاب التي رفعها حفتر بالرغم من الانتهاكات الفاضحة للمدنيين بنغازي وبدرنه، أما اليوم فمن الصعب قبول نفس الحجة التي يستمر في رفعها وخاصة بعد أن رجعت البعثة لطرابلس وتتنقل بين أحيائها والمدن المجاورة لها بالمنطقة الربية.. فلا يمكن قبول كذبة الإرهاب  وطرابلس تستقبل السفراء والدبلوماسيين الدوليين على أرضها!
  • خلال الشهرين الماضيين عقدت عدة لقاءات لتجميع كلمة ثوار 17 فبراير بالمنطقة الغربية: ( الزاوية، غريان، مصراته) في ائتلاف يوحدهم جميعاً مما يعطيهم جاهزية مبكرة لمواجهة قوات حفتر القادمة من الشرق.
  • نظمت البلديات بالمنطقة الغربية العديد من الاجتماعات التي ستساعد على توحيد الصفوف في مواجهة حفتر .
  • أيقن العديد من أعضاء المجموعات المسلحة بان السيد حفتر  ينظر لهم كإرهابيين “خوارج” وسنتم منهم لذلك سيدافعون باستماتة على طرابلس، بينما النظام المدني هو الضامن لهم وسيتركهم أماهم خيارين:
    • إذا ارادوا الاستمرار فسيمنحون خيارات في الانضمام إلى مؤسسة الجيش أو الشرطة أو في الانخراط في مؤسسة شبه عسكرية.
    • المشروع المدني مبني على الاقتصاد الحر لذلك سيكون لهم الخيار الثاني قروض لمشاريع متوسطة وصغرى.
  • توجد استعدادات وترتيبات لمشروع مدنية الدولة صاغه التكتل الوطني للبناء الديمقراطي، متحد مع تكتلات وطنية أخرى تحت مظلة ائتلاف، يضم به اتحادات ونقابات وتنسيقيات وغرف تجارة وصناعة وزراعة، انضمت له تقريباً جميع المجموعات المسلحة بالمنطقة الغربية وقد حضرت السيدة ستافني وليمز في 19 مارس أحدى الاجتماعات  لمس فيه الكاتب علامات الرضى عنه من قبل السيدة وليمز.

المجتمع الدولي تحت الاختبار:

بالرغم من تأيد المجتمع الدولة لنهاية حكم العسكر في ليبيا في 2011 وانحيازه لمطالب الشعب الليبي في بناء دولة مدنية ديمقراطية، يُتبادل فيها السلطة سلمياً، وتُفصل فيها السلطات بدون استبداد.. إلا أنه الواضح ونتيجة لقفز فرنسا على مقود الحرب ضد القذافي فقط لتضمن لها موقع قدم لضمان مصالحها في ليبيا واختارت السيد حفتر كأقصر الطرق لتحقيق مصالحها! وربما لتقوية جبهة الاستبداد أيضاً بالشرق الأوسط وإضعاف المشروع المدني المبني على الديمقراطية والحرية في الفكر والاقتصاد والتجارة بشمال أفريقيا! فالديمقراطية المطلوبة اليوم هي التي تخلق شراكة قوية بين المؤسسات الخاصة والعامة وبشفافية تذعن لرقابة مؤسسات المجتمع المدني! وستفتح شراكة مع دول العالم للاستثمار في مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع وخاصة أوربا لوقف الهجرة غير الشرعية وخلق بيئة رافضة للإرهاب.

أما كلمات السيد غوتيريش بعد لقاء السيد حفتر: “أترك ليبيا بقلب مثقل وقلق عميق” نرد عليه بالليبي “ما يعبيش الراس” و تظل المماطلة بمصير الشعوب مستمرة حتى على طاولة مجلس الأمن واجتماع الدول السبع.. ولكن وعي الشعب الليبي اليوم لن يسمح بتمرير مشروع دكتاتورية عسكرية جديد، فالمشروع المدني هو الحل ولو طال النضال.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا