قطر وأخواتها، أزمة عابرة وسيعود الوئام

قطر وأخواتها، أزمة عابرة وسيعود الوئام

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

قطر وان بدأت نقطة البداية منها في بعثرة الشتات العربي في هذا العصر، فهي ولاشك لم ولن تكن الأخيرة في مساق التجاذبات الدولية التي تتطلبها مقتضيات اللعبة الدولية، والتي تحاك خيوطها بعناية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ان مسلسل تفكيك الكيانات العربية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وفق ما رأته آنذاك بعض الدول المتنفذة والتي تعتبر نفسها بمثابة الوصي على المنطقة، يبدو أنه اصبح يسير في اتجاه جديد تفرضه معطيات واقع جديد، تحكمه حزمة من المصالح الاستراتيجية الدولية بتأثير اقتصادي أمني فعال، لمنظومة عالمية مسيطرة على صناعة القرارات الدولية ومتحكمة في سياسات الدول عبر كل الاتجاهات.

قطر هذه الدويلة الصغيرة، شاءت المنظومة الدولية المسيطرة على العالم اليوم، ان تكون نقطة ارتكاز مفصلي في عمق المنطقة العربية، يمكن من خلالها تمرير سياسات الكبار، فقد تم استخدامها كأداة ناعمة لإحداث ما هو مخطط له، وفق استراتيجية احتواء سياسي موجه، ومدفوع بمركز مالي واقتصادي مناسب جعل بعض الحكومات  العربية الهشة تنساق وراء تياره الذي وإن كان هادئا في بداياته فهو سرعان ما يتحول الى الهيجان كما حدث في دول ما يسمى الربيع العربي!

لقد طال تيار التغيير الدراماتيكي حتى الآن كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر، وان تباينت وسائله وشدة تأثيره في تلك الدول، لكن نتائجه تحققت وفقا لأهداف معينة فعليا، في تغيير زعامات عربية ما كان ممكنا ازاحتها، واليوم بعد مضي حوالي 7 سنوات من فورة وهيجان بركان ما سمي الربيع العربي، يبدو ان اتجاه التيار قد يتحول الى مركز الدائرة، في حركة دورانية مركزية مثيرة، ولهذا نشهد اليوم ما يحدث لنقطة المركز وهي ” قطر” من حصار شديد تفرضه عليها دول كانت الى وقت قريب تسير في مسار واحد و نسق مشترك، من خلال تكتل إقليمي وهو مجلس التعاون الخليجي، مثل السعودية والامارات والبحرين، بالإضافة الى مصرالتي هي خارج المجلس.

فهل يمكن التكهن اليوم، ان وراء ما يجري الآن في الخليج العربي من تحركات ظاهرة وباطنة، أهدافا مخفيّة قد ترمي الى خلق حالة تغيير جديدة، في اطار استمرار مسلسل التغيير المستهدف للمنطقة برمتها، امتدادا لما جرى ويجري في دول ما يسمى بالربيع العربي!؟ وقد يكون المستهدف الآن هو السعودية باعتبارها القوة الاقتصادية المركزية في المنطقة ، وهي مركز الجذب الاقتصادي إقليميا والديني عالميا، وقد آن الأوان لإحداث التغيير الضروري فيها بما يلبي مقتضيات المرحلة وفق حاجيات الدول الكبرى المتنفذة، ضمن دائرة ابعاد الخطر وتأمين الذات النابعة من استراتيجية امن العالم من أمن إسرائيل التي تنتهجها امريكا!

هذا الحراك أتوقع ان تنتج عنه معطيات جديدة على الساحة، في مقدمتها تغيير شامل لسياسة المملكة السعودية ترتكز على انفتاح واسع عن الثقافات الدولية المعاصرة، ما يشكل خروجا ظاهرا لها من طوق التشدد الديني الذي احكم بحلقاته على المجتمع هناك عقودا طويلة، وفق رؤى قديمة تجاوزها الزمن، ولعل بوادر التغيير قد بدأت فعلا من خلال جملة الإجراءات والسياسات الجديدة للملكة السعودية، والتي تتبلور في رؤية 2030 التي يقدمها ولي عهدها الشاب محمد بن سلمان كخارطة طريق مستقبلية للمملكة السعودية!

فهل هذا يعني ان المفهوم النمطي للإسلام وفق الرؤية القديمة قد تجاوزه الزمن؟! لتدخل المنطقة في عهد جديد من التغيير العصري وتنفتح السعودية عن العالم بعيون جديدة وافق جديد بشريعة إسلامية معتدلة متجددة، صالحة لكل زمان ومكان، تستند الى التمسك بالثوابت في العبادات والى الاجتهاد والتجديد في المعاملات؟! وهذا المساق في الواقع تنتهجه قطر في السابق وتدعمه من خلال منهجية الاخوان المسلمين التي  يبدو انها اصبحت الآن غير مقبولة واستهلكت سياسيا! فهل نشهد تخلى قطر عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين مقابل تخلي السعودية عن تيار التشدد الديني!؟ وعندئذ تكون الأمور قد تهيأت والأزمة قد تلاشت وتعود قطر الى محيطها الإقليمي وبدون حرج! أعتقد ذلك وأن الأزمة القطرية مآلها الى الانفراج وسيعود الوئام من جديد بين الاشقاء.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً