من القوة القاهرة إلى النفط مقابل الغذاء - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

النفط مقابل الغذاء ذالك القانون الذي سنه بريمر وبموافقة العملاء العائدين من أمريكا ليتم من خلاله بيع مقدرات الشعب العراقي للشركات الأمريكية بداية من حفظ الأمن إلى إنتاج وتسويق النفط لسنوات عديدة، والمبرر قوى قاهرة ناتجة عن إنهيار الدولة بسبب الحرب على الإرهاب.

تقام القوة القاهرة وتتوقف مؤسسة معينة عن العمل في الدول المتقدمة بسبب ظروف خارجة عن سيطرة الدولة مثل البراكين والزلازل والتسرب النووي أو الحروب مع دول معادية، وليس بسبب حفنة من المسلاحين تم طردهم في سويعات، ثم أن للدولة الليبية أكثر من مئة ألف عسكري مسجل يتقاضون أكثر من مليار دينار سنويا، وتوجد لديهم عشرين مليون قطعة سلاح، لا تملكها الكثير من الدول المجاورة، هذه ليست دعوة للحرب ولكن دعوة لقيام وإحترام هيبة الدولة، والدول لا تقام بالتمني والدعاء والترجي وطلب التوافق الرخيص، ولكن بقرارات واضحة وحاسمة وجلية تردع الخارجين عن القانون وتسد درائع القوى الإقليمية وتفرض هيبة الدولة، ليعم الأمن والإستقرار السياسي والإقتصادي وينعكس ذلك على المستوى الفردي، ومن ليس له الكريزما للقيام بهذه المهام فليحترم نفسه ويتنحى جانبا لترفع له القبعات جميعها.

فرض القوة القاهرة على المواني والمزمع تنفيذه بعد أيام قليلة لم يكن الأول، بل هو الخامس، إثنان في الهلال النفطي (أكبرها بسبب أل جضران) وواحد على حقل الوفاء وإثنان على حقل الشرارة، ولا يزار منذ خمسة أشهر حقل الفيل مغلقا بسبب شردمة من الوافدين الأفارقة يطالبون بتجنيس بني جلدتهم ودفع رواتب وهمية (على خطى جضران). من الناحية الإقتصادية فرض القوة القاهرة كاثة، ومن الناحية الفنية طامة كبرى لا يسع المجال لتعداد مثالبها.

للأسف هناك من لا يفهم في مجال النفط من الإعلاميين والسياسين الذي يروجون لمقولة بائسة ” دع النفط تحث الأرض ” ماذا جنى الشعب الليبي من هذه المقولة (وهو الذي لا مورد له غيره، ولم تستثمر عواد النفط لأربعة عقود من أجل مصادر بديلة) لم يجني سوى سؤ الحال: من نقص السيولة وغلاء الأسعار وتفاقم الأزمات بل وتوقف الحياة.

القوة القاهرة من الناحية الإقتصادية إلغاء لميزانية الدولة (لا كهرباء ولا ماء (ببلاش) لا دعم لمواد غذائية، لا بنزين (أرخص من الماء) لا مرتبات لمليون ونصف موظف (لا تحتاج الدولة إلا إلى الثلث منهم)، بمفهوم الدول الحديثة، ليبيا عبارة عن هيئة ضمان إجتماعي كبيرة تضم معظم أفراد الشعب، بالمقابل هناك عمل وكد ونظام للمؤسسات الخاصة ولكنها لا تمثل إلا جزء صغير من الدولة.

من الناحية الفنية القوة القاهرة تعني تعطل الحقول وتراكم كميات كبيرة من المياه والزيوت والاوحال في شبكات الأنابيب والخزانات لا تجد سبيل للتخلص منها وتؤدي إلى تأكل وتلف مئات الكيلومترات من هذه الشبكات، تعني تشمع الزيوت في الانابيب وصعوبة ضخها أو إزالتها وقد تنفجر عن التشغيل، تعني حرق ألاف ألآطنان من المكثفات التي لا يمكن تخزينها بسبب إستخدام الغاز وعدم إمكانية تخزين أو تصدير النفط، تعني حرق ملايين من الأمثار المكعبة من الغاز بسبب عدم القدرة على التحكم فيها، تعني موت الكثير من أبار الغاز بعد كثمها وإيقاف الإنتاج منها وما يترتب على ذلك من مئات الملايين لإعادة إصلاحها.

صورة قاتمة يعلمها كل الذين يعملون في حقول النفط والغاز وليس لهم حيلة لدفع الضرر، هذه الصورة تعلمها كذلك الدول الكبرى التي لها مصالح ولها شركات مساهمة أو مشغلة في الحقول الليبية مثل إيني الإيطالية وونترشيل الألمانية وفيبا النمساوية وريبسول الإسبانية وتوتال الفرنسية، هذه الشركات جميعها لها موردين ولها مقاولين معظمهم من تلك الدول، ليس من ثقافتهم الخسارة، وكثيرا ما تكون الصدمة كما في ليبيا موسم لجني المكاسب وليس للخسارة.

العبث العسكري للتحكم في المواني الليبية وفي إدارة الدولة الليبية وفي رفض القرارات الدولية والتلاعب في إصدار العملة وتفشي الفساد ينذر بأن تتخذ الدول الكبرى قرارها برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء، وبذلك يجرنا العسكر ومجلس النواب خطوات إلى الوراء، فبدلا أن ننتطلق من حيث إنتهى العراق: إنحسار الفساد وإنتخابات عابرة للجهوية والقبلية وتبادل سلمي للسلطة، نغوص في مستنقع الحجر على إرادة الليبيين وبيع مقدراته لصندوق النقد الدولي والشركات المتعددة الجنسيات، فيالها من سياسة بائسة في الزمن الردئ.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا