من الكرامة إلى الجيش وحثمية التصفية

من الكرامة إلى الجيش وحثمية التصفية

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

ما حدث يوم الثلاثاء والأربعاء الماضيين (نطلب لهم الرحمة) لم يكن إلا حلقة عنف مبرمجة في مسلسل لم ينقطع منذ أربعة سنوات، الجديد في الأمر أنه يحدث بعد إعلان تحرير بنغازي من المجموعات المتطرفة، وأن (الجيش العربي الليبي) مسيطراً على زمام الأمور وأن ألآجهزة الأمنية الخمسة في العهد السابق مفعلة وأنها لا يصيبها غفوة ولا نوم ولا يعزب عنها ذبيب نمل إذا كان له علاقة بشورى ثوار بنغازي. هذه الصورة البانورامية كانت حلما يدغدع عواطف المجموعات الجهوية والقبلية (بشيوخها ونوابها) التي تحالفت ودعمت عملية الكرامة منذ أن كانت فكرة تجول في مخيال قادتها إلى إصطناع ترتيبات الإغتيالات (كما إعترف بذلك قادتها المنشقين)، إلى خوض المعركة لتهجير ألاف الأهالي ممن لا إنتماء قبلي لهم، لأسباب عدة منها إقتصادية وإجتماعية/ثقافية، وهذا يتقاطع مع طموحات العسكر للوصول إلى هرم السلطة كما حدث في مصر ويخدم سياسات إقليمية مصرية/إماراتية لا يمكن الحيود عنها.

لبلوغ الأهداف السابقة مجتمعة كان تشكيل جيش الكرامة من كل ما هب ودب من سقط المتاع، قوات نظامية من جيش القذافي، أتباع المدخلي التكفيريين، أبناء قبيلة العواقير الذين دفع بهم مشائخهم لحتفهم، أبناء الفرجان الذين هبوا للحمية القبلية ولكبيرهم الذي تربع على عرش برقة و متربص لحكم ليبيا، إضافة إلى التبو والعدل والمساواة و بعض القبليين من الغرب الليبي، وبذلك إستطاعوا إنشاء مجموعات مقاتلة لدك أحياء بكاملها، وإسقاط البيوت على أهلها وترويع أطفالها وقتل المدنيين المتشددين منهم وتشريد وتهجير المتسامحين ممن لا قبيلة تقوم بحمايتهم.

قيادة (الجيش العربي الليبي) تعلم أن الجيش لا يكون بهكذا فسيفساء مبعثرة، وأن دخول الإنتخابات من أجل الوصول للحكم لن يتم بثوب مهلهل، وأن قيادات هذا الجيش (المسخ) لم تثبث جدارتها لا في محاربة الدواعش ولا في تامين الجنوب ولا في إعتراض المهربين عبر مصر والسودان ولا في إيقاف توريد الحاويات الفارغة، ولا في كسب ود التشكيلات المسلحة السلفية في الغرب الليبي.

القيادة العسكرية تعلم أن السيسي لم يصل للحكم إلا بمؤسسة عسكرية قوية، وأن إنتخابه للمرة الثانية لن يتم إلا بتصفية منافسيه من العسكر، شكري، سامي عنان وغيرهم، ولذا فإن إعادة هيكلة الجيش تتطلب التخلص من المنافسين وممن لهم معلومات عن خبايا الأمور،  ومن أبدى إمتعاضا من تسيير المؤسسة العسكرية وتدخلها في الشأن  السياسي، ومن يحاول كبح تغول العسكر، ومن له ولاء قبلي أو مذهبي مثل المذاخلة، جميعهم سيطالهم الإغتيالات والتفجير من أجل توحيد العسكر المتشظي، مع الإعلان المستمر بفتح التجنيد،  ولقد رأى الجميع زمرة المنشقين الذين كانوا يتنفسون كذبا وبهتانا لإنجاح مشروع الكرامة، قد هربوا من بنغازي وتوارا عن الأنظار، أو برروا لأنفسهم مواقفهم السمجة، حيث لا ينفع التبرير ولا الندم.

لعل التفجيرات والتصفية الجسدية للسجناء الأخيرة والقادمة قد تغير من نظرة المجتمع في المنطقة الشرقية عامة وعند قبيلة العواقير على وجه الخصوص من  نظرتهم لمشروع الكرامة، وأن تسليم الأمر لشيوخ القبائل وطمس إرادة المواطن كان نذير شؤم على قطاع كبير من العائلات حيث دفن عشرات الألاف من  الشباب في عمر الزهور وقطعت أطراف ألاف أخرى، وتعالت أصوات الثكالى، ورُمل  الأطفال، ونُشر الرعب، لا لشئ سوى لتمهيد لدعي أن يتولى الحُكم.

نهاية الأمر أن الحل الأمني لن يؤسس لدولة ولن ينشر الأمن والسلام في المجتمع، والحكمة تقتضي التوافق المجتمعي، لكنه الغائب الحاضر دائما. وحتى يتم ذلك نتسأل: كم هي الحكمة غائبة !!!  وكم يعيش على هذه الأرض  من المغفلين!!!.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً