مهمة باشاغا..! - عين ليبيا

من إعداد: عبدالواحد حركات

التغيير الوزاري السلس الذي تم في حكومة الوفاق، نجاح لا يروق لمن استطابوا الفشل أو حملوه وكانوه، وباتوا يقاتلون من أجل صناعته وإدامته وتعميقه لأنه يبرر فشلهم أو ينمي ثرواتهم.

اعتقد أن الحسابات السياسية خاطئة ومضللة على المستوى الأمني، إذ أن الأزمة الأمنية ذات جوهر اجتماعي وتفاصيلها وروافدها وحاضنتها وشرايينها اجتماعية وليست سياسية، فهنالك حماية وترويج اجتماعيين وقبول جبري أو طوعي وسطوة ونفوذ وتمييز عبثي لأغلب المارقين على السلطة والمناكفين لها، ثلة الفصاميين الذين يتقمصون شخوص الحماة لنشر الإرهاب بجميع صنوفه وألوانه، أؤلئك الساعون إلى تغييب القانون وطمس المؤسسات الضبطية والقضائية واستبدالها بأعراف وتقاليد وطقوس وأحكام مزاجية، لا تحفظ أو تحافظ على أدنى مستويات العدالة الاجتماعية أو الإنسانية أو الشرعية، إذ يسعى أؤلئك إلى ربط المجتمع بشخوصهم ويعملون عمداً أو جهلاً على توطين الجور والظلم الاجتماعي بموافقة منتزعة من فئات مدنية مسالمة أو غافلة أو مقهورة، لم تعد تستطيع رفض وجود الإرهاب البصري والسمعي والفعلي، ولم تعد تميزه من الضرورات الأمنية.

الليبيون جميعاً يبحثون عن الأمان والنظام والعدل، لذا يتشبثون بكل قشة ويعتقدون النبل بكل مدع وكل شعبوي، وهذه هي المأساة بعينها، والجريمة المزدوجة التي يشترك فيها المواطنون القانعون بسلطة أفراد لا مرجعية لهم ولا ضوابط ، ورجال السلطات الضبطية الذين انسحبوا وآثروا الهروب من أداء واجبهم الوطني، وخزنوا بدلاتهم ورتبهم ونياشينهم تحت الأسرة مفسحين المجال لسواهم، وتحولوا إلى عبء كبير على الميزانية العامة، حيث يتقاضى أعضاء الرقابة والجهات الضبطية أعلى مرتبات في ليبيا، ولكنهم لا يؤدون أي عملهم كما ينبغي، وهذا ما يجب أن تتنبه له وزارة الداخلية، التي صارت بهذا المستوى من الأداء أشبه ما تكون بصندوق الضمان الاجتماعي، فهنالك عدد هائل من رجال الأمن والشرطة عاطلين عن العمل في حين يمارس آخرون وظائف الأمن، ويصرخ كل الليبيين احتياجاً للأمن وعطشاً للقانون واشتياقاً لعدالة القضاء وحماية الحقوق.

الموت القيمي لرجال الشرطة والأمن والهيئات القضائية جريمة تتحمل مسئوليتها وزارة الداخلية بالمقام الأول، وإعادة الحياة لهم مهمة أساسية لوزير الداخلية “فتحي باشاغا”، وتحدٍ كبير عليه أن يخوضه بجرأة وحسم وسرعة، وإنجاز واجب عليه تحقيقه قبل المغادرة، وأي عمل سواه لا يعدو كونه تكرار مقزز لفشل سابق، لا يجدر بأحد ارتكابه، والاجتماعات واللقاءات والنقاشات والقيادات الأمنية في غياب رجال الأمن مجرد ادعاءات وخيال وأوهام، فرجال الأمن هم الأداة والوسيلة التي تؤدى بها أعمال الأمن، وتتحقق بها أهداف الحكومة والوزارة وكل المؤسسات الأخرى، فهم عصب العمل القانوني المنظم ، ووجود بدائل لهم في الشوارع والبوابات والمصارف وغيرها دليل صريح على فشل الوزارة وغيابها الفعلي.

المهمة صعبة وليست مستحيلة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية مهيأة لاتخاذ خطوات جادة وسريعة لإنهاء حالة العبث الأمني والتهريب، وفرض سلطة القانون وإعادة رجال الأمن والشرطة لمكانهم ومهامهم، فالمواطنون ينتظرون من وزارة الداخلية أن تتحمل مسئوليتها وتتولى حمايتهم، وأتوقع من ” باشاغا” الكثير من الإجراءات والقرارات والأعمال الحازمة، وعليه أن يتحمل مسئوليته بجرأة ويصدر قرارات سريعة بإلغاء أي وجود أمني لا يتبع وزارة الداخلية، ولا ينتمي أفراده للوزارة ويلتزمون بتعليماتها وبالقانون، ويصدر أوامر صريحة بمداهمة أي بوابة أو نقطة بأي مكان لا تتبع وزارة الداخلية أو الجيش وبتنسيق مع الوزارة، فلا سلطات ضبطية على المواطنين المدنيين إلا لأعضاء الجهات الضبطية، كما يفترض أن يقوم بزيارة ومتابعة كل المناطق التي لازالت تشكل نقاط سوداء بالنسبة للحكومة، وأن يعيد كافة رجال الشرطة لأعمالهم، ويجددوا أداء القسم ويكلفوا بمهامهم وفق ما تنص عليهم القوانين، وليمتنع وكل التابعين للوزارة عن التفريط في حقوق المواطنين الضعفاء الأبرياء، الذين وجدت من أجلهم الوزارة.

كذلك على “باشا آغا” أن لا ينتظر الترحيب من أحد، بل عليه أن يؤدي واجبه الوطني، ويقنع الجميع بالأفعال وليس بالأقوال، ويتجشم الصعاب التي تقاعص سواه عن تجشمها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا