من المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني: التحدي الليبي - عين ليبيا
من إعداد: أ. محمد البكوش
منذ قرون طويلة تشكلت البنية الاجتماعية في ليبيا على أساس القبيلة والعشيرة. لم يكن ذلك خياراً واعياً بقدر ما كان استجابة طبيعية لحالة غياب الدولة وضعف مؤسسات الحماية والعدالة. فالفرد لم يجد أمامه سوى جماعته يحتمي بها من القتل أو السرقة أو الثأر، فأصبحت القبيلة بمثابة “دولة مصغّرة” لها أعرافها وقوانينها وسلطتها التنفيذية.
لكن هذه البنية – رغم ما وفرته من حماية – حملت معها إرثاً ثقيلاً:
وبمرور الزمن أصبح المجتمع الليبي يعيش في إطار ” نسق أهلي ” معقد، فيه جوانب إيجابية من تضامن وتكافل، ولكن أيضاً فيه سلبيات كثيرة من انقسام وتناحر وتعطيل لبناء الدولة.
الفارق بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني
الأمم التي سبقتنا في مسار الحضارة لم تُلغِ انتماءاتها التقليدية بالقوة، لكنها أنشأت مؤسسات أقوى جذبت الناس إليها وجعلتهم يستغنون تدريجياً عن الولاء للقبيلة.
المعضلة الليبية
المعضلة الكبرى تكمن في كيفية إخراج الليبيين من أسر المجتمع الأهلي إلى رحابة المجتمع المدني.
فالقبيلة اليوم ما زالت فاعلاً سياسياً وأمنياً، تفرض شروطها في الانتخابات، وتحتكم للسلاح في النزاعات، وتدخل كوسيط في القضاء، وهو ما يعطّل نشوء دولة حديثة قائمة على المواطنة.
الطريق إلى الحل
1- الاعتراف بالواقع لا إنكاره
القبيلة لن تزول بقرار سياسي أو خطاب إعلامي. إنها متجذرة في الثقافة والنسيج الاجتماعي. الحل هو تحويل دورها: من سلطة سياسية إلى مكوّن اجتماعي ـ ثقافي محدود الوظيفة.
2- بناء بدائل مؤسساتية
3- مرحلة وسيطة: “مجالس الحوكمة والتحكيم”
هذه الصيغة يمكن أن تكون جسر العبور من المجتمع الأهلي إلى المدني. فهي مجالس ذات طابع حديث، تنظمها قوانين الدولة، وتختص بالمصالحة والوساطة والحوكمة المحلية. وهكذا نعيد تأطير القبائل ضمن هياكل قانونية، تمهيداً لاندماجها النهائي في الدولة.
4- إصلاح التعليم والإعلام
5- التنمية العادلة
الفقر والتهميش يعيدان إنتاج العصبيات. لذلك لا معنى لأي إصلاح اجتماعي من دون توزيع عادل للثروة وتنمية متوازنة بين المدن لنخرج الليبيين من تصنيفاتهم السابقة لبعضهم “بادية وحضر”.
6- خطاب وطني جامع
لا بد من إنتاج خطاب سياسي وثقافي يوازن بين احترام التراث الأهلي وعدم تأليهه. خطاب يقول: القبيلة تاريخ، والوطن مستقبل.
خلاصة القول:
الانتقال من المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني ليس قراراً سياسياً آنياً، بل هو مسار طويل يحتاج إلى بدائل قوية تجذب الناس، لا إلى شعارات تدعوهم لترك قبائلهم.
بكلمة أخرى: حين يجد المواطن العدالة في القضاء، والحماية في الدولة، والكرامة في المواطنة، فلن يعود بحاجة إلى حماية القبيلة.
ليبيا قادرة على خوض هذا التحول إذا ما توافرت رؤية وطنية صادقة، وإرادة سياسية جادة، ودعم شعبي يؤمن بأن الدولة الحديثة هي وحدها القادرة على أن تحفظ دماء الليبيين وتضمن مستقبل أبنائهم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا