هل سيكون دور للقبيلة في حل مشكلة ليبيا السياسية؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. ناجي بركات

الجميع يعرف أن القبيلة جزء أساسي في بناء المجتمع وحفظه من الانزلاق خارج المنظومة الاجتماعية والتي كونتها القبيلة مند فترة طويلة. ليبيا تحتضن ومند القدم هذا المجتمع القبلي والذي بداء يتلاشى باستكشاف النفط وتحول معظم الشعب الليبي الى ناس بعدين عن القبيلة وخاصة في المناطق الغربية من ليبيا. هناك الكثيرون لا يعرفون من أي قبيلة او عشيرة هم وخاصة سكان المدن. القبيلة لم تمثل أي ثقل في فترة القذافي وحاول وبكل الوسائل توظيفها لمصالحه عندما يريدها او يطمسها عندما لا تحلوا له. جعل احد اعوانه خريبيش هو المسؤول عن التواصل وزرع الفتن وخراب المجتمع القبلي واشعال الفتن بين هذه القبائل دائما. لم تتطور الروح القبلية لدي الليبيين وأنما تلاشت كثيراً وخاصة عندما كان يستعمل القذافي قصة العقاب الجماعي لبعض القبائل والتي ثار أبنائها ضده. فقد كان يكن الحقد لغريان وأهل الجبل الغربي ويخاف ويرتعش من نفوذ قبيلة العبيدات والعواقير والبراعصة. كما كان بعض من اعوانه يساندون قبائلهم مثال مسعود عبدالحفيظ وعبدالله السنوسي حيث القبلية موجودة وبقوة في الجنوب الليبي. رغم هذا كله لم يكن للقبيلة أي دور سياسي أيام القذافي وأنما اجتماعي فقط ليس الا أو تقديم الولاء للقذافي كل سنة في وفود يترأسهم شيوخ هذه القبائل وذلك لطلب الرضا وتجنب العقاب من القذافي وزمرته.

لقد تحدث عن هذ المجتمع القبلي ابن خلدون في كتابته وقال: ” اعلم أن مبنى الملك على اساسين لابد منهما فالأول الشوكة العصبية وهو المعبر عنه بالجند، والثاني المال الذي هو قوام أولئك الجند وأقامة ما يحتاج اليه الملك من الحوال والخلل (ابن خلدون المقدمة ص 295)”. يقصد بالعصبية هي القبيلة وما تحتويه من بشر حيث كانت عماد أي حكم لآنها مصدر للبشر لحماية الملك او الحاكم والذي هو يملك المال لا رضاء هذه القبيلة.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يمكن أعادة مكانة القبيلة؟

هذه الأيام تمر ليبيا بمحنة  نسائل الله أن يخلصنا منها حيث الفرقاء أصبحوا كثيرون وتم هدم النسيج الاجتماعي والذي حاول القذافي 42 سنة هدمه. الأن تم هدمه وببساطة نتيجة الصراع على مناصب القوة بغية الوصول الى حكم الدولة  والاستيلاء على منابع الاموال. من خسروا في الانتخابات الأخيرة أشعلوها حرب داخل ليبيا بحجة عدم الشرعية وقصة التسليم والاستلام للشرعية. كان يقود هذه العملية الاخوان المسلمين ومفتي ليبيا الصادق الغرياني ومليشيات مصراته والمقاتلة، هذا بغرب ليبيا. أم بالشرق فقد أعلن الجنرال المتقاعد حفتر الحرب على الإسلاميين الإرهابيين أمثال أنصار الشريعة وهي فرع من القاعدة وكذلك على من يساندهم. نجح بعض الشيء وتعثر كثيراً لأن الحسابات خاطئة والان سنة بالتحديد ولم تكتمل هذه العملية. الألاف من الليبيين قتلوا وهجروا وذبحوا وتم سجن أكثر من هؤلاء أو مثلهم جراء هذه الحرب بشرق وغرب وجنوب ليبيا. أصبح التعصب للقبيلة خلال هذه الفترة كبير وكثير وأصبحت الحرب مبنية على انتماءات معينة وصارت حرب قبلية بالمعني الحقيقي ومن ليس له قبيلة فهو خارج اللعبة وسيصبح يوما أحد عبيد لمن سينتصرون. هذا في نظر من يقومون بالحرب الان ويتسترون تارة تحت شعارات الإسلام وهو منهم براءة ومرة اخري تحت شعارات الدولة وهم بعيدون عنها واخيراً الوطنية وحرصهم على الوطن وهم لا يعرفون ولا يحترمون شيء اسمه الوطن أو الوطنية.

الحوار انطلق لحل هذه المشكلة ومند 6 أشهر والأمم المتحدة والمجتمع الدولي يحاولون تقريب وجهات النظر ووصلوا الى مسودة اتفاق من أجل حل المشكل السياسي بليبيا وأسهموا القبيلة في هذا وكان دور شيوخ القبائل متواجد كثيراً. لكن جهودهم لم تتوحد حيث دول الجوار تحاول وبكل قوة جر هذه القبائل في صفها وأظهرها أنها البديل للسياسيين وقادة المليشيات لحل مشكلة ليبيا. الغرض من هذا هو استمرارية القتال وجعله قبائلي  حتي يتم المطالبة بالثائر ولو بعد مائة عام. هذا منطق دول الجوار وهي تقوم بلعبة قدرة وتوريط القبائل دون البحت عن حلول.

منذ أيام كنت قد التقيت شخصية اجنبية سياسية مرموقة ولها دور في مشكلة ليبيا ولاحظت في حديثه أن القبيلة سيكون لها دور مهم في مشكلة ليبيا. كذلك الاتحاد الأوروبي وما صرح به وزير خارجية إيطاليا في نفس اليوم بأن القبيلة هي أساس ومن الأرجح ان يكون لها دور مهم وأساسي في حل مشكلة ليبيا السياسية. قلت لصديقي هذا بأن ليبيا لا توجد بها طائفية وأن شمال افريقيا لا توجد به الطائفية مثل الشام وشبه الجزيرة العربية وعليه فنحن لسنا شعب قبلي، انما شعب من مختلف العروق والقبائل العربية وغير العربية. الطائفية عندنا لا تساوي شيء وهي لا يمكن أن تكون الشيء الرئيسى في حل مشكلة ليبيا السياسية كما ترونها. القبيلة لا توجد في طرابلس والمدن الكبرى وهي الحاضنة لأكبر عدد من سكان ليبيا. القبيلة مترسخة في المناطق البعيدة عن الساحل وفي الجنوب الليبي وبعض مدن الشرق الليبي وهي لا تشكل أي تقل سياسي في بلورة أو بناء ليبيا سياسياً.

لماذا يتجه المجتمع الدولي للقبيلة في ليبيا وهم يعرفون بأننا لسنا مجتمع قبلي. الكثير من المشاكل العالقة بين المناطق يقوم بحلها شيوخ القبائل أو العقال من المدن ويسمون أنفسهم مجلس الشورى والذي معظمهم من الاخوان المسلمين أو ممن يرون في أنفسهم أنهم الوصاة على الإسلام في ليبيا. المجتمع الدولي أشرك القبيلة في كل شيء وخاصة في المفاوضات من اجل إيجاد حل لهذه الفوضى العارمة في ليبيا. عندما يريدون اشراك القبيلة عليهم بالتوجه الى سيوخ القبائل وليس الى مجالس الشوري والتي هي أصلا تسير من الجماعات الإسلامية المتشددة وغير المتشددة.

فاعتزاز الفرد بنفسه أو بعائلته أو قبيلته ليس عيبا وهو مقبول لدي الجميع. ولكن عندما يضع الأشخاص مصلحة القبيلة أذا وجدت قبل مصلحة الوطن والمواطن فهذا خطير وخاصة عندما يكون القتل والخطف والتعذيب على الهوية القبلية وهذا ما يحدث الان بليبيا. والأخطر عندما يؤدي نصرة القبيلة إلى ظلم للآخرين وتهجيرهم، فالعصبية ليست عيباً والتحمس من أجل الوطن والعرق والانتماء ليس به أي نوع من العيوب ولكن عندما يؤدي هذا الى ظلم الاخرين فتيقن بأن انهيار الدولة قد حدث ومن الصعب رد النسيج الاجتماعي لما كان عليه إذا لم يوضع حد لهذا الظلم المبني على القبلية والعصبية الحاقدة ليس الا. هنا يجب أن يفكر الجميع بأن الوطن أولا والوطن اخر

لماذا يتوجه المجتمع الدولي للقبيلة في ليبيا؟

1- هناك شبه اجماع من الجميع بأن المجتمع الليبي هو مجتمع قبلي وتتحكم فيه اعراف القبيلة.

2- لعبت القبيلة وخاصة في المدة الأخيرة دور كبير في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة، مثل ورشفانه ومصراته وغريان والزنتان ومصراته والزنتان وقبائل الشرق ومصراته وقبائل الجنوب ومصراته.

3- المجتمع الدولي يصنف في ليبيا مثل تصنيفه لمناطق الجزيرة العربية والعراق والشام بأن ليبيا تتحكم بها الطائفية رغم أن الطائفية معدومة بكل دول شمال افريقيا القريبة من الساحل.

4- فشل القوي السياسية والنخب السياسية في اقناع المليشيات في وضع السلاح واللجوء الى الحوار في حين أن القبلية ساهمت كثيراً في إيقاف القتال والتفاوض.

5- غياب الدولة وشلل في مفاصل الدولة المتمثلة في البرلمان والحكومة وهما لا يمثلان ولا يمتثلان للقبيلة حيث معظم اعيان وشيوخ القبائل  يرون أن البرلمان والمؤتمر والحكومة هما سبب النزاع.

6- قرب القبيلة من الاسلامين المتشددين وغير المتشددين بحكم الرابط الاجتماعي وهم قادرين على رفع الغطاء الاجتماعي عنهم وعن كل خارج عن نطاق ومبادي واعراف القبيلة.

رغم كل هذا فأن القبيلة لا تصلح أن تشرك في السياسة وبناء الدولة. اشراك القبيلة في عمليات الحوار والتفاوض وحل النزاعات هو دور أساسي ومهم لها ولكن يجب ألا يكون لها دور في اختيار الحكومة أو القيادات الأساسية للدولة. من ينصب من قبل القبيلة فولائه سيكون لهذه القبيلة وليس للوطن ويستمر الظلم ويتفشى في الدولة الفساد من جديد لأن دفعته قبيلته لهذا المنصب، يريد قبيلته أن تحكم الدولة من خلال استحواذ أبناء قبيلته على المناصب الحيوية بالدولة. القبيلة لا تصلح أن تكون عنصر فعال في سياسة الدولة ولكن تكون عنصر فعال في تقريب وجهات النظر ووسيط لحل النزاعات بين المناطق وكذلك كبح بعض الخارجين من أبنائها وردعهم وذلك بعزلهم اجتماعياً. هذا هو دور القبيلة السياسي وأما الاجتماعي فهو كثير ويحتاج الى مجال اخر للحديث عنه.

المجتمع الدولي يبحت عن حلول ويريد أن يكون الحل سياسي قبل أن يفشلوا ولا تكون ليبيا على حافة الانهيار حيث الاخرين متشددين ولا يريدون قبول الحلول الوسطية وخاصة ممن يسمون أنفسهم حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني المنتهية صلاحيته وبعض من فصائل الاخوان والمقاتلة وعلى رأسهم الصادق الغرياني. كذلك جزء من مليشيات فجر ليبيا وبعض المناطق والتي تورطت في حروب مع جيرانها ويسيرونها الإسلامين المتشددين وبعض الانتهازين الباحثين عن السلطة والمال. لهذا المجتمع الدولي يفكر بأن يكون البديل للقوي السياسية هو القبيلة وهذا خطاء يرتكبه وحيث أن الدولة المدنية لا تبني بالقبيلة أو المليشيات أو الأيديولوجيات الظلامية ولكن تبني بالديموقراطية مع المحافظة على اصالة وعرق الشعب الليبي واهم شيء هو المحافظة على دينه الإسلامي والذي أصبح البعض ممن يعارضون قيام هذه الدولة المدنية يستغلونه ولكن انفضحوا وهم أكثر المنبوذين داخل ليبيا وفي جميع الدول الإسلامية حيث الإسلام منهم براءة.

اللهم انصر الحق وليبيا قادمة بعون الله



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا