يا سعدودي.. يا سعدودي..!!

يا سعدودي.. يا سعدودي..!!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

قصة قصيرة نشرت قبل 10 سنوات خلت

السادة القراء الأعزاء وأنا استرجع بعضا من ذكريات كتاباتي القديمة وجدت هذه القصة والتي كتبت ونشرت قبل 10 سنوات خلت في بعض الصحف الالكترونية، ورأيت اليوم ان اعيد نشرها لما تحتويه من بعض العبر والحكم فهي تحكي واقعا كنا نعيشه في ذلك الزمان الذي وددت ان اعود بكم اليه ، فلكم مني التحية وهذه مجريات القصة:-

نجح مسعود في الفترة الأولى للصف الثاني ثانوي . منحه أبوه عشرة دنانير تقديرا لذلك، مبينا له قيمة “العشرة” التي تساوي تقريبا 5% من دخله الشهري!! مسعود شخصية مرحة يمتاز بروح الدعابة ويتقن التفكه!! والآن إليكم الحكاية على لسان أصحابها:-

مسعود:، توا صوقرنا العشرة،، وبنمشي بها لطرابلس.. أي..آي.. حقه بالمرة نحضر بها مباراة.. زي صاحبي مبروك!!.. وفي صبيحة يوم خرج مسعود من بيته .. يحدث نفسه:.. اليوم نبوا طرابلس.. و بتخش يا مسعود الملعب وتتفرج على المباراة ..حيحي.. ويفوز فريقي!! توا المشوار يبدأ من شد الطريق.. ما هو لازم هكي بيش العشرة تسد!! يضع يده في جيبه يتحسس العشرة .. توينك  يا “عشيرة”!!  باهي.. باهي.. قاعدة..  هيا عاد..هااااذي الطريق وصلناها.. لكن زعمة نحصلوا صاحب خير  يوقفنا بكري .. والا،، زي هذيك المرة لما كنت مع بوي.. قعدنا قريب ثلاث ساعات تصلي فينا الشمس!!.. ربي يستر.. حيييه لو كان توقفلي وحدة من السيارات “الصقع” حتى نجربوا ركوبها .. اخخخخ احلم يا مسعووود!!.. وفجأة سيارة فارهة تتوقف وينادي سائقها ،، هيه ياولد..تعالى. يلتفت مسعود يمينا ويسارا،، زعمة على من ينادي هذا!! يتكرر النداء.. يا ولد.. أنت.. تعالى ..يتقدم خطوة ..أنا .. قصدك أنا يا عمي؟!.” أيوة.. من غيرك.. هيا تعال”.. هيهي.. ريت الحظ،، شورها شدت فيسع.. يفتح الباب.. يسلم على السائق.. ثم يركب.. يبادره السائق.. وين شورك؟.. يجيب..  “طرابلس”.. كويس حتى أنا ماشي غادي ..يمازحه.. لكن كم تدفع؟! اللي تبيه ياعمي..!!( زعمه يديرها حق ويكسرنا العشرة!!.. يخاطب مسعود نفسه.. يالا.. امالا ركوب الكراهب “الصقع” ساهل!!)

انطلقت السيارة من مزدة وفي غريان يعرج السائق على محطة الوقود، وحيث أن الخزان من الجهة اليمنى يترجل مسعود ليقوم بمهمة التعبئة.. يسأل.. بكم ياعمي؟؟ عبّي ..عبّي. .. ينظر إلى العداد.. دينار ..اثنين.. ثلاثة….. سبعة..الخ.. وي .. وي.. قدّاش تشرب الخالية!! عشرة باهي!! باهي.. يجيب السائق. يدخل السائق يده في جيبه.. يا ساتر شورنا نسينا “التيزدان” ..تره بالك في الجيب الآخر.. اووف ..مافيش.. بالك في “قجر” السيارة..والله ما فيه!!.. شينك عملة.. يترجل مخاطبا مسعود :،، نسينا الفلوس.. ياوالله عملة… مسعود.. اهو معاي عشرة يا عمي .. صحّيت.. توا اردهالك وين نوصلوا طرابلس.

تنطلق السيارة.. يسأل مسعود:.. قول ياعمّي… قدّاش يسدّها التنك؟!.. السائق حسب المشاوير ،، مرات تعبي حتى مرتين في اليوم!!. شنووو معناها عشرين دينار في اليوم..!! وووه هلبه .. قدّاش غالية البنزينة !! هذا علاش بوي ما يبّيش يشري سيارة!!..ويش يعمل بوك ؟ .. موظف .. ااام موظف.. على فكرة اليوم أول يوم في الزيادة الجديدة.. هههههه.. يضحك مسعود.. والله ما ندروا عليها زادت وإلا نقصت!!.. لكن ليش زادوها !! هما هكّي قريب كل عام يزيدوها شوية.. توا انقوللهم معادش تزيدوها ،، امالا كيف تبونا نديروا سيارات حتى احنا.. اللي فلوسنا شوية.. هههههه يضحك الاثنان.

تدخل السيارة طرابلس ويتوقف السائق عند مكان ما.. خلّيك يا مسعود ،، دقيقتين وجاي.. ماشى هاني قاعد.. “فرصة بدا فيها مسعود يتأمل مكونات السيارة من الداخل مبهورا!!” .اّي!! أيّ!! عليك سيارة شوف.. شوف.. كل شىْ  بالططش.. ياعيني.. كل شي هاي هاي.. اما سيارة صقع بالحق!!.. نحصلوش وحيدة زيها بعد نكبروأ!! ياودّي ماااااندري.. يقطع عليه السائق ويسأل:.. وين تبّي بالضبط يا مسعود؟ الرياضية ..الرياضية.. شن عندك فيها أقارب؟ ..لا ..لا نبي نحضر مباراة.. توا جاي مقطّع من مزدة!! علشان تحضر مباراة.. فكك منها.. ما تجيب كان المشاكل.. وبعدين احسنلّك تمشي تتفسّح وتشوفلك أماكن وخاصة الكورنيش.. ياودّي ما نشربش فيه الكرنيش..  السائق هاهاهاها.. قصدي الشاطىء ..البحر..

وتنطلق السيارة وأمام مدخل الرياضية تتوقف .. هاك يا مسعود فلوسك وبارك الله فيك وصحّيت .. شكرا شكرا يا عمي.. وقبل أن تتحرك السيارة.. عمي!! عمي!! ارجى ..ارجى هاك فلوسك جو مع العشرة ..السائق.. لا..لا.. عارف هذوم هدية مني لك.. تستاهل أكثر.. لا..لا ياعمي.. خوذ فلوسك.. السائق : شد يا ولدي قلتلك.. هذوم هدية مني.. وهذا رقمي أعطيه لبوك وسلملي عليه هلبة!! بعد إلحاح.. يقبل مسعود.. بارك الله فيك يا عمي وسامحني!! بارك الله فيك ياولدي ..رد بالك من روحك.. هيا مع السلامة..مسعود،، في آمان الله ياعمي في آمان الله. يقترب مسعود من الجدار وفي خلوة يعد النقود.. اووه!! شنو هذا والله مبلغ كبير 200 ديناااار … “يا سعدودي مفرح جودي”… يضعهم في جيبه ويطرق في التفكير.. ياودّي حكاية المباراة فوتها يا مسعود اليوم!!.. خير من يخنبو الفليسات ونقعد حببّي ..لا..لا.. خليني نأخذ نصيحة عمي أحسن..

قضى مسعود نهارا ممتعا تجول في المدينة واشترى بعض الأغراض وفي المساء قفل راجعا. وقبل المغرب بقليل يدخل مسعود بيتهم. أول من قابلته أمه ..روحت يا سعودة.. الحمد لله..الحمدلله.. من بكري انراجوا قلنا كان ما يريح.. يقاطع مسعود.. وكان رحت المساعيد هلبة!!…هههههه..بعيد السوء يا وليدي!! يامة يامة غير تعالي نحكيلكم على مغامرات مسعود اليوم!! وفي الصالون يتحلّق إخوته وأخواته حوله ويبدأ يوزع عليهم بعض الحلوى والبسكويت والشوكولاتة.. يسأل مسعود وين بوي؟ .. يا بوي.. يا بوي تعالى تعالى.. الأب خيرك شنوا فيه .. غير تعالى..  يدخل مسعود يده في جيبه ليخرج النقود ويقدمها لأبيه.. هاك يا بابا 200 دينار.. دينار ينطح دينار.. الأب – غاضبا- شنو هذا منين جبتهم ياولد؟! اليوم يومك يا …….!! مسعود: غير روق يابوي غير روق.. هاك هالرقم واتصل بعمي يحكيلك .. يتصل الأب ويسمع الحكاية ويطمأن على الأمر ..يشكر ذلك الرجل ثم يحتضن ابنه.. رورورورورو ..زغروته لا إرادية تنطلق من الأم.. وفي الأثناء تصيح الطفلة الصغيرة .. ماما ..بابا..ماما..بابا .. ديمة أعطوا لمسعود عشرة.. بيش ايجيبللي حلوة وبشكطّي!! يضحك الجميع ويقدم الأب عشرة دينارات قائلا.. خذها يا مسعود جزاء صدقك وأمانتك .. شكرا.. شكرا يابوي.. ريتوا.. هذا شىْ يخليك تقول( يا سعدودي ..يا سعدودي… يا عشرة تمشى وتعودي!!)

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً