من وزارة التعليم: نعم نستطيع - عين ليبيا

من إعداد: المهدي هندي

هل نحن مجتمع  يكره التغيير؟؟ وهل نحن مجتمع يكره مكافحة الفساد؟؟ وهل نحن مجتمع يكره مكافحة الغش حتى في التعليم! التعليم الذي يؤهل أولادنا ويبني مستقبل أجيالنا؟ نعم هذا ما أثبتته تجربة امتحانات الشهادة الثانوية العامة هذه الأيام.

عندما ننظر نظرة تجردية إلى عمق المجتمع  الليبي، فإننا سنجد أن المجتمع الليبي مجتمعاً يكره التغيير بطبيعة الأمور في أي شيء وفي كل شيء، في عاداتنا في مناسباتنا في أسلوب حياتنا حتى في مأكلنا وملبسنا.

طيب ماذا عن محاربة الفساد؟؟ نعم نحن الليبيون بطبيعتنا نكره محاربة الفساد بشتى أنواعه، فإذا ما نظرنا في أي اتجاه من أوجه حياتنا فإننا سنجد فيها الفساد، و على كل المستويات سواء السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأخلاقي.

وفي ظل كل هذه الأجواء المحبطة والظروف الصعبة التي تعيشها دولة لا زالت تعاني مخاض ثورة وئدت قبل أن تولد، وفي ظل هذا الطوفان الهادر والسيل العرم من الفساد والرشوة والمحسوبية والمحابة والذي يضرب في كل أرجاء بيئتنا ومحيطنا، نجد واحدة من أهم مؤسسات الدولة ممثلة في وزارة التعليم تقف وترفع صوتها وتعاند الواقع كأنها صخرة صماء في وجه هذا التيار الكاسح.

ثم أليس التعليم والصحة هما عماد النهوض بأي دولة بين الدول؟؟ وهما المقاييس التي يبنى عليها أساس تقدم أي أمة بين الأمم؟؟ فكيف سنستطيع الخطو نحو الأمام من غير تعليم جاد ونزيه؟؟ وكيف سنؤسس لدولة مؤسسات فاعلة من غير ناس أكفاء ومؤهلين؟؟

طيب.. و ماهو الجديد وما الذي حدث في امتحانات هذه السنة؟!!

إجراءات جديدة بكافة المقاييس من حيث الخدمات والمكان والزمان وأيضاً من حيث حجم الأعتراضات والأحتجاجات، بخطة غير مألوفة وبميزانية غير مسبوقة، نفذت وزارة التعليم التابعة لحكومة الوفاق الوطني امتحانات شهادة الثانوية العامة في داخل وخارج البلاد، أقيمت الامتحانات في قاعات الجامعات والمعاهد العليا وبمراقبة أعضاء هيئة التدريس في المعاهد والجامعات، وصحب ذلك خدمات لوجستية من توفير لشفرات الهاتف ووجبات الأفطار للطلبة، وأيضا يتم نقل الطلبة الى أماكن الأمتحانات بوسائل نقل عامة من باصات وحافلات وبرعاية قوات أمن وحراسة مكلفة، أيضاً أشراف وتتبع من الوزارة  لسير الاختبارات من خلال الكاميرات وفرق مراقبة في السفارات والملحقيات الثقافية في الخارج.

إجراءات صحبها صخب كبير ومعارضة واسعة من الطلبة وأولياء الأمور في جل المدن الليبية ولعل أهمها وأشدها كان في العاصمة طرابلس نظراً لحجم الممتحنينن، معارضة وصلت إلى احتجاجات ومظاهرات من الطلبة وأعمال شغب وصلت إلى أشعال الحرائق في جامعة طرابلس مما اضطر قوات الأمن إلى التدخل واحتجاز أعداد من الطلبة لأقل من يوم، معارضة الطلبة تدور بين زعمهم عدم استكمال المقررات الدراسية وبين صعوبة الأسئلة كما حدث في مادة اللغة الانجليزية على سبيل المثال، واتهامات غير مباشرة لأعضاء هيئة التدريس في الثانويات العامة بالتقعص والتقصير في واجباتهم، هؤلاء الآخيرين لم يتأخروا في رمي الكرة في ملعب الطلبة بقولهم أن الطلبة هم الذين كانوا غير ملتزمين بحضور الحصص والدروس، ووزارة التعليم بحسب مسئوليها ردت بأنها ليس لديها أي إخطار أو مراسلات من مراقبات التعليم الموزعة في ليبيا بعدم استكمال المناهج والمقررات، اتهامات وسجالات لا تنتهي بين كل المسئولين في هذا القطاع وبطبيعة الحال فإن الكل يحاول التهرب من المسئولية والإلقاء بالائمة على الآخر.

هل هي خطوة في الاتجاه الصحيح؟ ومن هنا سنبدأ؟

نعم إنها في نظري الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح ولو أنها جاءت متأخرة بعض الشيء فقد كانت النسب الكبيرة ومعدلات النجاح لطلبة الشهادة الثانوية في السنوات الأخيرة منافية للمنطق وغيرمرتبطة بالواقع تماماً، وعمليات الغش واستعمال التكنولوجيا والانترنت في امتحانات الشهادة أمر ظاهر وبارز للعيان.

نعم من هنا سنبدأ جميعاً كليبيين وكحكومات، في طريق محاربة الفساد والغش والمحسوبية وتصحيح المسار ووضع الأمور في نصابها وأعطاء كل ذي حق حقه.. لامنقوص ولا مزيود،  فليس من العدل أن يوضع الطالب المتفوق والطالب الكسول في نفس الكفة وليس من العدل أيضاً أن ينجح طالبا الذي لا يستحق النجاح.

نعم من التعليم وبالتركيز على جودة التعليم  بالدرجة الأولى ومن ثم الصحة هو السبيل لنهضة بلادنا وارتقاءها بين الأمم، فالتعليم الجيد وهو الذي انتشل دول من أمثال ماليزيا وسنغافورة من براثن الفقر والجهل والمرض والحروب والدمار وجعلها بين مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً ومعيشياً ويحظى المواطن فيها بمعدلات دخل عالية.

وكيف تعاملت حكومة الوفاق الوطنية مع فساد في مثل هكذا مجال؟

حاولت حكومة الوفاق الوطنية محاربة الفساد و(رأب الصدع) كما يحلو لرئيسها السيد فائز السراج دائماً تكرار هذ العبارة في مجالات شتى، “الصدع” الذي وللأسف كان يمر من تحت قدميها وهي تدري ولا تدري، فالفساد (المالي والإدراي) كان ينخر أطناب المجلس الرئاسي نفسه بحسب تقريرات ديوان المحاسبة.. محاولات في نظري افتقرت إلى الجدية والفاعلية، فالصدع كبيرٌ هذه المرة!! وفي مكان جوهري ألا وهو مستقبل أولادنا وأجيالنا، ثم أما كان بالإمكان توفير الخدمات الأساسية للمواطن والتي من أهمها (الكهرباء)!! “فمتلازمة الكهرباء” معضلة لم تستطع حكومة الوفاق حلها لمدة ثلات سنوات ولا زالت ساعات الانقطاع تصل لحدود اليوم والليلة!!

فكيف بالله عليكم سيستطيع الطلبة الدراسة في عدم وجود الكهرباء ليوم كامل أحياناً؟؟ هل هذه أجواء مناسبة تليق بمستوى التجهيزات المعدة لهذه الأمتحانات؟ أو ليس توفير الكهرباء للطلبة يا “رئيس الحكومة” أهم من وجبات الإفطار؟!!

خلاصة التجربة

أثبتت التجربة الفريدة  التي قامت بها وزارة التعليم التابعة لحكومة الوفاق الوطني لامتحانات الشهادة الثانوية العامة في ليبيا وفي الداخل والخارج، والتجهيزات المميزة والإجراءات المصاحبة وتسخير الامكانيات واستخدام التكنولوجيا وتوفير الأمن، وبما لا يدع مجال للشك وأمام أعين كل الليبين وكل العالم، بأننا نحن الليبيون مستعدون وقادرون على التغلب على أنفسنا وصنع التغيير، نعم بإمكاننا محاربة أنفسنا وصنع التغيير.. بالرغم من كل المشاكل والصعاب والعراقيل، والاحتجاجات والاعتراضات التي تعتبر مطبات ضرورية في مراحل التحول، ولكننا بالإرادة والعزيمة وبتظافر الجهود سنهزم كل مظاهر الفساد والغش والمحسوبية ونصنع التغيير.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا