ملاحظات على مسودة الإتفاق السياسي الليبي - عين ليبيا

من إعداد: د. نعيم الغرياني

في الوقت الذي نثمن فيه دور فريق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ورئيسها المبعوث الخاص للأمين العام السيد برناردينو ليون على ما بذلوا ويبذلون من جهد كبير ومضني في رعاية وتيسير الحوار السياسي الليبي لإخراج ليبيا من أزمتها العميقة والمعقدة، والتي صارت تمثل تهديدا وجوديا لليبيا وشعبها، وفي الوقت الذي نقدر فيه موقف المجتمع الدولي ومواقف عدد من الدول الصديقة والشقيقة الداعمة لمسيرة الحوار الليبي ولجهود الأمم المتحدة في هذا الشأن، وفي الوقت الذي نحيي فيه جهود كثير من الليبيين الوطنيين المشاركين في الحوار من كل الأطراف ورغبتهم الصادقة في إنجاحه والوصول به إلى توافق يحقق الأمن والإستقرار لليبيا ويعينها على العودة إلى مسارها الصحيح نحو بناء الدولة الليبية الحديثة التي تحقق آمال وتطلعات الشعب الليبي إلى مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة، والتي ضحى في سبيلها الآلاف من أبنائه، فإننا نخشى على هذا الجهد، وعلى ما حققه حتى الآن من تقدم، من الفشل والضياع وبالتالي فوات الفرصة التي قد لا تتكرر في المدى المنظور لإنقاذ البلد من مزيد من التدهور والإنهيار. ولذا فإنني أدعو كل الأطراف المعنية إلى استصحاب عظم المسؤولية الوطنية والتاريخية عند التعامل مع جهود الحوار وما ينتج عنه من مقترحات وحلول بعيدا عن أساليب التهييج والتشهير والتوظيف السياسي الرخيص، وبمنأى عن الانسياق وراء ثقافة الرفض واستحضار نظريات المؤامرة. ولا يعني هذا التقليل من شأن النقد الموضوعي والمنصف لهذا الجهد ولا من أهمية محاولات تطويره بما يخدم المصلحة الوطنية الكبرى، وأحسب أنه في هذا الإطار تأتي مساهمتي هذه.

لقد شارك كاتب هذه السطور في هذا الجهد منذ بدايته وتابع تطوره عن كثب وتعرف على أطرافه المشاركة والراعية والداعمة عن قرب، وأحسب أن النسخة الحالية لمسَودة الإتفاق تعكس تطورا كبيرا عما كان عليه الأمر في بداية هذا الجهد بما حوته من ايجابيات كثيرة وأفكار قيمة، وأنها تمثل إطارا واعدا تقتضي المسؤولية الوطنية الحفاظ عليه وتعزيزه وتطويره. ومع هذا فإن الوثيقة لا تخلو من فجوات وبعض نقاط الأختلاف، تتحمل مسؤوليتها في رأيي الأطراف الليبية المتحاورة، قد تفضي إلى رفضها ما لم يتم، وقبل طرحها في جولة الحوار القادمة، تدارك تلك الفجوات ومعالجة نقاط الإختلاف بما يبدد مخاوف الأطراف التي ترى أن الوثيقة في صورتها الحالية تجاهلت بعض مطالبها الجوهرية والمشروعة واستهانت بحقها في رؤية ضمانات كافية تحفظ التوازن بين كل الفرقاء وتحول دون استحواذ أحد الأطراف على الأمر واستفراده بالقرار بعد المصادقة على الإتفاق. ويمكن إجمال هذه الفجوات ونقاط الإختلاف والتخوف في ثلاثة عناوين رئيسية هي وضع مجلس النواب، وكيفية اعتماد وإقالة حكومة الوفاق الوطني، وإشكالية الجيش وكتائب الثوار والتشكيلات المسلحة الأخرى. وفيما يلي بعض التفصيل حول هذه العناوين الثلاثة.

أولا: وضع مجلس النواب

إن أهم الأسباب التي كانت وراء مقاطعة عدد من النواب المنتخبين للمجلس، وكاتب هذه السطور من بينهم، منذ انعقاده الأول مازالت قائمة. ولقد عزز سلوك المجلس خلال التسعة شهور الماضية وماصدر عنه حتى الآن من قرارات وبيانات ومواقف تتحدى الضمير الوطني وتستفز مشاعر قطاعات كبيرة من الليبيين، عمقت من حدة الإنقسام وزادت من استعار الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد في شرق البلاد وغربها وجنوبها، عزز هذا السلوك العبثي من فقدان المجلس لأساسه الديمقراطي باعتباره كيانا منتخبا من قبل الشعب الليبي، وتهافتت شرعيته باعتباره ممثلا لكل الشعب الليبي بعد تبنيه للإعتداءات العسكرية على مدن وقرى ليبية قيل أن بعضها شارك فيها طيران دول عربية، ودعمه للأعمال العدوانية التي يقودها واحد من بقايا انقلاب سبتمبر لم يخف نواياه الإنقلابية على ثورة فبراير وشرعية الدولة ولا استهتاره بالإعلان الدستوري والخيار الديمقراطي للشعب الليبي. بل وازداد تمادي المجلس في تحدي المشاعر الوطنية عندما كافاء ذلك الإنقلابي بتعيينه قائدا عاما لما يزعم أنه “جيش وطني” مضفيا عليه بذلك رداء من الشرعية الزائفة جعلته يُستقبل من بعض الأنظمة العربية المناوئة للثورة الليبية استقبال رؤساء الدول.

كل هذا السجل الحافل بمواقف العداء لثورة الشعب الليبي ولقطاعات كبيرة من أبنائه، وبتسليم المجلس لإرادته إلى انقلابي يراه الكثيرون مجرم حرب، وبتحالفه مع أنظمة عربية لاتُخفي نيتها في القضاء على الثورات العربية، كل هذا يجعل الحديث عن شرعية المجلس الإنتخابية عبثا مالم يتم تقويم وضعه وتوفير ضمانات تمنع ارتهانه مرة أخرى لأعداء الوطن والمتربصين به وبأبنائه الشرفاء. ولذا فإنه يتعين على مجلس النواب قبل أن يأمل في كسب الشرعية واستعادة الحد الأدنى من الثقة لدى الليبيين اتخاذ جملة من الإصلاحات العملية وبأسرع وقت ممكن، والتي يمكن اجمالها في تعزيز مبدأ المشاركة الشاملة لكافة أعضائه، وترسيخ نهج التوافق في صناعة قرارته، والرجوع عن قراراته وسياساته السابقة المثيرة للجدل. وفيما يلي خمسة اجراءات محددة نرى أنها ضرورية لتصحيح وضع المجلس، تمثل الأربعة الأولى منها مطالب النواب المقاطعين منذ بداية الأزمة سبق طرحها مع السيد ليون في اللقاءات التشاورية قبل اجتماع غدامس الأول، والإجراءات هي:

  1. تغيير مقر انعقاد المجلس بما يضمن مشاركة كافة اعضائه، ويمكن أن يكون ذلك في طرابلس في حال توفر الشروط الملائمة أو في أي مدينة أخرى يتم التوافق عليها بين الأعضاء،
  2. إعادة انتخاب هيئة رئاسة المجلس في أول اجتماع للمجلس في مقر انعقاده الجديد وبحضور كامل أعضائه، وكذلك إعادة تشكيل لجان المجلس،
  3. تعديل النظام الداخلي للمجلس بما يعزز مبدأي الشمولية والتوافق وذلك بالنص على أغلبية موصوفة في القرارات المهمة لا تقل عن ثلثي أعضاء المجلس المنتخبين،
  4. تعليق التشريعات والقرارات والتعيينات التي أصدرها المجلس في المرحة السابقة وعرضها على المجلس المكتمل من جديد لإقرارها أو إلغائها أو تعديلها،
  5. قصر عمل المجلس في المرحلة الإنتقالية على النشاطات التشريعية وفي حدود الضرورة وعدم تدخله في الأمور التنفيذية للدولة إلا باعتباره جهة رقابية.

ويمكن أن تتولى بعثة الأمم المتحدة وبمشاركة فريق الحوار السياسي الإشراف على الترتيبات اللازمة لإنعقاد مجلس النواب مكتملا بالشروط المبينة أعلاه والتأكد من استكمالها والإلتزام بها. وينبغي أن تبين الوثيقة النهائية للإتفاق السياسي دون أي لبس بأن “مجلس النواب” المقصود في الإتفاق السياسي هو المجلس بهذه المواصافات.

قد يعترض البعض بأن في هذه الشروط تقييدا مخلا للمجلس يتنافى مع كونه أحد سلطات الدولة الدستورية الرئيسية وهو السلطة الوحيدة المنتخبة بخلاف السلطتين التنفيذية والقضائية. وهذا اعتراض وجيه ولكن في ظل الظروف الإستثنائية في هذه المرحلة الإنتقالية، والتي اتسمت بحدة الإستقطاب السياسي وشراسة واتساع الصراع المسلح وانعدام الثقة وانهيار مؤسسات الدولة التنفيذية، فإن المرحلة ليست في حاجة إلى نشاط تشريعي موسع بل لا تحتمله. ولذا ينبغي أن ينحصر النشاط التشريعي في هذه المرحلة في الحد الأدنى كاعتماد حكومة الوفاق الوطني والميزانية وما تقترحه الحكومة من قوانيين ضرورية لتسيير هذه المرحلة، وإصدار قانون الإستفتاء على الدستور واعتماد الدستور، وإصدار قانون الإنتخابات الدستورية. إن حاجة المرحلة الملحة الآن هي إلى حكومة وفاق وطني فاعلة وقوية تقوم على الكفاءة وتمتلك القدرة على الاستجابة للتحديات والمشاكل المعقدة التي تواجه ليبيا في هذه المحطة الحرجة. وما الحرص على إنقاذ واستمرار مجلس النواب إلا من باب تفادي أن يكون هناك انقطاع في المؤسسات الديمقراطية وفراغ مؤسسي وغياب الرقابة على الحكومة.

ثانيا: إعتماد وإقالة الحكومة

ورد في المادة الثالثة من مسَودة الإتفاق أن مجلس النواب هو المعني باعتماد “قائمة أعضاء حكومة الوفاق الوطني وبرنامج عملها” وأنه “يمارس أعمال الرقابة على الحكومة” وأنه “لايمكن له إقالة حكومة الوفاق الوطني دون موافقة ثلثي أعضائه”، الأمر الذي يعني ضمنا أن مجلس النواب هو أيضا من له صلاحية إقالة الحكومة. كما نصت المادتان الخامسة والسادسة على أن مجلس النواب هو من يمنح الثقة لأي اختيارات لاحقة لنواب رئيس الحكومة أو لأي من وزرائه في حالة خلو منصب أي منهم لأي سبب كان.

إن أغلب صلاحيات المجلس في هذا الشأن لا ينبغي في رأيي أن تمثل مصدر تخوف أو قلق لأطراف الحوار المقابلة للمجلس وذلك باعتبار أن اعتماد الحكومة لا يكون إلا بعد توافق شركاء الحوار على تشكيلة الحكومة، وأن اعتماد أي نائب بديل من نواب رئيس الوزراء أو أي من الوزراء في حالات خلو أي من هذه المناصب كما نصت عليه الوثيقة هو اعتماد لاختيارات يقترحها رئيس الوزراء أو رئيس الوزراء ونائبيه، وليس هناك في الوثيقة ما يعطي للمجلس صلاحية الإقالة الفردية لأعضاء مجلس الوزراء.

أما فيما يخص إقالة الحكومة بكاملها، والتي أعطتها المادة الثالثة لمجلس النواب، فقد اشتُرط فيها موافقة ثلثي أعضاء المجلس. وهذا شرط يصعب تحققه في حال معالجة وضع المجلس بالصورة التي سبق تفصيلها. بل أكاد أجزم بأن حكومة توافقية أخذت كل هذه المدة من المفاوضات ومن الجهد الوطني والدولي، وتحضى بالإهتمام والدعم الدولي الواسع، ولها كل الإختصاصات المنصوص عليها في مسودة الإتفاق بما فيها اختصاصات رئاسة الدولة كما وردت في مقترحات لجنة فبراير، لن يستطيع مجلس النواب إقالتها بسهولة، حتى وإن رغب في ذلك، وخاصة إذا ما بقي على وضعه الحالي معزولا في طبرق والحكومة في طرابلس، واستمر موقف النواب المقاطعين على ماهو عليه. وبالتالي لا أرى أن تخوف الأطراف المعارضة لمجلس النواب من أن المجلس قد يقيل الحكومة لاحقا له مايبرره. ولكن لقطع الطريق على من يريد أن يُفشل الحوار ويعرقل التوصل إلى توافق كي لايستخدم هذه الفجوة، فإني أرى أن يشترط، في حال تصويت مجلس النواب على إقالة الحكومة بأغلبية ثلثي أعضائه المنتخبين حتي تصير الإقالة نافذة، موافقة مجلس الدولة على الإقالة بأغلبية موصوفة، ولتكن هي أيضا ثلثي أعضائه. وأضيف بأن هذا لا ينبغي أن يكون محل اعتراض من مجلس النواب أيضا ولايمثل تنازلا كبيرا، لأن أمر إقالة الحكومة هو مسألة نظرية يصعب على المجلس تحقيقها في الواقع على كل حال. أما في الحالات الإستثنائية التي تستدعي بحق إقالة الحكومة فمن المفترض أن يتوفر الدعم للإقالة من كل الأطراف المعنية.

ثالثا، الجيش والمجموعات المسلحة

إن ما تميزت به عقود حكم القذافي هو ضعف مؤسسات الدولة وترهلها نتيجة نهج الإستبداد والعبث الذي كان السمة الأبرز لتك الحقبة. ولم تنج من هذا المؤسسة العسكرية ولا غيرها من المؤسسات مثل الأمنية والقضائية وقطاعات حيوية مثل الإقتصاد والتعليم والإسكان، والتي عانى جميعها من اطروحات القذافي العبثية. ولقد عجزت الحكومات المتعاقبة منذ الإطاحة بنظام القذافي عن إعادة بناء هذه المؤسسات وإصلاح تلك القطاعات بما يمكنها من المساهمة في اخراج ليبيا من حالة الفساد والفوضى ودوامة العنف وغياب الإستقرار.

لقد شهدت المؤسسة العسكرية في عهد القذافي تضخما لا يتناسب مع احتياجات ليبيا ولا مع عدد سكانها ولا قدرتها الإقتصادية، وكان ذلك على حساب قطاعات أكثر أهمية كالتعليم مثلأ، حتى أن طرابلس الكبرى تضم اليوم عشرات المعسكرات وليس بها إلا جامعة واحدة! وبالرغم من هوس القذافي بعسكرة ليبيا والمجتمع الليبي منذ بداية حكمه إلا أنه كان يخشى الجيش، وهو الذي أتى بانقلاب عسكري، فقام بإفساد الجيش وتفتيته وأخيرا إهماله، واتخذ لحمايته ونظامه كتائب خاصة تحت قيادة أبنائه ومواليه المقربين، ووفر لتلك الكتائب، دون غيرها من مكونات المؤسسة العسكرية، مستويات تدريب وتسليح وامتيازات أفضل نسبيا.

وعندما انطلقت الثورة استماتت كتائب القذافي في مواجها الثورة وفي قتال الثوار والدفاع عن القذافي ونظامه، بينما تفاوتت مواقف تشكيلات الجيش الأخري بين داعم للثورة ولازم لبيته ومقاوم لها. ولاتخلو بقايا المؤسسة العسكرية اليوم من هذه الفئات الثلاث. وكنتيجة لأي ثورة شعبية مسلحة في وجه نظام دموي شرس لم يكن ليتردد في القضاء على الثورة بكل ما أوتي من قوة، وجدت ليبيا نفسها أمام مجموعات كبيرة من الثوار والتشكيلات المسلحة تملك كميات هائلة من كافة انواع الاسلحة، ويرى كثير من المنتسبين لها أنهم من قام بالثورة وأنهم معنيون بحمايتها ضد أعدائها وخاصة المحسوبين منهم على النظام السابق. وخوف الثوار على الثورة وعلى أنفسهم من عودة العناصر والفئات المعادية للثورة تحت غطاء شرعية الدولة، جيشا كانت أو شرطة، له ما يبرره. وبالتالي لايمكن أن نتكلم عن الجيش والشرطة بالإطلاق على أنها مؤسسات وطنية مهنية محايدة، فهذا مخالف للواقع ولا يمكن أن تؤتمن هذه المؤسسات على الثورة ولا على مشروع الدولة المدنية قبل إعادة بناء تلك المؤسسات أو إصلاحها، ولنا في “عملية الكرامة” وقائدها السيد حفتر ومن انضم إليه ممن هو داخل تحت مسمى “الجيش الوطني” خير مثال على وجاهة هذه المخاوف وعلى خطورة تبني الجيش على علاته وتمكينه من السيطرة، في الوقت الذي يراد فيه تفكيك مجوعات الثوار والتشكيلات المسلحة دون تمييز بينها وتجريدها كلها من أسلحتها. وبالتالي لا يُنتظر أن تقبل مجموعات الثوار بهذه المخاطرة الكبيرة.

وتأسيسا على ما سبق فإن إشكالية الجيش والثوار والمجموعات المسلحة حساسة وينبغي أن تدرس بعناية وأن تعامل معاملة متوازنة وحذرة، فكلها تضم عناصر وطنية يمكن أن تكون نواة يبنى عليها جيش جديد وأجهزة امنية حديثة على أسس ونظم متطورة وعقيدة وطنية صحيحة، وكلها أيضا تضم أناسا ينبغي استبعادهم من المجال العسكري والأمني وإعادة تأهيلهم واستيعابهم في مؤسسات ونشاطات مدنية، حكومية كانت أو خاصة، وإحالة من هم في سن التقاعد أو القريبين منها إلى المعاش. إن هذا الإجراء ضرورة ليس فقط للأسباب التي سبق ذكرها، ولكن أيضا لتخفيف العبء الذي يشكله تضخم هذه الأجسام والمؤسسات المفرط على ميزانية الدولة وعلى حساب تنمية القطاعات المنتجة وما يمثله ذلك من استنزاف وتعطيل للثروة البشرية في مجتمع محدود العدد وفي حاجة إلى طاقات كل أبنائه في معركة البناء بدلا من تعطيلها في المعسكرات وحرمانها من المشاركة في التنمية وفي الحياة المدنية. وبالتالي ينبغي أن يُترك بناء الجيش والأجهزة الأمنية من أساسه لحكومة الوفاق الوطني وفق جملة من المبادئ تتواضع عليها أطراف الحوار. ولا مناص في هذا الصدد من الإستفادة من العناصر العسكرية الوطنية المحترفة والنظيفة والملتزمة بالخيار الديمقراطي والدولة المدنية. وكباقي مؤسسات الدولة، فإن بناء الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى في المرحلة القادمة يتطلب دعما كبيرا من المجتمع الدولي وعلى الأخص الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة صاحبة الخبرة في هذا المجال.

إن الأزمة الليبية سياسية بامتياز، ولابد لأطراف النزاع من الإبتعاد عن التوظيف السياسي لما تتوهم أنه في يدها من أوراق فإن ذلك لا يزيد الأزمة إلا تعقيدا، وحتما لن يساعد في حلها. ولابد أن يتنازل الجميع من أجل الخروج بالبلد من هذه الأزمة التي تهدد وجوده وتنذر بدخوله في حرب اهلية مدمرة قد تطول. لابد من التعامل مع الأزمة بواقعية وتغليب الخيارات العملية بعيدا عن الرومانسية والمراهقة السياسية، وعن التصعيد بكل أشكاله، وبعيدا عن الجدل القانوني والتعلق بدعاوى الشرعية وأوهام الحسم العسكري القريب، وبمنأى عن الديموغاجية السمجة. وعلى الجميع إدراك أن التوافق يحتاج إلى تنازلات حقيقية ومن كل الأطراف، وأنه في حالات النزاع لاتوجد حلول مثالية تلبي جميع رغبات كل طرف من الأطراف المتنازعة، وإنما هو التقريب والتسديد من أجل مصلحة أكبر، لأن في استمرار الصراع خسارة للوطن وفي ذلك خسارة للجميع.

 



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا