ملف حقوق الإنسان - عين ليبيا

من إعداد: د. أحمد معيوف

لقد شاركت في الفاعلية التي أقيمت بمناسبة الذكرى 71 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالعاصمة البريطانية لندن وكلفت بإلقاء كلمة الوفد الليبي.

لقد استمعت إلى كلمات أغلب الوفود المشاركة في الفاعلية والتي لا تختلف كثيرا على ملف حقوق الإنسان في بلادنا ولهذا لا أضيف كثيرا عما يعرفه الحضور الكريم وما عاينوه في بلدانهم حول انتهاكات حقوق الإنسان فيها، فكل هذه البلدان تستقي في ملف حقوق الإنسان من نفس النبع الأسن، ربما ببعض الاستثناءات البسيطة التي قد تميز بلد عن أخر لاعتبارات طبيعة الحاكم.

هذه الأيام تعرض قناة ليبيا الأحرار لقاء مفصل مع عميد السجناء الليبيين ورئيس رابطة سجناء الرأي السيد علي العكرمي الذي قضى في سجون القذافي 30 عاما بين 1973 و2003.

ويمكن الاطلاع على تجربة السجن المريرة في كتاب روائي بعنوان “طريق جهنم” سجل ما حملته ذاكرة السيد علي وروعة سرد مؤلفه الدكتور أيمن العتوم الذي هو بدوره مر بتجربة السجن.

وقد ضمت سجون القذافي في العقدين الأولين من حكمه خيرة رجال ليبيا، ومن لم تطله يد السجان في الداخل طالته رصاصات اللجان الثورية في المنافي متل محمد مصطفى رمضان المذيع بإذاعة الـ”بي بي سي” الذي اغتيل في لندن.

باختصار، حتى نعرف حجم انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، يكفي أن نشير إلى جل أحكام المحاكم التي قاضت هؤلاء الناس تم تغيرها إلى إما سجن مؤبد أو إعدام من قِبل السلطة الحاكمة، وحين أحس النظام أن المحاكم المدنية لا تنسجم في أحكامها مع ما يريده ألغى هذه المحاكم واستبدلها أولا بمحكمة الشعب التي لا تحترم أبسط قواعد التحكيم والقضاء، وحتى هذه المحاكم لم تنل رضاء النظام فاستبدلها بالمحاكم الثورية، والتي هي عبارة عن تجمع الغوغائيبن من أعضاء ما كان يسمى بحركة اللجان الثورية في مشاهد مأساوية وهم يطلقون أحكامهم بإعدام كل ما يرمي به حظه السيئ بين أيديهم.

ثم ينفذ حكم الإعدام في الـماكن العامة ويقوم بعضهم بالتدلي في جثتهم.

من جرائم التنكيل التي اشتهرت في عهد القذافي على يد زبانيته جريمة قتل عبد السلام خشيبة، والذي كان من الحرس الخاص للقذافي، إلا أنه علم بتحرش القذافي بزوجته فثار لشرفه وحاول قتل القذافي، فما كان من النظام إلا أن قبض عليه واتهم في محاكمة صورية بالخيانة العظمي والعمالة للأمريكان، وقد تكأكأ عليه رعاع كتيبة إمحمد المقريف كما تجتمع الضباع على ضحيتها، في مشهد تراجيدي بين ركل وطعن بالسكاكين وسحل في الطريق وتعريته من ملابسه ثم تعليقه من رجليه في شجرة وتركه لساعات تنهشه أقدام وأيادي منتسبي تلك الكتيبة.

للأسف، ملف حقوق الإنسان بعد ثورة فبراير لم يتحسن كثيرا، لقد كنت من الحالمين بأن الثورة ستنعكس نتائجها إيجابا في ملفين مهمين، وهما ملف عدم الإقصاء والتهميش والاعتراف بالآخر، والملف الثاني هو ملف حقوق الإنسان، لكن ومن تجربتي الشخصية، أذكر عندما ذهبت في زيارة إلى ليبيا بعد الثورة، وكان في استقبالي أحد الشباب الذين حملوا السلاح وانخرطوا في تشكيلات الثوار، وكان أول سؤالي له هو كيف يتم تعاملهم مع الأسرى، ورغم أن جوابه لم يعجبني إلا أني ما كنت أتوقع أن يختلف الأمر عما قال.

لقد تعامل بعض الثوار بشراسة مع خصومهم أثناء الثورة، والسبب لا يعود بالضرورة إلى سوء الأشخاص، بقدر ما يعود إلى روح الانتقام التي زرع شوكتها نظام العقود الأربعة السابقة للثورة.

فزرع مفهوم التحاكم واحترام حقوق المساجين والأسرى تحتاج إلى منهج تتبناه الدولة، والوقت للأسف لم يحن بعد في خضم هذا الصراع.

وربما أكون خارج السرب في تغريداتي واختلف عن إصرارنا بنعت ازدواجية المعاير في الدول الغربية في ملف حقوق الإنسان، فالدول الغربية على المستوى المحلي استطاعت أن تحقق لمواطنيها أعلى مستوى من احترام لحقوقهم وأدميتهم، وعلينا أن نفرق بين الموقف الإنساني والموقف السياسي، فلا نتوقع أن تقف دولة ضد أخرى في ملف تتنازع فيه المصلحة مع القيم، بل علينا أن ننعي حالنا، فانقسام الفلسطينيين مثلا بين حماس وفتح جعل كل منهما ينكل بالمنتسبين لخصمه السياسي، والصراع الأثني والطائفي في العراق لا تخفى ظل هذا الصراع واثره السلبي على ملف حقوق الإنسان.

ولعل تدخل الدول العربية في بعضها البعض عقد هذا الملف بصورة مريبة لا علاج لها تحت هذه الأنظمة، فمن المفارقات أن نرى مثل مصر والسعودية والإمارات تساند الشرعية في اليمن وتحارب الحوثيين بينما تقف في ليبيا ضد الشرعية التي تعترف بها في العلن وتعمل على تحطيمها في الخفاء بدعمها اللامحدود للحرب على طرابلس.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا