هل الأحكام الصادرة عن القضاء عنوان الحقيقة فعلاًَ ؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. مجدي الشبعاني‎

أصدرت بالأمس الدائرة الجنائية الثانية بمحكمة استئناف طرابلس حكما في القضية رقم 877 / 2014م والمهتم فيها كلًا من الساعدي معمر القذافي، ومحمد عبدالله السنوسي، وقضت ببراءة الأول عن التهم المنسوبة إليه من قتل عمد وتهديد واستعباد وهتك عرض وخدش شرف، وتم معاقبته بالحبس سنة مع الشغل ومبلغ 500 دل عما نسب إليه من تهمتي شرب الخمر وحيازته .
إلا ان الرأي العام وأولياء المجني عليه يقولون أن هذا الحكم مخالف تماما للواقع وللحقيقية التي يشهدها ويعلمها القاصي والداني واشتهرت منذ زمن ، فهل القاعدة التي تقول أن الأحكام القضائية عنوان الحقيقة صحيحة ؟ أم لا ؟ فأي حقيقة يتحدث عنها دعاة القانون وفق قولهم .
إن الحقيقة التي هي عنوان الأحكام القضائية ، لا يفترض أن تكون متوافقة مع الحقيقة الواقعية التي يرااها الرأي العام وذوي المجني عليهم ، وإنما الحقيقة القضائية، وهى تلك التى ثبتت للقضاء وفق قناعاته فى ضوء ما هو مطروح أمامه من أوراق ومستندات وأدلة وشهادة شهود وتقارير خبراء، ومن ثَمَّ يتوجب على سلطات الدولة جميعا، بما فى ذلك السلطة القضائية ذاتها، أن تحترمها ولا تعتدّ بما يخالفها.. وعلى هذا، فإن الإطار الصحيح لعبارة: «الحكم عنوان الحقيقة» ليس هو الحقيقة على إطلاقها، ولكنه فقط الحقيقة القضائية وحدها، أى تلك الحقيقة التى يُعتَدّ بها أمام القضاء!..
صحيح أن الحقيقة الواقعية والحقيقة القضائية تكونان في الغالب متطابقتين ، بحيث يصبح استخدام العبارة الشهيرة على إطلاقها حينئذ سائغا ودقيقا.. لكنهما كثيرا ما لا تتطابقا لأسباب كثيرة وهي ما يمكن أن نعلمها بعد قراءتنا للأسباب التي بنى عليها القضاء حكمه وهي التي لم تصدر بعد .
فلو افترضنا مثلا أنك كنت قاضيا وأوكل إليك حكم هذه القضية وأجمع الشهود بأن القاتل لم يكن الساعدي معمر القذافي وإنما كان محمد عبد الله السنوسي، والذي توفي قبل الإدانة فهل تحكم بإدانة الساعدي؟ هذه هي الحقيقة القضائية التي يقصدها القانونيون ، وبالتالي ما على القانونيين إلا انتظار أسباب الحكم بعد إيداعها .
ثم إن هذا الحكم قابل للطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا والحقيقة لم تكتمل بعد ، ولكن الطعن أمام المحكمة العليا في هذه الحالة يكون مشترطا بخطأ في تطبيق القانون أو في تفسيره، وأن يقدم هذا الطعن من النيابة العامة أوالمحكوم عليه أو المسئول عن الحقوق المدنية والمدعي بها إن وجد ، وبالتالي فعلى النيابة العامة دور كبير بعد إيداع الأسباب لتهدئة الرأي العام والتأكيد على نزاهة القضاء والبحث عن الحقيقة عن كان هناك مجال للطعن فعلا ومن غير المقبول قانون أن يتقدم أهالي المجني عليه بأي طعن فالطعن مقرر لصالح المدعى عليه وهو قد تحصل على براءة فكيف يطعن ويطلب نقض هذا الحكم .
وختام مقالتي هذه أن السلطة القضائية في بلادنا ومنذ تأسيسها مستقلة تماما ورجال القضاء في بلادنا هم على كفاءة تامة وعلى قدر عال من الاطلاع القانوني والخبرة القضائية الكبيرة وهم محض فخر لنا، ولا نشك قيد أنملة في حيادتهم ونزاهتهم وأنهم يطبقون صريح القانون ويسيرون وفق إجراءاته ، ولا أدل على ذلك أن لا يخشى قضاتنا من الحكم على ابن معمر القذافي بالبراءة ومن وسط العاصمة طرابلس ، ثم أن احكامهم لابد أن تسبب وبإمكان أي كان أن يطلع عليها خلال مدة 30 يوما المسموح للقاضي بأن يودع أسبابه الدالة على صحة منطوقه ، فلا تستعجلوا بالحكم على سلطتنا القضائية وحامي العدالة في بلادنا والسلطة الوحيدة التي لا تزال بخير .



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا