هل أصبح الرئاسي عبئًا ثقيلا على الليبيين الأحرار - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

لم يعد هناك وقت لتدريب الرئاسي على ممارسة السياسة، وليس هناك وقت لمهادنة عملاء دول الاستبداد، والليبيون يزفون قوافل الشهداء دفاعا عن الوطن، وضمانا للحرية التي ناضلوا في سبيلها سنوات طوال.

الرئاسي بطيء مكبل متردد لا يفئ بمتطلبات المرحلة وبما نحن فيه من تشريد وقتل ودمار وجلب المرتزقة الكفرة الملحدين من كل حدب وصوب، ومن عربدة حفتر وتلون صالح المنادين بسحب الشرعية من الرئاسي.

الرئاسي مكبل بسياسات سلامة التي أوغلت في التسويف ثم التسويف ثم التأسف والغش والتدليس لسنوات عديدة على الرئاسي وعلى المجتمع الدولي في كل إحاطة وعلى كل منصة إعلامية كمخدر ومثبط حتى أوصل هو والرئاسي بحفتر إلى أعتاب طرابلس.

كان يمكن للرئاسي أن يمول عملية الشروق لانتزاع الموانئ من حفتر ومن جضران، وأمريكا لم تمانع من ذلك عندما أرجعت سفينة تهريب النفط من عرض البحر، فتخاذل الرئاسي وتحولت حقول النفط من جضران قرصان المال إلى حفتر قرصان الدولة.

كان يمكن للرئاسي أن يدعم ثوار بنغازي ودرنة لإفشال مشروع الكرامة، والذي كان واضحاً عند الكثير من الوطنيين ومنهم الشيخ عبد الرحمن الغرياني مفتي الديار الليبية وصاحب النظرة الثاقبة.

توالت هزائم استشارات الرئاسي لاحتلال الجنوب بأربعين سيارة طاوية وبعض رشاشات الأغراض العامة التي أثبتت هشاشتها عند تعرضها لصناديد التبو، ولم يقوم الرئاسي بدعمهم ولا برفع واقعة قصف حفتر التي أوقعت 45 ضحية من التبو، ولم تحال القضية إلى محكمة العدل الدولية كتطهير عرقي.

ذروة سنام الاستشارات السيئة من بطانة الرئاسي المراهنة على قبول حفتر ومصر والإمارات لاتفاق الصخيرات واستجدائهم لدعم ذلك المسار في اجتماعات باليرمو وباريس وأبوظبي، فكان الرد تجميع السلاح والمال والمرتزقة وغزو العاصمة وتشريد أهلها، وكان الرد من صالح وحفتر المطالبة بنزع الشرعية من الرئاسي.

لم يسأل الرئاسي ومستشاروه؛ لماذا معظم دول العالم تؤيد حفتر وتحجم عن مساعدة الرئاسي رغم أنها تعترف به كحكومة شرعية؟ الجواب بسيط؛ أن الحق مع الأقوى؛ أي أن العالم يعترف بحق القوة وليس قوة الحق، والأيدي المرتعشة يضيع حقها لترددها وتقاعسها عن الفعل المناسب، فلنقل أن مصر والسعودية والإمارات صراعهم مع الثورات صراع وجود، وإسقاط الثورات واجب من أجل الحد من انتشار العدوى لها وقلب أنظمتها، فما بال روسيا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا؟ هذه الدول تعلم أن حفتر قد ضم إليه (شكليا) 80% من مساحة ليبيا والأهم من ذلك 60% من حقول وموانئ النفط، ولذا فإن من يسيطر على النفط في ليبيا هو الذي يجب التعامل معه وإن كان 80% من الليبيين ليسوا مع حفتر، فمصالح تلك الدول عقود النفط وليس الديموقراطية أو الدولة المدنية.

نعم حفتر فاقد للشرعية وللقاعدة الشعبية، وهم يعلمون أنه لن يحكم ليبيا، ولكن تنصيب دكتاتور سواء كان أحد أبناء القذافي كما تريد روسيا، أو أحمد قذاف الدم كما تريد مصر، أو عارف النايض كما تريد الإمارات، أفضل لهم في التعامل من وجود دولة بمؤسسات منتخبة ورقابة تعرقل عملهم وصفقاتهم المشبوهة.

من تجربتي الشخصية في سنة 2011م كان مدير إحدى الشركات النفطية الإيطالية مستاء جدا من التغيير الذي حدث في ليبيا رغم فرحة الشعب العارمة، حيث قال إن عمل الشركات الأوروبية مربح ومريح في عهد القذافي لأن التعامل يكون مع شخص واحد وبلا رقابة، في حين أن العمل في دول الثورات متقطع، وفي الدول الديموقراطية قليل الأرباح بسبب المنافسة والشفافية.

على مستوى الحكومة كان الرئاسي أكثر سوءا، فوزير الخارجية يشتغل بالشمعة في عصر النيون، فلم يستدعي سفير له من دولة معتدية، وسفراءه لا يعنيهم أمر ليبيا إلا عند قبض مرتباتهم، أما وزير العدل فلم يرفع انتهاك للحقوق وما أكثرها إلى أي هيئة دولية، ولم تقام أي محاكمات داخلية للمتمردين وأصحاب الجرائم ضد الإنسانية من أجل رفعها للخارج.

آخر مزحة ثقيلة ذهاب وزير الأوقاف إلى السعودية لاستشارته حول جواز قتل الليبيين بالتعاون مع المرتزقة الروس والجنجويد الأعراب تحت قيادة أمير المؤمنين حفتر، ذهب الوزير (التلميذ) يسأل صاغراً منبطحا إلى شيخ تستعمله الاستخبارات السعودية لنشر الوهابية وعبثها بحكومات الشعوب باسم (الجرح والتعديل) وما هو إلا الهجوم على المذاهب المعتبرة والفرق الإسلامية المخالفة من أجل ظهور الوهابية الحنبلية بأنها الفرقة الناجية، والعدم لسواها.

المواقيت الدولية الحالية لا تظهر نوراً في أخر النفق؛ اجتماع وزراء الدول الأوروبية الأربع يوم الاثنين 30 ديسمبر ثم اجتماع فرنسا وقبرص ومصر يوم 4 يناير ثم اجتماع بوتن مع أردوغان يوم 8 يناير ثم اجتماع سلامة مع الدول الأوروبية الأربع في برلين يوم 15 يناير ثم زيارة حفتر إلى روما في آخر يناير، كل ذلك لا يدل على حل للأزمة.

من الواضح أن الحل في ليبيا لن يكون إلا بحكومة قوية تُلبي طموحات الشعب مطالب بها في الميادين، ومما لا شك فيه أن دول الاستبداد لن تتنازل عن تنصيب دمية وإن قبل الرئاسي بكل مطالبهم، وأن الدعم التركي المهم سيزيل شبح تشريد أهالي العاصمة ويبعد القوة الغازية إلى ما بعد بن وليد ولكن لن يرتقي إلى دك معاقل حفتر في الرجمة، وبذلك يستمر الانقسام ودعم حفتر وأزلامه ومرتزقته والمتمردين معه بالمال من مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، وتستمر حقول النفط في الإنتاج تحت رحمة قوات حفتر إن لم تتوقف بسبب القصف العشوائي لها، والسبب الرئيسي ضعف سياسات المجلس الرئاسي وعدم وجود رؤية، وإدارة الدولة بناء على توصيات سلامة والمستشارون الذين أثبتوا فشلهم، فما الحل؟.

الحل يكمن في وجود حكومة مرحلة، تقوم بما لا يستطيع الرئاسي القيام به، وتستنير هذه الحكومة بخطط وسياسات لا تستند إلى التوافق بقدر ما تستند إلى مصالح الدولة الليبية من أجل إخراجها من المستنقع الأسن الحالي.

وهذا ممكن وبقوة؛ فزيارة وزير الداخلية لأمريكا وتركيا وتونس أحدثت فارقاً، وسياسته في دمج الثوار كانت واضحة فعند تقلده للوزارة قبل عام كان أكثر من 20 مجموعة مسلحة في طرابلس، اندمجوا بشرف ومهنية لتبقى أربعة مجموعات سيتم دمجها لاحقا.

الحكومة الجديدة يجب أن تقوم بتعيين وزراء فاعلين ومنهم وزير الدفاع، وان تسخر كل إمكانياتها لاستعادة حقول النفط بدعم ثوار الجنوب من تبو وتماشق تحت قيادة لواء الجنوب ودك معاقل الجنجويد في الجفرة، واسترداد الهلال النفطي من حفتر، ومحاكمة المتمردين وإيقاف مرتباتهم وقفل السفارات الداعمة لحفتر، ومحاكمة أصحاب الجرائم محليا ثم رفعها لمحكمة العدل للمطالبة بهم في الشرطة الدولية، واستدعاء السفراء ووضع قيود على الاستيراد من الدول الداعمة لحفتر، مع توثيق العلاقات مع الدول الصديقة مثل بريطانيا وتركيا والجزائر والمغرب.

على المستوى الداخلي إعادة المهجرين لبيوتهم ومساعدتهم على إصلاحها، والاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية مع الحظر على استعمال العملات المطبوعة في روسيا، واستكمال دمج الثوار في مؤسسات الدولة، والتعاون مع مجلس الدولة لإصدار قانون المرتبات، وفي الاقتصاد تعديل سعر المحروقات مع دفع الدعم نقذاً.

بهذه الخطوط العريضة للسياسات يمكن استعادة هيبة الدولة داخليا وخارجيا ومنع التدخل الخارجي في شئونها وترتيب البيت الداخلي من أجل المُضي قدماً نحو بناء دولة المؤسسات على أسس سليمة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا