من تفكك الدولة إلى مشروع النهضة: قراءة في جوهر الأزمة الليبية - عين ليبيا
من إعداد: م. محمد فيتور بوقرين
الأزمة الليبية ليست نزاعاً عابراً في مشهد السياسة، ولا خلافاً وقتياً بين أطراف متنازعة، بل هي جرح عميق في جسد الدولة والمجتمع معاً. فقد أُضعفت مؤسسات الحكم عبر عقود، وهُشّمت قواعد الدولة الحديثة حتى غاب عنها العمق المؤسسي الراسخ، فوجدت البلاد نفسها بعد التحولات الكبرى في فراغٍ سياسي وأمني لم يترك ركائز قادرة على حملها.
لقد تاهت البوصلة الوطنية حين غابت الرؤية المشتركة لشكل الدولة ومعنى الانتماء إليها، فبرزت الهويات الجزئية من قبيلة وجهة ومذهب على حساب الهوية الجامعة، فانقسم الولاء وتشتت الانتماء، وتحوّلت الثروة إلى ساحة تنازع بدلاً من أن تكون أداة بناء.
وزاد من تعقيد المشهد أن الأرض الليبية فُتحت لتدخلات خارجية غذّت الانقسام، وأُضعفت النخب حتى عجزت عن صياغة مشروع وطني يلتف حوله الجميع. وهكذا أُنتجت أزمة مركّبة، تتجاوز مظاهرها السياسية والعسكرية والاقتصادية، لتكشف عن غياب العقد الاجتماعي الذي يوحّد الإرادة ويُقيم الدولة على أساس متين.
فما يُرى اليوم ليس سوى أعراض لأصلٍ أعمق: دولة لم تُستكمل ملامحها، وهوية لم تُصغ بعد في عقد جامع، وأرض غنية أُنهكتها الصراعات بدل أن تنهض بها التنمية. ذلك هو جوهر الأزمة، وذلك هو أُساسّها الذي لا سبيل إلى تجاوزه إلا بإعادة بناء مشروع وطني شامل يُستعاد به المعنى وتُؤسس به الدولة من جديد.
وهنا يبرز المشروع الحضاري النهضوي بوصفه الإطار الجامع للخروج من المأزق التاريخي. فهو مشروع شامل يقوم على ست ركائز مترابطة:
بهذه الركائز، يعالج المشروع الحضاري النهضوي الأزمة من جذورها لا من مظاهرها، فيؤسس لعقد اجتماعي جديد، ويُحوّل مسار البلاد من صراع على السلطة والثروة إلى مسيرة بناء ونهضة.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا