هل الليبيون في حاجة ماسّة إلى دستور؟ - عين ليبيا

من إعداد: ميلاد المزوغي

سؤال يبدو خارج نطاق الزمان والمكان من وجهة نظر الكثيرين، فالديمقراطية الغربية التي وعدنا بها تضع وجود الدستور في المرتبة الاولى وأسمته ابو القوانين، فهو العقد الاجتماعي الذي يربط “ينظم العلاقة” بين الحاكم والمحكوم من خلال تواجد سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية مطلب البشرية حيثما وجدت.

لنأتي إلى مربط الفرس والحديث عن الدستور في ليبيا منذ نيلها الاستقلال العام 1951 وذلك تطبيقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 21نوفمبر 1949 في مادته الثالثة التي تشترط لاستقلال ليبيا أن يكون هذا الاستقلال في إطار دستور تضعه جمعية وطنية تضم ممثلين عن برقة وطرابلس وفزان. اعطيت للملك حرية تعيين رئيس الحكومة الذي يختار بدوره الوزراء الذين ينالون ثقة مجلس النواب!، ومن ثم الدستور المعدل العام 1963 حيث حلّت الولايات الثلاث وتقسم البلد الى عشر محافظات وفقا للكثافة السكانية، وقد شهدت فترة حكم الملك تشكيل أحد عشر وزارة بمعنى وزارة كل سنتين. ولم يختلف الحال عنه في العهد السابق، فكليهما جرّما تشكيل الاحزاب، الأول أصدر الفرمانات بإلغائها والثاني عدّها في مرتبة الخيانة العظمى.

الكل يتحدث عن الدستور وكأنه سيجلب الحلول السحرية للمشاكل التي تعاني منها الدولة، بل قد يكون على راس المطالب التي ادت الى سقوط النظام السابق، ورغم ذلك لم تعمل السلطات الجديدة طوال المدة الماضية على تشكيل لجنة لكتابة الدستور!، هل يريد هؤلاء ان يحكموا بدون دستور والبقاء في الحكم اطول مدة ممكنة بمساعدة ومباركة من ميليشياتهم غير الشرعية؟ أم ليزدادوا ثراءً وجاها وفسحة في التعرف على العالم الآخر والاستفادة من تجارب الاخرين؟ ام ان الدستور من وجهة نظرهم غير ضروري في هذه المرحلة؟ ام تُراهم اجبروا مؤخرا على انتخاب لجنة صياغة الدستور؟ أسئلة واستفسارات تدور في خلد كل مواطن، اما الاجابات فستكون حتما حسب رأي من يتولون السلطة بغض النظر عن اقتناعنا بإجاباتهم أم لا.

أجريت انتخابات اختيار لجنة صياغة الدستور (ستون عضوا)، فكان عدد المشاركين لا يتجاوز الثلث (350 ألف نسمة فقط لا غير) من مجموع المسجلين (حوالي المليون نسمة) للإدلاء بأصواتهم رغم أن الوضع الأمني أحسن بكثير مقارنة بانتخابات العام 2012 فما الذي يحدث؟ هناك أكثر من 13 مقعد شاغرة بفعل العوامل الأمنية والاثنية أي أن ربع المقاعد شاغرة في مناطق متعددة، إضافة إلى تواجد أعداد هائلة من الليبيين خارج الوطن، فهل يجوز والحالة هذه كتابة دستور لبلد؟ قد يحتاج الساسة والمشرعون إلى أخذ رأي الذين سبقونا في كتابة الدساتير، أو إيجاد فتوى بالخصوص وما أكثرها في هذا الزمن.

ألا يدل تمسك النواب بمقاعدهم رغم انتهاء صلاحيتهم بأنهم ليسوا أهلا للثقة التي منحها اياهم الشعب ولا يعبئون به رغم المظاهرات المطالبة برحيلهم، ألا يشير عزوف الجماهير عن المشاركة في الانتخابات إلى أن الدستور لم يعد مطلبا شعبيا كما كان، بل أن المطلب الأكثر إلحاحا وعلى سلم الأوليات هو الهاجس الأمني الذي يعانيه المواطن حيثما وجد، فلم يعد قادرا على الترحال من مكان الى اخر في وضح النهار، وأصبح رهينة أربعة جدران بل لا يأمن على نفسه حتى داخل ” قبر الدنيا” الذي يراه لا يختلف كثيرا عن قبر الاخرة بل ليتعوّد على ذلك بفعل ساسة الشعب وأمراؤه، المتفقهون بعلوم الدين, انهم يذكّرونه بيوم الآخرة. أليست من إحدى نعم تدخل الغرب بشؤوننا ان جعل من علماء الدين يفقهون بالسياسة فلم تعد السياسة حكرا على غيرهم.

إن البلاد في حاجة ماسّة إلى مصالحة وطنية ورأب الصدع بالبنية الاجتماعية وجبر الخواطر ومن ثم دعوة من أجبروا على ترك بلدهم “المنفيون بالخارج” ومدنهم وقراهم “المشردون بالداخل” الى العودة لديارهم لتعود اللحمة الوطنية من جديد وبدونها لن تقوم للبلد قائمة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا