مع تكفيرهم.. الأمازيغ الأباضية مفتاح السلم في طرابلس

مع تكفيرهم.. الأمازيغ الأباضية مفتاح السلم في طرابلس

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

بسبب الصراع السياسي  خلال الخمسة سنوات الماضية رفض الأمازيغ الانحياز إلى أي طرف في الحروب التي تمت على أرض ليبيا. ومع نجاح  بعض المخططات الحربية الخارجية في إقحام بعض الأمازيغ كأفراد إلا أنه استوعب اليوم معظم الأمازيغ، وبالرغم من تكفيرهم، بأنهم لن يكونوا لقمة سائغة لأجندات خارجية تنفذها أيادي ليبية. وإذا ما استثنينا بعض فرق السلفية المتطرفة فالجميع في ليبيا مالكية وأباضية أو غيرهم يصلون وراء، ومع، بعضهم. يدفنون موتاهم بنفس المقابر، ويشتركون مع بعضهم في جميع المناسبات الدينية والوطنية وكذلك جميع مناسباتهم الاجتماعية. بل بعض العائلات، ومن مدن مختلفة، توطدت العلاقة بينهم بالمصاهرة مع بعضها!

“ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”:   

“رب ضارة نافعة” ومع الخطورة الحقيقية لفتوى  اللجنة العليا للإفتاء التابعة لبرلمان طبرق وللحكومة المؤقتة في ليبيا، والصادرة بتاريخ 9 يوليو 2017 إلا أنها شدت انتباه الوطنيين من بنات وأبناء الأمة الليبية وكذلك بعثة الأمم المتحدة في ليبيا والعالم إلى تسلل الفكر التكفيري البشع الأجرامي ،بعد تصديره إلى ليبيا بأموال خليجية، والجرأة على المجاهرة ورسميا بتكفير الشعب الأمازيغي الأباضي الأصيل وعلى مرأى ومسمع مؤسسات الدولة الليبية التشريعية وحكوماته المختلفة!!! وهؤلاء المخططون ينتظرون زلة قدم من الأمازيغ لتستعر نار الحرب في ليبيا من جديد. ولكن الحمد لله برجاحة عقل الكثير من الأمازيغ أحبطت المحاولات الليئمة، والمتكررة، لإشعال نار الحرب في المنطقة الغربية من جديد. وليعلم الشعب الليبي، وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والعالم  بأن هذه الفتوى التكفيرية قد تخدم أحدى السيناريوهات التالية:

  • بعد فشل ادخال طرابلس في حرب قد يفهم بأن هناك من ينتظر قيام أحدهم بعمل متهور جبان ضد  الأمازيغ لتشتعل الحرب في طرابلس ويكونوا جسرا لتبرير دخولها.
  • نقل الصراع الخليجي أو بالأحرى معاقبة سلطنة عمان بعد أخذها الحياد بتفجير الصراع السلفي التكفيري الأباضي لبدء نقطة الانطلاق من جبل نفوسة!
  • نسأل الله سلامة الجميع لكن ربما أحد السيناريوهات نقل الصراع الأخواني (القطري التركي) والسلفي (السعودي الأماراتي المصري) عبر فتح باب الأباضية.
  • بعد تصريح وزير خارجية مصر (بتاريخ 26 يوليو 2017) على فرانس 24 بأنه يوجد تأهب تام على الحدود الغربية لمصر بعد تحرير الموصول وليبيا ستكون ملاذ أمن للإرهابيين الفارين من العراق.. والسؤال هل يعني أن تكفير ألباضية سيكون طعم جذاب بعد فشلهم في دولتهم الأسلامية “داعش” وهل ستكون حدود مصر الغربية البوابة المفتوحة لأبادة الإباضية؟؟؟!!!
  • لا يستغرب أن يتم بذلك تجديد وبعث فتنة إباضية الجزائر التي خمدت من فترة ليست ببعيدة.  
  • استخدام الفتوى التكفيرية كفزاعة لإبعاد الأمازيغ من المشاركة في تعديل اتفاق الصخيرات، والتشويش على استعداداتهم للأنتخابات الجديدة،  أو أبعادهم من المشاركة في كتابة الدستور، أو في تشكيل الحكومة الجديدة.

بعض السلفية لا تقصدهم مقالتي !!!

وإن يتفق الكاتب مع أهمية تصحيح العقيدة في رفض أي وساطة لعبادة الله والدعاء إليه ..إلا أنه يرفض تماما، أو بالأحرى يختلف مع، الفكر السلفي بجميع فرقه الحديثة والقديمة ولكن سيحترم قناعة كل من يريد أن يجعل من السلفية أسلوب حياته الخاص به دون أن يفرضه بالقوة على الأخر بحجة شرع الله وسنة النبي محمد صل الله عليه وسلم!!! قد نجد أحيانا من التطرف في الانحراف الأخلاقي والانحطاط السلوكي في الحياة المعاصرة ما قد يدفع البعض ليكون مختلفا في لباسه، ما لم يشكل مشكل أمني أو أخلاقي، وطريقة صلاته، أو رفضه  الأعياد الاجتماعية والوطنية والعالمية وهذا مقبول ما ألتزم به لنفسه دون فرضه على الأخر. إلا أن تكفير الأخر لا يجوز لأنه حق رباني ويقع ضمن اختصاصات الخالق سبحانه وهو فقط سيحاسبنا عليه في الآخرة وليس في الدينا!!! فالدينا عمل بدون حساب من الله والآخرة  حساب ولا عمل.  وهذا تضمنه جميع الشرائع الدينية والإنسانية فبالنص القرآني ودلالاته القطعية  “لا أكراه في الدين” يعطي الحق لآي إنسان في اختيار دينه لذلك فمن  باب أولى أن يلقى الحق في اختيار ملابسه وطريقة صلاته والاحتفال بالأعياد أو رفضها. ومن هنا يؤكد الكاتب على أن ما يكتبه لا يعني أو يقصد به من  يرى في السلفية: ” شأن خاص به أو بها”،   أنما ما يناقشه هو الفكر الذي يعتمد على تكفير الآخرين ويسعى لتطبيق أفكاره بقوة الدولة الدينية !!! وكذلك كل من يدعون إليه ويمولونه بالداخل والخارج.

التكفير مع سبق الإصرار والترصد:

تم التمهيد للفكر التكفيري برفض الصلاة وراء من يخالفهم من إباضية ومالكية وأقاموا صلواتهم لوحدهم في مساجد ليبيا ثم كانت الخطوة التالية، وبتمويل خليجي، بناء مساجدهم الخاصة لنشر فكرهم الرافض للأخر والمكفر لكل من يختلف معهم. وواكب ذلك نشر مطوياتهم وكتيباتهم الموزعة في كل مكان حتى وصلت للمحلات التجارية وصالونات الحلاقة. و بدأت الإرهاصات التكفيرية العلنية مع خروج اللواء عبدالرزاق الناظوري أمر المنطقة الشرقية والأمر بمنع سفر المرأة بدون مرافقة مُحرم. وكان مؤشرا خطيرا ليفتح باب التساؤل هل بدأ السيد خليفه حفتر يفقد سيطرته على شركاءه  السلفية في مشروع الكرامة؟؟؟ أم بات أداة تنفيذ طيعة لهم!!!

كان الإعلان الفاضح والواضح عن التكفير بعد صدور الفتوى بأن الأمازيغ الأباضية “عندهم عقائد كفرية” والتي كانت عبارة عن رد لسؤال من سلفي مدخلي ينسب إلى أحدى مدن جبل نفوسه بتاريخ 9/7/2017 وجاء بعدها الاعتذار لتأكيد الفتوى في 22/7/2017 : ” فكلّ من يعتقد هذه العقائد لا تجوز الصلاة خلفه سواء كان عربياً أم أمازيغياً، إباضياً كان أم أشعرياً.” بل زادت الحكومة المؤقتة التابعة للسيد عبدالله القني في تأكيد ذلك بتاريخ 25/7/2017 بل ووسعت من دائرة التكفير بحيث ذكرت بأن التكفيرين مثل: “الشيخ الصادق الغرياني وهيئة علماء ليبيا وقناتي النبأ والتناصح”. 

الإباضية بين الحاضر والماضي:

بالنسبة لمعظم الأمازيغ اليوم الأباضية تعني التسامح فلا يتردد الأباضي قيد أنملة في الصلاة وراء أي أمام ينطق بالشهادتين، والكاتب صل بمساجد طهران دون تردد، بما في ذلك الجمعة، عندما شارك في مؤتمر علمي سنة 1996 بإيران. نعم فعند عموم الأمازيغ تختزل الأباضية في عدم رفع الأيدي عند تكبيرة الأحرام، وبعض المتعلمين منهم قد يضيف أن الأباضية لا تشترط في الأمام الحاكم أن يكون من آل البيت أو أن يكون قريشي عربي .. القلة القليلة الدارسة للفقه الأباضي على علم بتفاصيل المذهب من جوانبه الفقهية والعقائدية. فيرون في قواعد الإسلام بأنها: العلم، والعمل، والنية، والورع.

أما بالنسبة للأباضية في الماضي فهم يتبعون الأمام التابعي جابر بن زيد المتتلمذ على يد أستاذه عبدالله بن عباس، وعرف المذهب بحياده في مساءلة التحكيم بين سيدنا علي ومعاوية وتجنب الدخول في الحرب. وحملوا أهل الاستقامة، كما يطلق عليهم،  أسم الأباضية  نسبة إلى الشيخ عبدالله بن أباض..وأبرز مسائلهم الخلافية مع بقية المذاهب عدم رؤية الله وكون القرآن مخلوق. فيرون بأن معنى الآية “وجوه يوميذ ناضرة إلى ربها ناظرة” فالمقصود بها انتظار العباد يوم الحساب دورهم ليحاسبهم الله.  كذلك يرون الأباضية في رؤية الله الانزلاق في متاهة التجسيم أي تجسيم الله وتحديده. أما بالنسبة لكون القرآن مخلوق لآن . عموما  يرى الكاتب بان كلا الاتجاهين لا ينقص من درجة الأيمان بالله ولا يؤثر في درجة اتقان العمل وعمارة الأرض. فرؤية الله سابقة لأوانها والأهم في القرآن العمل به وليس كونه مخلوقا أم لا!   

نزع فيل الفتة التكفيرية:

حرص الأمازيغ من ناشطين وحقوقيين ومثقفين بعد تأجيج الوضع وخاصة بعد المناصرة التي تلقاها الأمازيغ من عدة أطراف مناظرة من الشعب الليبي إضافة إلى الكثير من الشخصيات السياسية المستقلة. فمع الإحاطة الكاملة من قبل منظمة الأصالة والتنمية بخطورة الفتوى زاد على ذلك المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا بالتحرك نحو بعثة الأمم المتحدة وتسليمها مذكرة بتاريخ 24 يوليو 2017  شارحة لخطورة الموقف ومشيرة إلى خوف الأمازيغ من الإبادة العرقية. حيث أن ليبيا ما زالت تقع تحت البند السابع أي الحماية الدولية. وعبرت المذكرة عن قلق المجلس من عدم وجود أي استنكار من البرلمان أو المجلس الأعلى أو حكومة السراج التي لم ترد إلا باستحياء بعد تظاهرة صلاة الجمعة التضامنية 21/7/2017 بمدينة جادو بجبل نفوسة .

كلمة للمبعوث الأممي:

لا تعتذر أيها السيد المحترم/رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عندما تستبيح السلفية التكفيرية حرمة دماء وأعراض وأموال الأمازيغ الأباضية فعندها سندينكم والعالم بمشاركتكم في الجريمة ..

توصية:

على الشعب الليبي أن يعي اليوم ،وخاصة المنبهرين بالفكر السلفي التكفيري، أنهم يساهمون بهذا الفكر في زعزعة أمن ليبيا ويخدمون من يسعى لنشب حرب أخرى في ليبيا. فمحاولة الهجوم من القربولي شرق طرابلس ليست ببعيدة التي أفشلت بإيعاز أمريكي للانسحاب.. كما  نأمل من رئيس البعثة ومجلس الأمن وجميع المنطوين تحت الأمم المتحدة من مكاتب حقوقية اتخاذ خطوات جدية تجاه ظاهرة السلفية التكفيرية في ليبيا والعالم والتأكيد على أن تحمل جميع الدساتير الجديدة نصوص تحرم التكفير لتضمن حق الحياة!!! فإذا كان الجدل في أروقة الأمم المتحدة حول عقوبة إعدام المجرمين القتلة واتفاقية روما!!! فمن باب أولى حماية الأبرياء من الأمازيغ الأباضية وغيرهم.. فحق الحياة منحةٌ من الله جل وعلا وليس من حق أحد سلبها بسبب المعتقد والرؤى المذهبية وخاصة ما يتعلق بالعلاقة الخصوصية بين العبد وربه. تدر ليبيا تادرفت

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً