مقالب.. مجلس النواب - عين ليبيا
من إعداد: عبد الرحمن الشاطر
أوضاع ليبيا تتأزم ليس سنة بعد أخرى.. وإنما يوما بعد يوم.
النتيجة أن في خضم هذه الصراعات تبقى الحلول المقدمة متضاربة ومتناقضة وتعمق الأزمة ولا تعمل على تفكيكها ومن ثم حلها.
في تقديري أن هذا الوضع لم يأت من فراغ ولا هو من وحي اللحظة والظروف . وانما هو عمل استخباراتي متميز من صنع عدة أطراف خارجية تتصارع فيما بينها وكل منها يريد أن يزيح الآخر المنافس ليستفرد بهذه الدولة الغنية بمواردها الطبيعية والتي هي الآن في حالة سيولة يمكن توجيه مصباتها في الاتجاه المراد والمبتغى.
محنة سوف تطول اذ ليس من السهل السيطرة على الأوضاع السيئة المتفاقمة الا بوجود حكومة قوية .. قوية جدا ولها رؤية وبرنامج عمل محدد وليس مجرد أشخاص عاديون جاءت بهم الترضيات يشغلون مناصب ويتصرفون كموظفين وليس كسياسيين.
الخطأ الكبير الذي ارتكبناه بعد استقرار الأمور لتيار فبراير أننا مارسنا الاقصاء بشكل بشع وبذلك تم القضاء على الادارة الوسطى التي تسيّر أمور الدولة واحتياجات المواطن. تم استعداؤهم بدون مبرر واضطروا إما الى الانزواء أو اتخاذ موقف من تيار فبراير ومن تسلقه الذين استحوذوا على السلطة دون سابق تجربة أو تراكم خبرة سياسية أو ادارية.
والخطأ الأكبر كان اصدار قانون العزل السياسي الذي وضع جدارا سميكا بين ما يسمى بالثائر وما أطلق عليه “زلم ” قانون أقل ما يوصف به أنه قانون يزرع الفتنة بين شركاء الوطن وقد زرعها. هذا كان موقفي في المؤتمر الوطني العام عند مناقشة القانون.. وهذا كان رأي الكثيرين من زملائي ولكن نتيجة التصويت بالاكراه على القانون لم تنصف الوطن وجرته الى متاهة لها أول وولدت كل يوم اصطفافات جديدة تدافع عن حقها وتشد البلد الى الوراء ان لزم الأمر.
والخطأ الأفدح كان في استغلال الدول المتصارعة على ليبيا للهيمنة عليها بسبب الفراغ السياسي والاختلاف في التوجهات فاشترت عملاء من الليبيين تناصر رأيهم وتدعمهم بالمال والسلاح والاعلام لكي لا يفرطوا في حقوقهم أو باستعمال شماعة محاربة الارهاب !!! كلمة حق يراد بها باطل.
تحدثنا مع كافة مبعوثي وسفراء الدول ورؤساء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. اشتكينا لهم تدخل دول اقليمية بعينها في الشأن الليبي ومناصرة طرف ضد الآخر وطلبنا كف تدخلهم في شأننا.. ربما كنا سذج .. فقد اتضح أننا كنا نشتكي للضالع في تأزيم المسألة الليبية.
شخصيا وصلت الى قناعة ويشاركني الكثيرون في أن المسألة الليبية لا تحل الا ليبيا. لكن ، وجدنا أنفسنا منقسمين ومختلفين ومتخالفين .. أكثر من اختلاف الغير في مسألتنا.
لدينا ثلاثة أجسام رئيسة موكول لها لم الشمل وتحقيق التفاهم وصناعة السلم الاجتماعي والاستقرار بالبلاد وتوفير مناخ جيد يعيش فيه المواطن في وطنه في أمان.
هذه الأجسام الثلاثة هي: مجالس النواب والدولة والرئاسي ، اثنان منهما فشلا ومجلس الدولة عاجز عن أن يفعل شيئا لأنه لم يجد الشريك الجاد لفعل ذلك بموجب نصوص الاتفاق السياسي ، ولم يتحقق أي انجاز من كل ذلك أو حتى جزء بسيط منه. اذ لا زال لدينا حكومتان.. وجيشان.. ومصرفين مركزيين.. ومؤسسات أخرى منقسمة على بعضها ومتنافسة في ايغار هذا الانقسام وتكريسه.
نعيب زماننا والعيب فينا.. نلوم غيرنا ومنا من يفسح لهم الطريق ويفتح لهم الأبواب لتمكينهم من أن يتدخلوا في الشأن الليبي مقابل منصب أو حفنة من المال الفاسد.
ما كنت أتوقع أن يكون أداء المجلس الرئاسي بهذا السوء.
وما كنت أتوقع أن يتحول مجلس النواب الى مجالس لنخب من النواب .. كل يغني على ليلاه .. وكل مشغول بمبتغاه.. والكل يتمسح بشعار الوطنية ومعاناة الناس ورفع الظلم عنهم.. والسعي لوحدة البلاد والاستقرار بها. والكل فشل ورسب عند أداء الاجابة على اسئلة امتحان استحقاق اصدار قانون للاستفتاء على مشروع الدستور.
من أسخف ما سمعت عبر قناة فضائية عشية الجلسة الثانية لمجلس النواب حديث بعض النواب أن الاجراءات التي اتبعتها هيئة صياغة الدستور في احالة مشروع الدستور الى مجلس النواب لم تتبع الاجراءات القانونية السليمة ومنها ارفاق كشف بتوقيعات أعضائها المصوتين بالموافقة على هذا المشروع.. توقعت أن يواصلوا هذا السخف ويطلبوا تزويدهم بالوضع العسكري لكل منهم والحالة الاجتماعية وصورة من بطاقاتهم الشخصية وكتيبات عائلاتهم.. ولعلهم أجلوا هذه المطالبات بتوفير هذه المستندات الى وقت ما بعد الوقت الضائع ليأخذ كل مستند شهرا من اللغط العبثي..
نحن في خضم إعصار أزمة عاتية يصنعها مجلس انتخب ليمثل ارادة الأمة .. فاذا به يشتت الأمة ليقدم ليبيا الجغرافيا لقمة سائغة لدول اقليمية.
عارنا كبير .. وفضيحتنا بالجلاجل..
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا