مواقف عقيلة صالح من الحرب - عين ليبيا

من إعداد: عبد الله الكبير

تقلب رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح في موقفه من الحرب على طرابلس بين أربع حالات. في الحالة الأولى أيدها بعد يومين من اندلاعها في تصريح مقتضب، واعتبرها ضرورية لتحرير العاصمة من المليشيات والارهابيين والخوارج، ما يعني أنه ليس صاحب القرار، وحمله لصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة ليس سوى باب على كلاب المجتمع الدولي، المتربص بالجيش العربي الليبي، ساعيا إلى تحطيمه، بعد تبوئه الترتيب التاسع على مستوى قارة أفريقيا، من دون احتساب وحدات المرتزقة الأفارقة، والقوات الخاصة الفرنسية، ومجموعات شركة فاغنر، ومقاتلات مقاطعة حلالنا حلالكم، وغيرهم.

وفي الحالة الثانية أمام ملتقى حوار جنيف، حين كان مطمئنا لفوز قائمته أو يكاد، متجاوزا مبدأ أقره المطرب هاني شاكر في أغنيته “غلطة ندمان عليها”، اكتفى بالاعتراف أنها كانت غلطة، من دون أن يردف باعتذار أو على تقدير يعلن ندمه عليها. مؤكدا في ذات الخطاب السويسري أن الليبيين نسيج واحد. فإن بغى جزء من غزل هذا النسيج على جزء آخر، لن يفسد للفرشة جداد. في المرة الثالثة، وفي تجمع قبلي احتشد على عجل بمربوعته، ليقف على أسباب التراجع المفاجئ لقوات حفتر، أو الانسحاب التكتيكي العظيم بالأبجدية المسمارية، أسهب شارحا كيف أمست قوات حفتر على شفير الهاوية، وكيف اكتشف بعد أربعة عشر شهرا، من تفجر نهر الدماء، أنهم غير مرحب في طرابلس. وهذا يعكس العجز الخطير في أجهزة المخابرات، التي فشلت في تحديد الموقف الشعبي الطرابلسي من الحرب بدقة. فالتقارير المخابراتية السرية التي سلمت للقائد الأعلى، ذكرت أن أهل طرابلس كانوا على جمر الصبر لاستقبال جيش الفتح المبين، وعلى قدم وساق يجري إعداد صفر البكلاوة، والعبمبر، والبسبوسة، والبريوش بالعسل الحوقاني، في البيوت بشكل سري خشية أن تكتشفها مليشيات غنيوة وكارة، وقد سربت أجزاء من التقارير لوسائل الإعلام آنذاك، إذ ظهر المذيع في قناة الحدث الأصغر، يصيح هائجا مثل شقي مسه الشيطان: التاسع على مشارف طرابلس. جهزن يا طرابلسيات العبمبر والرزاطة، فيما دعاهن المتحدث باسم قوات الغزو  إلى إطلاق الزغاريد لحظة وصول طلائع التاسع إلى الميدان.

ولع قوات التاسع بحلويات طرابلس مثير للدهشة، فقد انتشر فيديو لجندي متآكل الأسنان بسبب نقص عنصر الكالسيوم الحوقاني، رافعا راية التحدي وعدم التراجع، بعد أن هيجت رائحة البريوش جيوبه الأنفية، ما يدفع للتساؤل. هل كان ممكنا تجنبا الحرب لو انصت أهل الغرب لصوت الحكمة، وجنحوا للبكلاوة حقنا للدماء، وأرسلوا بضع شاحنات بالجرار محملة بالعبمبر والبريوش، مع خمس بوطيات حليب باللوز؟ لتدخل البهجة على قلوب ضباط وجنود التاسع، فيلزموا رجمتهم وطوافهم حول مشيرهم، ويتجنب نسيج عقيلة الواحد هذا الخراب، ونحفظ الدماء. فما أهون أن تدلق محيطات من  الرزاطة على إراقة قطرة دم واحدة.

في التحول الرابع  حدد عقيلة الحرب كأحد خيارين لدخول الحكومة إلى طرابلس، الخيار الآخر هو خضوع الحكومة للمليشيات، ما يعني أنها ستكون شريكة في السلطة التي لا تقبل الشراكة بالنسبة لعقيلة.

قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا قال زهير، شاعر الحكمة في عصر الجاهلية الأول وقد أكمل العقد الثامن في عمره المديد، وخبر فواجع الحرب وويلاتها، وما تخلفه من خراب، فحذر من بعثها، مشيدا بمن يعمل من أجل السلام وحقن الدماء.

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجم

بينما مايزال حكيم برقة في العصر الجاهلي الثاني، وهو على بعد خطوات قليلة من تمام عقده الثامن يرى أن الحرب ماتزال تصلح كخيار، الغلطة التي لم يندم عليها قابلة للتكرار إذا. آلاف القتلى في الحرب السابقة التي مايزال جرحاها ومبتوريها يعانون في مصحات العالم، وألغامها ماتزال تحصد الأبرياء، لم تكن كافية ليعرض عقيلة عن الحرب، ويوصد كل باب يؤدي إلى بعثها، ويرسي مع شركائه في الوطن دعائم السلام. ولله الأمر من قبل ومن بعد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا