وماذا بعد؟ مسارات “غسان سلامة” الثلاثة إلى أين؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

بالرغم من علمنا أن مبعوثي الأمم المتحدة لهم مهام محددة وفترات زمنية محددة أيضا، وقد يكون تجاوز غسان سلامة المدة المحددة ومددت مهمته لاعتبارات الأمل في الوصول إلى حل للأزمة الليبية، التي طالت خاصة وأنه قد أتى بخارطة طريق تبنّتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلا أن ملابسات تقديمه الإعفاء التي أفصح عنها جاءت في وقت حساس جدا من عمر الأزمة الليبية، وهو ما يجعلنا ندرك أن طلب الإعفاء لم يكن صادرا منه عن طيب خاطر، وأنه قد اجبر على ذلك وتحت ضغوط دولية نافذة وقوية.

لا شك أن سلامة بذل جهودا طيبة بغية التوفيق بين أطراف الصراع في ليبيا، وقد حقق بعض النجاحات وخاصة في بداية مهمته إلا أن تعقد الملف الليبي خاصة بعد حرب طرابلس، قلب موازين عديدة وجعل الأطراف المحلية والدولية تضغط أكثر عليه في محاولة لكسب مواقف لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهنا لم يكن ممكنا له مواجهة ذلك، مما دفعه إلى تبني مواقف من هذا الطرف أو ذاك فقط لأجل الإرضاء ولكن على حساب النتائج، وهذا  ما جعل طرفي الصراع في ليبيا يفقدون ثقتهم فيه فصاروا يطالبون علنا برحيله، وكنتيجة لذلك اصبح استمرار غسان في مهمته أمرا شبه مستحيل، بل أن بقائه قد يؤثر سلبا في النتائج، وعندئذ قررت الأمم المتحدة إعفائه والبحث عن بديل يمكنه تسيير دفة الأمور لمرحلة قد تقصر أو تطول!.

بالمنظور السياسي يمكن القول أن سلامة قد نجح في تأطير المسارات الثلاثة للأزمة الليبية، عندما شرع في انعقاد جلسات المسار الأمني (5+5) والمسار الاقتصادي بالقاهرة، وحتى السياسي بجنيف، بالرغم من عدم وجود تقدم واضح في المسار الأمني، وتعليق مجلس النواب ومجلس الدولة لمشاركتهما في الحوار السياسي، وبالمنظور المهني يمكن القول أيضا أن غسان سلامة قد أكمل مهمته زمنيا بغض النظر إلى نتائجها، أما إذا نظرنا إلى ذلك من منظور تحقيق ما كان مستهدفا فإن سلامة قد فشل مثلما فشل سابقوه، حيث لم يتحقق الهدف الأساسي وهو توحيد طرفي الصراع ودمجهم في بوتقة واحدة، ما يعني استمرار الانقسام و ملحقاته التي جميعها زادت شدة وتأثيرا خاصة في ظل حالة الحرب القائمة الآن.

لكن السؤال المطروح الآن وبقوة هو: ماذا بعد غسان سلامة انعكاسا على الشأن الليبي؟! لا شك أن الإجابة على ذلك يكتنفها الغموض، ولكن من زاوية تحليلية يمكن القول أن هناك احتمالين اثنين: أحدهما أن يتمكن خليفته من حل اللغز الليبي، وينجح في استمرار مسارات سلامة الثلاثة، وبالتالي تحقيق الهدف والوصول إلى حكومة ليبية مرحلية واحدة، وتوحيد كافة المؤسسات وإنهاء حالة الصراع وبدء مرحلة جديدة من عودة الاستقرار في ليبيا، والاحتمال الآخر وهو عدم قدرة خليفته على إنعاش مسارات غسان الثلاثة، وبالتالي توقفها وهو ما يتطلب تعاملا جديدا وخطة جديدة قد تتغير فيها كثير من المعطيات، وأمام هذا وذاك يظل الملف الليبي ساخنا وقد يتطور إلى ما هو اكثر سوء في خضم حالة استقطاب دولي كبير ومركز وأقل سوء فيه إطالة عمر الأزمة.

دائما نقول ومن خلال التجارب السابقة أن التعويل على الأمم المتحدة بالكامل غير مجدي، وأن دورها في حل الصراعات لم يتجاوز الدور المساعد البطيء!، ما يعني أن التعويل بالأساس يجب أن يكون على الليبيين أنفسهم، فهل يدرك المتصارعون الليبيون بعد هذه السنين ذلك؟! أم أنهم يتجاهلون في عناد شديد، لن ينتج عنه إلا مزيد الدمار والخراب والنهب للثروة الليبية! فمتى يحكّم طرفا الصراع عقولهم؟! ويبادرون إلى الاعتراف ببعضهم كواقع فرض نفسه، غض النظر عن ما يحملونه من أجندات، لأنهم شركاء في الوطن ولكل منهم الحق في العيش فيه والتمتع بثروته، ثم يتجهون إلى التنازل عن مطالبهم المتناقضة ويسعون إلى حالة من التوافق الاضطراري المرحلي حتى يتم تأطير المؤسسات الدستورية وترسيخها فيما بعد بدون مغالبة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا