نهاية كابوس ويقظة أمة - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

مع إنهيار قوات الكرامة على ابواب طرابلس خيمت نوبات الهلع على داعميها الأقليميين خوفا من تبخر الإستثمارات الكثيرة التي صُرفت من أجل إرساء المشروع الإستبدادي. إنطلقت الزيارات المكوكية لعواصم العالم من أجل إيقاف إطلاق النار بلا شروط، وهو ما تم رفضه من المجلس الرئاسي والقوى الحية بالغرب الليبي، فسياسية المهادنة والتنازل لهتلر أدت إلى 20 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية، ومهادنة حفتر أدت إلى تجميع كل قوى الشرالمحلية والإقليمية لهدم بنغازي ودرنة وتهجير أهلها وضم الجنوب وضم الهلال النفطي من أجل المتاجرة به، والمهادنة أخيرا أدت إلى وصول قواته إلى 10 كيلومترات من وسط العاصمة مع القتل والتنكيل والتشريد، فالمهادنة لم تعد تجدي مع حفتر وسيكون لها عواقب كارتية إن حدث ذلك.

بعد سنوات قليلة من إندلاع ثورات شمال أفريقيا والشرق الأوسط أيقنت الدول الداعمة للأستبداد إلى أهمية دعم الحكومة العميقة لخلق ثورة مضادة من أجل إفشال أي مسعى للتغيير، ولقد بُني ذلك على نظرية مفادها أن تنصيب العسكر وإبعاد النهج الديموقراطي ، أي توطين الإستبداد، يدعم الأمن والإستقرار في المنطقة، ويبقي حكم العائلة والعشيرة في دول الخليج في منأى عن أي تغيير محتمل، وهذا واضح لما حدث في مصر وسوريا وليبيا وهو ما يحدث في الجزائر والسودان حاليا.

تقاطعت نزوة خليفة حفتر لتولي حكم ليبيا مع أهداف تلك الدول فكانت القصة المعروفة لإنقلاب فبراير 2014 ثم إنشاء قوات الكرامة من مجموعات قبلية؛ أهمها كتائب العواقير والزوية والبراعصة، إضافة إلى كتيبة سبل السلام السلفية وأنظم إليهم لاحقا كتيبة من التبو وجيش القبائل من الغرب الليبي وبعض المجموعات من العدل والمساواة السودانية.

على مدى أربعة سنوات دارت رحى الحرب في بنغازي ودرنة، توفي فيها الألاف من الليبيين، وصرفت على المعارك أكثر من 20 مليار دينار كدعم للمعركة من أموال الليبيين حتى كادت المصارف التجارية الليبية في الشرق الليبي أن تعلن إفلاسها، فكان قرار دخول طرابلس لإنهاء الحلم الديموقراطي في ليبيا والجزائر والسودان ولتسوية الوضع المالي للكرامة بعد أن يكون المصرف المركزي تحث قبضة الحكومة الجديدة. وكانت لحظة دخول العاصمة يوم 4 أبريل بخطة عسكرية سريعة مباغتة ودعم إقليمي ودولي، بل أن الأمم المتحدة لها دور في المشهد العسكري القائم.

مع تحول الحرب إلى معارك تقليدية تحصد المئات من مقاتلي الكرامة وتأسر مئات أخرى  وتقهقر المجموعات الغازية ورفض الشارع الليبي لحفتر، ورفض كل القوى في الغرب الليبي لتواجد أي مجموعات خارجة عن القانون في محيطها، شعرت تلك الدول بخسارة المشروع العسكري وإنتها حفتر سياسيا وعسكريا، والأزاحة (كما تعرف في علم النفس) إلى المشروع البديل والذى بداء بالتخلي عن المجموعات السلفية وإستبدال رئيس مجلسها بالشيخ عبد المطلوب أرحومة المناوي لهم، ومحاولة الدفع بعارف النايض سفير ليبيا السابق في الإمارات ومدير قناة ليبيا روحها الوطن الإماراتية لتولي الحكم في ليبيا.

إقالة رئيس مجلس الأوقاف بالحكومة المؤقتة قبل أن تنجلي معارك الإستيلاء على طرابلس له دلالات كثيرة والتي تنم عن تغيير في سياسة التعامل مع الملف الليبي من الدولة الراعية لمشروع توطين الإستبداد. أظهر الشيخ المدخلي المُقال عبد المولى الحسوني ولاً أعمى لقائد الكرامة حفتر وكان داعما ومحرضا للحرب في بنغازي ودرنة وفي الجنوب واخيرا في طرابلس، كما قام بتكفير بعض المذاهب الإسلامية وتبديع الأخر منها في بيانات رسمية، في حين أن رئيس الأوقاف الجديد مالكي المذهب وليبي الشكل والمضمون.

بعد توقف الحرب والذي سيكون وشيكاً يبرز سؤال مهم وهو من الذين سيكونون على مائدة المفاوضات، ففي الغرب الليبي الأمور واضحة ولا مانع من أن يكون السراج أو غيره مندوبا لإرساء قواعد الدولة المدنية من خلال المفاوضات، أما في الشرق الليبي فهناك مشكلة كبيرة؛ حفتر الذي كان يعول عليه قد خسر وهناك من يطالب بتسريح الكتيبة 106 التابعة لإبنه، وقد يخرج من يحمله الهزيمة والفشل والسقوط المدوي، كما أن مجلس النواب لا شرعية ولا قيمة له إلا إمتصاص دماء الليبين بتبنيه المرتبات العالية والمهايا والعطايا، ومجلس الدولة لا شرعية ولا قوة له، مما يحتم إيجاد توليفة جديدة تحضى بإلإعتراف الدولي والقبول المحلي والإقليمي.

رغم إنتهاء حفتر سياسيا وعسكريا على المدى الطويل إلا أنه له أوراق مرحلية يمكن إستعمالها، منها رفض رجوع قواته إلى المنطقة الشرقية والبقاء في غريان وترهونة  (إن لم يكن على تخوم طرابلس) مع تجمع كل الهاربين والخارجين عن القانون  بهذه المدن، مما يوجد حالة من عدم الإستقرار قد تدوم للأشهر، مالم يصدر الرئاسي قراراً بتطهير هاتين المدينتين من الخارجين عن القانون، كما حدث في الزهراء والمعمورة. هذا الأمر خطير وهدفه تشتيث التلاحم بين القوى المعارضة لحفتر ومحاولة شراء الدمم كما حدث في غريان وترهونة، وكذلك الضغط من أجل إجراء إنتخابات رئاسية مستعجلة تنتهي بفوز عارف النايض بديلا عن حفتر المرفوض في الغرب الليبي.

الباب الأخر لحفتر هو التصالح مع التيار الفيدرالي وتشكيل جبهة مشابهة لما كان عليه جضران في سنة 2013م كمحاولة للإستمرار في المشهد الليبي وهو ما يساعد على إحياء مؤسسة النفط في المنطقة الشرقية وعودة الصراع على النفط من جديد، إن سمحت أمريكا بذلك. وهذا السبناريو ضعيف بسبب ضعف التيار الفيدرالي من جهة وعدم رغبة الداعمين الإقليميين في هذا المنحى، وأن الولايات المتحدة من ثوابتها  عدم المساس بالنفط ولا بالمصرف المركزي الموحد.

رغم هذه السيناريوهات السيئة نرى أن القاعدة الشعبية في ليبيا تمر بتغيير إجتماعي عميق مفاده التجانس والإنفتاح والقبول بالآخر، وبلورة الخيارت الوطنية، وخلق عقل جمعي مشترك سياسهم كثيرا في إرساء دعائم الدولة المدنية، كما شهدت ليبيا نجاح باهر لإنتخاب المجالس البلدية، وإستعمال جيد للموارد في هذه البلديات، وهو ما يساعد على بناء الجيش من جديد وهيكلة المؤسسات نحو الحكم الرشيد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا