17 فبراير في ذكراها الثامنة، واقع مرير وأمل مفقود! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

تمر ثمانية سنوات بطولها وعرضها منذ بداية انتفاضة 17 فبراير 2011م في ليبيا وهي كانت الثالثة زمنيا فيما سمي بـ “ثورات الربيع العربي”  التي اجتاحت 5 دول عربية دفعة واحدة، تمر علينا هذه الذكرى وللأسف الشديد لا تزال ليبيا تعاني انقساما سياسيا حادا، ترتب عنه انقسام مؤسساتي كبير حيث توجد الآن حكومتان اثنتان احداهما في الغرب والثانية في الشرق، ولكل منهما وزاراته وهيئاته ودوواوينه، ناهيك عن الانقسام الواضح في المؤسسة العسكرية والشرطية وكل الأجهزة الأمنية، وأمام هذا التشظي والإنقسام الحاد نجد الانعكاس الخطير والمؤسف على حياة افراد الشعب الليبي الذي طاله ضنك العيش وشدة المعاناة والإنفلات الأمني حيث تنتشر مظاهر الخطف والقتل والإبتزاز وتسود لغة القوة ويتسلط اصحاب النفوذ ويتسيّد الرعاع ليعتلي مفاصل الدولة فينخرها سوس الفساد وتتهالك وتنهار هيبتها ومركزها المالي والاقتصادي والسياسي.

ان هذا الإنهيار الذي اصاب جسد الدولة الليبية ما كان له ان يكون لولا تولي زمام الأمور من ألأغرار في الإدارة والسياسة والإقتصاد، الذين رمت بهم الصدف في بيئة محكومة بالفوضى ، فأساءوا التصرف جهلا أوتجاهلا، حين غابت البصيرة والتخطيط السليم، وكانوا بذلك معاول هدم وتدمير وتخريب، ليستشرى الفساد وتدار دواليب الدولة بأسلوب “إدارة الفساد” طيلة السنوات الماضية، ويستمر هذا العبث الفاضح والفساد الممنهج ديدن اصحاب المعالي والسمو والحضوة، ممن يتقلّدون المناصب ويعتلون المراتب دون وازع من ضمير يؤنب أو رقيب يردع، والنتيجة حتما هو استمرار السير في نفق مظلم لا يعلم منتهاه الا الله.

هل يستطيع أحد أن ينكر اليوم هذا الواقع المرير الذي يعيشه الليبيون ؟، وهل من ينكر أننا جميعا قد ساهمنا ونساهم فيه، إذا وجب علينا الإعتراف بذلك وبكل شجاعة، فكل ما أصابنا بأيدينا ومن صنيعتنا، لا أحد يمكنه التنصل من ذلك، فمن لم يساهم مباشرة فقد ساهم بطريقة غير مباشرة ناتجة عن سلبية ولا مبالاة!، اليوم ونحن نعيش الذكرى الثامنة للإنتفاضة، حريّ بنا أن نحاسب أنفسنا أولا وأن نتحرر من قيود لوم الآخرين وتحميلهم ما لحقنا من هوان وخنوع، فتلك ولعمري سياسة الضعفاء وتكيّة العاجزين! لقد شبعنا عجزا ولوما ونكوصا وجبنا، كفى فقد آن الأوان لنتحرر من سلبيتنا ونكسر قيد هزيمتنا، ألا أنه الواجب الذي يدفعنا لخوض معركة اعادة ألأمل الذي فقدناه، وإن ذلك لن يتأتى إلا من خلال مواجهة الحقيقة والخروج من عالم الأوهام الى عالم الواقع الذي نعيشه ونتفاعل معه كل يوم ، انها معركة الذات فرضت علينا شئنا أم ابينا، فلا تهنوا وتترددوا.

أيها الليبيون كفى عنادا كافرا وحقدا نافرا، كفى وهما غابرا وانتظارا لمستحيل لم ولن يأتي أبدا، أيها الليبيون أن ما تختلفون عليه ليس الا اضغاث احلام وأكوام من أوهام كالظلال! اصحوا وادركوا فلن ينفعكم التشبث بفبراير التي جلبت لكم البؤس والشقاء وضنك العيش وتحكم الأجنبي وسيطرة العصابات وتغوّل مافيا المال والسلاح، أيها الليبيون إصحوا وأدركوا لن تنفعكم سبتمبر التي لولاها ما كانت فبراير فهي أمها وإن أنكرت ولادتها، ولسنا في وارد ذكر مساوئها التي علينا ان نعترف أنها صارت صغيرة امام ما نحن فيه من واقع مزري احدثته فبراير، ايها الليبيون ليس أمامنا من طريق الا شجاعة الإعتراف بإخفاقنا جميعا سبتمبريين وفبرايريين وعجزنا المخزي على الحفاظ على بلدنا وعلى سيادته ومنعته، لقد آن الأوان للتكفير عن كل ذلك عبر منفذ وحيد، الا وهو تجاوز فبراير وسبتمبر معا بما فيهما من سلبيات او ايجابيات والانطلاق الى ما بعدهما، الى حيث تجدون وطنا اسمه ليبيا لا يزال يستصرخكم ويمنحكم الأمل الذي تفقدون.

ايها الليبيون تعالوا نجتمع معا حول ليبيا وطن الجميع، الذي يسع الجميع ولن يكون الا بالجميع، تعالوا لإنقاذ سفينتنا التي تترنح وتكاد تغرق ونغرق فيها جميعا، فالبحر لا يفرق بين سبتمبري او فبرايري، واليم لا يشبع ولا يكل! كفكفوا دموع البكاء على ماضي فات، وتعالوا ننقذ حاضرنا ومستقبل ابنائنا واحفادنا، فهم أمانة في اعناقنا فلا تضيعوهم، فكّروا في اجيالكم وتداركوا منذ الآن أن تصيبكم لعنتهم ولعنة التاريخ التي لا تنتهي! لا تتهربوا من المسئولية فنحن اليوم نتلبسها سلبا وايجابا‘ فلا تسوّدوا وجوهكم، الا فبيّضوها فهو الأولى والأحفظ والتاريخ لا يرحم! أيها الليبيون عجلة الزمن تدور وكل عام يمضي ونحن على هذا الحال يؤخرنا للوراء بضع سنوات فأين العقول؟!

أيها الليبيون توحّدوا وانطلقوا للنهوض بوطنكم حتى يقف عزيزا منيعا، فهوى يتهاوى ويسقط وانتم معه تسقطون، انقذوا انفسكم ايها الغافلون.! ان فرّقتنا السياسة فليبيا تجمعنا، وان فرّقنا الدين  فليبيا تجمعنا، وان فرّقنا العرق فليبيا تجمعنا، وإن فرقتنا اللغة فليبيا تجمعنا! أنظروا وتأملوا ايها الليبيون مهما اختلفنا وتنافرنا وتقاتلنا يجمعنا قاسم مشترك واحد هو “ليبيا” ألا فهل تعتبرون؟! نختلف وتتباين توجهاتنا وتتعدد اعراقنا لكننا جميعا شركاء في وطن واحد، تحضننا ارضه وتغطينا سماؤه في بقعة جغرافية على الأرض محددة موصوفة اسمها “ليبيا”، هيا لنغيّر هذا الواقع المرير ولنحيي معا املنا الموؤود المفقود!



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا