محطة تربوية

محطة تربوية

ليس من يكون وليد أو سليل أسرة أو منظومة أو تجربة أو فكر متنور يرتوي بعقله الذي كرّمه الله به من مختلف المناهل بقيودها النادرة كمن يكون وليد أسرة أو فكر لا قيود له أو نظام عسكري شمولي ديكتاتوري يستبيح الأوطان والأديان تحت رعاية السلطان ويعبث ويلعب بثرواتها وأبنائها ويصادر ويعدم كل محاولات الإصلاح والبناء والرقي فيها، لا يستويان أبدا فشتان بين الثرى والثريا؟

لا شك أن الإنسان يتأثر بالمحيط الذي تربى فيه والمحطات المتنوعة التي يمر بها في حياته والإرادة التي يملكها هي جزءٌ أساسي من تكوينه، فعلى سبيل المثال من نشأ في بيت طاعة وخُلق وخوف من الله تخلّق باحترام الآخرين والتأدب معهم ونشأ طيّب القلب حسُن الخلق، ومن نشأ في محيط عابث لا يهتم لشئ نشأ جانح عن الآخرين رافضا لهم كارها لكل سوي إنسانا كان أو فكرا، فالأشياء تعرف بضدها.

يبدوا أننا في أوطاننا غلبت علينا النشأة العبثية “مع استثناء بعضا من الذين يُسرّ المرء بالإستماع إليهم” التي لا نلقي فيها بالا ولا اهتماما للآخرين فنحن لا نرى إلاّ ما نرى ونجبر ونُكره الناس على أن يروا بما نرى، هذه النشأة تغرس وترسخ فينا عدم احترام الآخر وعدم قبوله بل نتعدى ذلك لتشويه المخالف بعيدا عن القيم والأخلاق والأعراف التي كان من المفترض أن تلجمنا وتكبح جماحنا ولو قليلا !!! تربينا على عدم مراعاة شعور الآخرين وجرحهم ولا نبالي بل أوجدنا شيئا نغوص فيه بالنميمة والقدح وسب الآخرين سميناه …. فاجرح وارغي وازبد واشتم وخض في الناس وتتبع عورات الناس والدعاة والعلماء كما شئت باسم ما بدى لك ولكن إعلم أن الدين والعلم والأخلاق لا علاقة لهم بكل ذلك الهراء، ولك أن تلتفت يمينا وشمالا فالعجب العجاب ترى وتجد!!!

إن هذه النشأة المتداخلة المتناحرة بداخلنا هي التي تجعلنا نفقد الميزان في تقييم الإنسان وما حولنا وتضيع البوصلة ونتيه وراء سراب لا حقيقة له ونحارب الحقائق ولا نلي جهدا في ذلك؟ نشأة سادية تجعلنا نرى الحق باطلا والباطل حقا ولا غرابة، نشأة تجعلنا نتبع ونفهم الحق وفق هوانا. إن الوقوف بينهما ليس وارد فلمن يختلط عليه الأمر ربما يقول: أن هذا الأمر فيه من الحق كذا ومن الباطل كذا، أما أن نقلب الأمور الواضح باطلها أو التي يشوبها الشك وملتبس فيها إلى حق يدافع عنه بكل ما أوتي فذلكم الباطل والضلال بعينه ونحن في ذلك إلى اتباع الباطل أقرب يقول الله جل جلاله: “فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُون” (يونس:32).

ولهذا يقف كثيرا منا معرقلا لكثير من الأفكار والمشاريع التي يستفاد منها في مجتمعاتنا وأوطاننا لأننا تربينا على سياسة القطيع نُساق فننساق فالذي لا يتبع طريقنا وطريقتنا هو منحرف وضال فالأفكار تزرع في عقولنا دون وعي منا عن طريق الإعلام أو بعض الرجالات على مختلف توجهاتهم. فمتى نعي ونعلم أن شعرة بسيطة فقط تفصل بين الإصرار والحماس لفكر أو منهج أو جماعة وبين العناد والجهل، فهل نستيقظ يوما ونعقل ونعلم أننا ميزنا بالعقل لنعلم ونعمل به؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

نوري الرزيقي

كاتب ليبي

اترك تعليقاً