هذيان في محراب الوطن.. فمن يشاركني!! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

الناظر الى حال الليبيين اليوم بعد مضي اكثر من ثلاثة سنوات على انهاء نظام القذافي، تتقاذفه مشاعر مختلطة وهواجس مختلفة. تفرك عينيك لتتأكد ما انك تحلم او تعيش الحقيقة! يصفعك الواقع فتستيقظ على صوت اطلاق رصاص من هنا وهناك، تدرك حينها انك لاتحلم. تحاول ان تمتلك اعصابك وتمسك بتلابيب ما تبقى لك من حكمة وتعقل، فتجول بناظريك من حولك لتجد وجوها شاحبة تحملق في غير اتجاه. تتعالى صيحات المطالب في مشهد يعيد الى الذاكرة كتل من الجوعى وهم يتسولون قطعة خبز او بضع حبات من الارز!!. تسرح قليلا لتشعر انك في احد مجاهل افريقيا او اسيا لكن سرعان ما يكسر سرحانك اصوات رصاص منهمر، يتسابق وصولا للمجهول فيسخر منه بإرتياب! لحظات حتى تتساقط تلك المقذوفات التائهة في سباق اخر محموم الى الارض لتصطدم في بعض الاحيان باجساد طرية بريئة، تخترقها، بعضها يفارق الحياة وبعضها تبدأ معه رحلة معاناة لا حدود لها.

تصيح هوسا او غضبا وتركن الى ركن قد يحميك وقد يؤذيك، فالحافظ هو الله فقط، لتسأل من المسئول؟! لن تجد اجابة شافية، لكنك تصر على السؤال مرات ومرات! وتستذكر ان في البلد سلطة تتمثل في مجلس للنواب ومؤتمر عام!! يسندان حكومتان واحدة للازمة والاخرى للانقاذ!! ها قد وجدت من تلقي بلومك عليه. يحمرَ وجهك وتستعد لتفريغ شحنة غضب كبير، فتبدأ في كيل التهم لكليهما دون تفريق علنا وفي رابعة النهار. لن يطفىء جوعك للصراخ الا مشهد جماعي، فتقرر الانضمام الى نفر من المعتصمين، لاتسأل عن مطالبهم لكنك فقط تريد ان تسمع غضبك وتصدح به في جمع من الناس ليس وحدك!

الى ان يجف ريقك وتخور قواك وتعجز عن المزيد، تدير ظهرك متثاقلا ثم تعود اليك نفحة من التأمل فتتحشرج منك كلمات مبعثرة، تتحول الى غصة كبيرة بحجم الوطن الفسيح، تتنهد ثم تتنهد.. فتستحضر لوحة اخرى على الجانب الآخر، تحتوي في رسمها آخرون يصلون الليل بالنهار، منهمكون في جمع المال، من ثروة الليبيين تحت مبررات شتى، يسابقون عجلة الزمن فقد يستيقظ الليبيون او غيرهم!!. لا يستهويك التأمل في اللوحة بقدر ما تستهويك الدهشة والاستغراب!! كيف تكبر بطون وتنتفخ، لتسع من المال اكثر واكثر فلا القناعة كنز ولا التخمة معرَة!!

تلملم اشلاء ذاكرتك تحاول جاهدا اللحاق بركب من الوهم، تختلق اعذارا لكنك لن تقوى الا على غضب يغلي في الصدور سينفجر حتما دون سابق انذار. قد يجتمع الشعب يوما على كلمة فصل، فيخرج المارد من قمقمه ينفض غبار هذا العبث ويعيد للضمير شىء من الحياء. قد يستدرك الليبيون انهم قد انحرفوا عن ثورتهم، أو اجبروا على ذلك! فيعيدون تصحيحها من جديد. حين استنشق نسيم الوطن باردا كان او ساخنا، تنتابني حالة صفاء ونقاء وضياء، لكني اقرر ان استمر في الهذيان.. ففي محراب الوطن يطيب الهذيان!



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا