الآليات الممكنة لتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا

الآليات الممكنة لتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد انتجت احداث انتفاضة فبراير وما بعدها انقساماً كبيراً بين الليبيين، حيث انحصر ذلك الانقسام في فريقين اثنين: فريق مؤيد للإنتفاضة، وفريق مؤيد لنظام القذافي، ولقد ترتب عن ذلك نشوء حالة من الاختلاف سببت في إحداث شرخ كبير في نسيج اللحمة الوطنية لليبيين، وبعد مرور 7 سنوات من عمر الانتفاضة لا تزال ليبيا تعيش وضعا منقسما عن نفسه في بنائها المجتمعي سياسيا ورسميا، فقد تراكمت الخلافات وازدادت حدتها بين الليبيين بعد ان تقاتلوا فيما بينهم، وسالت انهار الدم في اكثر من منطقة. ويكون طبيعيا ان ينتج هذا الوضع حالة من اللا توافق، بلغت حدا كبيرا الى درجة اصبح الخوف على مستقبل البلد هاجسا قائما لا يمكن تجاهله، الأمر الذي يجعل من البحث عن سبل كفيلة بتحقيق المصالحة بين الفرقاء في ليبيا أمرا واجبا تقتضيه الضرورة الوطنية.
ان الهدف الأساسي من هذه الورقة هو إيجاد اطار عملي يتضمن آليات فعلية ممكنة لتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية على الأرض من خلال البحث عن السبل والطرق الكفيلة بذلك، في هذه الورقة يسلط الضوء على مدى الحاجة الملحة للمصالحة الوطنية بين الليبيين من خلال الاستناد الى ما تقره الشريعة الإسلامية من دعوة صريحة للمصالحة بنصوص من القرآن والسنة وما تحدده من أبعاد للمصالحة وآليات ينبغي اتباعها لتحقيقها على الأرض، وتستشهد الورقة أيضا بمجموعة من التجارب الدولية في مضمار المصالحة والعدالة الانتقالية لتخرج من ثم بمجموعة من التوصيات التي تمثل في الواقع خطوات حقيقية في شكل آليات يمكن تطبيقها لتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية بين الليبيين. ولعل من اهم ما توصلت اليه هذه الورقة من نتائج هي الحاجة الملحة لإنجاز مشروع المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا ومسابقة الزمن في ذلك منعا لمزيد التأثير سلبا على مصير الشعب الليبي ومستقبله، الذي صارت تهدده مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية في غياب التوافق، ان هذه الورقة تشير الى ضرورة ان يجتمع كل الطيف الليبي في ملتقى عام للحوار يتم فيه تبني ميثاق شرف اجتماعي يضمن الحفاظ على الثوابت الوطنية لدولة ليبيا متمثلة في حرية الشعب الليبي وسيادته على أراضي ليبيا ووحدتها الترابية وصون مكتسبات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطات بين الليبيين، والاتفاق من ثم على آليات مناسبة ممكنة التطبيق تحقق رغبة كل الليبيين في السلام وإعادة اعمار بلدهم في جو من التصالح المجتمعي يضمن جبر الاضرار وانصاف حقوق الضحايا لكل الليبيين دون تمييز من خلال برنامج للمصالحة والعدالة الانتقالية.
الآليات الممكنة لتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا
1-0 تمهيد
ليست ليبيا حالة استثنائية فيما يصاحب حدوث الثورات والانتفاضات من فوضى، وما يترتب عنها من نتائج تمس بالنسيج المجتمعي للشعوب، فالكثير من دول العالم عبر التاريخ مرت بحالات من الانقسام المجتمعي سياسيا ورسميا، ولكنها عادة ما تتجاوزها في النهاية، وان اختلفت الفترات الزمنية في ذلك، ولكن الثابت هو انه لم تتمكن تلك الدول من العبور الى بر الأمان والاستقرار الا من خلال مصالحة وطنية شاملة يقود اليها توافق مجتمعي في هذا البلد او ذاك، وفق آليات واضحة المعالم تحفظ فيها حقوق الجميع بعدالة انتقالية شمولية مصحوبة بتضحيات متوازنة من كل الأطراف دون افراط او تفريط.
1-1 مشكلة الدراسة
حيث ان ليبيا تعاني منذ انتفاضة 17 فبراير 2011 م وضعا مضطربا وغير مستقر، ولم تتمكن حتى الآن من تجاوز حالة الفوضى الأمنية والانقسام السياسي، متمثلا ذلك في وجود اكثر من جهة واحدة تمتلك السلاح، واكثر من جسم تشريعي وتنفيذي واحد، اذ يوجد الان في ليبيا حكومتان: واحدة في الغرب تسمى “حكومة الوفاق المقترحة” والثانية في الشرق وتسمى “الحكومة المؤقتة” ، كما يوجد مجلس للنواب منقسم عن نفسه في طبرق، ومجلس للدولة منقسم على نفسه ايضا في طرابلس، بالإضافة الى بقية من المؤتمر الوطني العام. وبالرغم من التوقيع على المستوى السياسي على اتفاق مصالحة في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015 م، الا أنه لم يتم التوافق على تفعيله وتطبيق بنوده واقعيا حتى الآن! ولا يزال الحوار بين الطرفين مفتوحا حتى الآن، مع الإشارة الى انه قد تم فعليا تنفيذ بعض بنود ذلك الاتفاق جزئيا، وصار الاتفاق نفسه هو مصدر الشرعية للأجسام الثلاثة: مثل مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي، لكن لم يحدث بعد التوافق الكامل بين هذه الاجسام الثلاثة بما يضمن تطبيق بنود الاتفاق كاملة على الأرض دون عراقيل. وتكمن مشكلة هذه الدراسة في البحث عن آليات ممكنة لتحقيق توافق عام يقود الى مصالحة وطنية شاملة وعدالة انتقالية تكون أساسا لبدء مرحلة جديدة من إعادة اعمار ليبيا واستقرارها، وفي سبيل ذلك تحاول هذه الورقة البحث عن إجابة عن السؤال الذي يمكن صياغته كالآتي: ما هي الآليات الممكنة لتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية في ليبيا؟

1-2 الهدف من الدراسة
تهدف هذه الورقة الى التعرف على مفهوم المصالحة الوطنية في المجتمعات، والأسانيد الشرعية من الكتاب والسنة فيما يتعلق بأبعاد المصالحة والحث عليها وآليات تحقيقها وفقا للدين الإسلامي، كما تهدف أيضا الى الاطلاع على بعض التجارب الدولية في المصالحة ومقاربتها بالحالة الليبية ، غير ان الهدف الأساسي لهذه الورقة يتمثل في البحث عن الآليات الممكنة لتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية بين الليبيين، بما يؤسس لحالة من التوافق تفضي الى توحيد الجهود وتنسيقها وتظافرها لإعادة هيبة الدولة وبدء الإعمار والانتقال الفعلي من حالة الفوضى الى الاستقرار وتعزيز مفهوم الدولة العصرية الراسخة.
1-3 منهجية الدراسة
تم اتباع المنهجية الوصفية والتحليلية في سبيل بلوغ الهدف من هذه الدراسة وذلك من خلال سرد ومناقشة تحليلية لمجموعة من المواضيع والعناوين ذات العلاقة والتي جمعت من مصادر ومراجع مختلفة تتعلق تحديدا بموضوع الدراسة سواء ما كان على هيئة بحوث او دراسات او على هيئة كتب ومجلات مهتمة ، ومن خلال استعراض مجموعة من العناوين والموضوعات امكن الوصول الى خلاصة تحليلية تخدم الهدف الأساسي للورقة لتكون في شكل نتائج محددة تبنى عليها فيما بعد التوصيات والمقترحات الممكنة ، وتحتوي الورقة على مجموعة من المباحث تتمثل فيما يلي:
1-4 مفهوم المصالحة والعدالة الانتقالية
المصالحة مفهوم عام شامل يدل على حالة التوافق بعد الخلاف بين الجماعات البشرية سوى على مستوى الافراد او القبائل او الشعوب وفي ديننا الإسلامي الحنيف العبرة والموعظة التي تشجع وتحفز بني البشر على قيم التصالح والتسامح والعفو، ولقد نقل الخطاب القرآني العديد من المشاهد والوقائع عن المصالحة من سير الأنبياء والمرسلين حتى يقرب للناس صورتها ويشجعهم على الاقتداء بها، ومن هذه النماذج عفو الله تعالى عن آدم عليه السلام، فيقول عز وجل: “فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” [البقرة:37]. وكما في المصالحة بين يوسف وإخوته، فيقول تعالى: “قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ” [يوسف:91]. وتنازل المظلوم عن حقه في القصاص من ظالمه وعفا عنه, قال تعالى: “قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [يوسف:92].
ويعرف (اصويليح،2005) المصالحة بأنها : “المصالحة هي السعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي و استمراريتها السياسية و التشريعية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و تصحيح ما ترتب عنها من غبن و مآسي و أخطاء و انتهاكات و جرائم جسيمة ، والقطع نهائيا من قبل الجميع مع الحلول العنيفة في معالجة الملفات و القضايا المختلف حولها ، و النظر بتفاؤل إلى المستقبل و ذلك من خلال التأسيس في الحاضر للبنات غير المزيفة أو الكاذبة للديمقراطية و للمشاركة المتساوية” ويمكن القول حسب (الرقيق،2011) انه يقصد بالمصالحة الوطنية في ليبيا العمل على خلق ونشوء جو من التصالح والتوافق الاجتماعي بين كل اطياف ومكونات الشعب الليبي بحيث تتلاشى فيه كل مظاهر التوتر والنزاعات والحزازات القائمة على اسس عشائرية او قبلية او مناطقية ويكفل القانون والعرف حقوق الجميع دون تمييز او انحياز.
العدالة الانتقالية يعرفها تقرير الامين العام للأمم المتحدة حول سيادة القانون والعدالة الانتقالية لسنة (2004) في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع المقدم الي مجلس الامن “هو كل نطاق العمليات والاليات المرتبطة بالمحاولات التي يبدلها المجتمع لتفهم تركته من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المسألة واقامة العدالة وتحقيق المصالحة”، كما يعرفها مشروع قانون هيئة الحقيقة والكرامة التونسي بانها: “مسار متكامل من الاليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسى ضمانات عدم تكرار الانتهاكات والانتقال من حالة الاستبداد الي نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الانسان”.( بن أيوب،2013)
اذا من الواضح ان مفهوم العدالة الانتقالية يرتكز علي المسائلة والعقاب كأساس للردع والجزر من ناحية، والتعويض كأساس لجبر الانفس وتقليل الاحتقان من ناحية اخرى، هذه الاسس مبنية علي تفاعلات وظائفها المحدد وقفا لهذا المفهوم تبعا لمهماتها المتحدرة من الاختصاص النوعي والمتمثل في الكشف عن حقائق ماضي الانتهاكات بالتحري والتحقيق فيها وتحديد المسؤوليات في شانها فردية ام جماعية واذا كانت من سلطات الدولة او أجهزتها، او من مسؤوليات جماعات غير حكومية، والاطار الزمني التي وقعت فيه هذه الانتهاكات، وفي الشق الثاني تهدف العدالة الانتقالية في نطاق وظائفها الى جبر الاضرار الفردية والجماعية وتقديم ضمانات عدم التكرار، وفي هذا السياق يعرّف القانون رقم 17/2012 الصادر من المجلس الوطني الانتقالي العدالة الانتقالية بانها: “مجموعة الاجراءات التشريعية والقضائية والادارية والاجتماعية التي تعالج ما حدث في ليبيا خلال فترة النظام السابق، وما بعده حتى الآن وما قامت به الدولة من انتهاكات لحقوق الانسان وحرياته الأساسية، والعمل علي اصلاح ذات البين بالطرق الودية بين فئات المجتمع”.
نخلص الى أنه يمكن تعريف المصالحة والعدالة الانتقالية بـ ” مجموعة الاجراءات والخطوات التي تقود الى خلق جو من التصالح والتوافق الاجتماعي بين كل اطياف ومكونات المجتمع في دولة ما، والتي تكفل تلاشى كل مظاهر التوتر والنزاعات والحزازات الناشئة على اسس عقائدية(سياسية او دينية) أو قبلية او مناطقية كنتيجة لتعديات على الحقوق المشروعة للافراد والجماعات، حدثت خلال مراحل زمنية محددة من قبل السلطات الحاكمة، وذلك بتوفير الضمانات القانونية والعرفية التي تكفل جبر الضرر لجميع المتضررين ماديا ومعنويا خلال تلك الفترات الزمنية متفق عليها من كل الاطراف دون تمييز او انحياز”.

1-5 المصالحة في الإسلام ابعادها والدعوة اليها و آليات تحقيقها
لأن المجتمع الليبي بالكامل مجتمع إسلامي، يكون التزاما دينيا التقيد بما يحثنا عليه ديننا الإسلامي في موضوع التصالح والتسامح والعفو، وينبغي عندئذ ادراك ان المقاصد الشرعية لخطاب المصالحة في القرآن الكريم ترتكز على مجموعة من الابعاد وهي ما يشار اليها في (المعجم المفهرس) كما يلي:
1. البعد الديني: الدين إنما يتمكن وتقام أحكامه ويحفظ بين الناس في مناخ السلم والصلح, ولكن تهتز مكانته وينحسر مده وسلطانه وتضيع أحكامه في أجواء الحرب والفتن والقلاقل, ويبين النبي محمد للمسلمين هذه الحقيقة, فيقول:” ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟!, قالوا: بلى يا رسول الله, فقال: إصلاح ذات البين, فإن فساد ذات البين هي الحالقة, لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين”.
2. البعد الاجتماعي: ويتمثل في أن سيادة أجواء التصالح والوئام تساهم في الحفاظ على كيان المجتمع وبناء علاقات ودية أساسها الأخوة والتعاون والتراحم مما يجعل جهد الناس يتوجه إلى البناء والإعمار وليس إلى التخريب والدمار.
3. البعد الاقتصادي: حيث ان المجتمع المتصالح المستقر تزدهر فيه الحركة والعمل والإنجاز والاستثمار, ويؤكد الخبراء أن عجلة التنمية الاقتصادية لا تدور وأن الثروة لا تنمو إلا في أجواء الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
4. البعد السياسي: يساهم مناخ التصالح والوئام في صيانة كرامة الأمة وكيانها السياسي, وحماية وحدة أراضيها وضمان استقرار مؤسساتها ومكانتها بين الأمم
5. البعد الثقافي: فالمجتمع المتصالح المستقر يميل أبناؤه الى استخدام العقل في التفكير السليم حيث يوجه اهتمام الناس إلى اكتساب المعرفة, وإلى البحث والإبداع العلمي والفكري ويتعمق الحس الفني والجمالي, ما يؤدي الى نشوء ثقافة راقية تحت أجواء السلم والمصالحة تحرر العقول وتدفعها إلى العلم والبحث والتفكير في الأنفس والآفاق والبحث والتأمل.
6. البعد الإنساني العالمي: ففي أجواء المصالحة المجتمعية تمتد جسور التواصل والتعارف بين الشعوب والثقافات والحضارات, مصداقا لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” [الحجرات:13].
1-5-1 الدعوة إلى المصالحة في الخطاب القرآني:
وإلى جانب اهتمامه بالاختلاف بين البشر وتبيان تاريخه وقانونه وسببه وغايته, اهتم الخطاب القرآني بوصف ما يزيل ذلك الاختلاف ويعيد العلاقات الإنسانية والاجتماعية إلى سابق عهدها وسالف طبيعتها من التصافي والمودة والمحبة فاهتم بالدعوة إلى المصالحة وخصص لها هاشا واسعا من مساحته الكريمة بجعلها تحتل مكانة متقدمة ضمن مقاصده وما يصنع تميز هذه الدعوة إلى المصالحة أمران هما:
الأول، هو فائدتها وأهميتها العظيمة:
إن الخطاب القرآني أعطاها أهمية بالغة وطلبها طلبا ملحا جازما, وقد جاء هذا الطلب بأشكال كثيرة وبصيغ متعددة بغرض إقناع الناس بها وحملهم عليها, فقد جاء طلبها والحث عليها باعتبارها الحل الأمثل والأنفع للناس. قال تعالى: “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” [النساء:128].
وجاء طلبها والحث عليها باعتبارها من فضائل الأعمال, قال تعالى: “إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ” [النساء:114]. وقال أيضا: “فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ” [الأنفال:1]. وقال تعالى أيضا: “أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ” [البقرة:224], وجاء طلبها والحث عليها باعتبارها من واجبات الأخوة الإيمانية, قال تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ” [الحجرات:10].
والثاني، هو شموليتها:
لقد جاء خطاب المصالحة في القرآن الكريم شاملا ومستغرقا للبشر جميعا وللموضوعات كلها, فالمصالحة في الخطاب القرآني مطلوبة من البشر جميعا وبين البشر جميعا وفي مختلف روابطهم النسبية والاجتماعية والإنسانية، فالمصالحة مطلوبة داخل الأسرة بين الزوج والزوجة, قال تعالى:”فلا جناح عليهما أن يصالح بينهما صلحا والصلح خير” [النساء:128]. وهي مطلوبة بين أفراد المجتمع المسلم وشرائحه المختلفة وتياراته المتعددة, قال تعالى:”فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ” [الأنفال:1.) والمصالحة مطلوبة بين المسلمين وغيرهم من المجتمعات المغايرة لهم في الدين والثقافة والحضارة, قال تعالى: “وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا” “[الأنفال: 61(.، كما أن المصالحة في الخطاب القرآني مطلوبة في مجال المعاملات مثل البيع والشراء والوصية, قال تعالى: “فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ” [البقرة:128]، وكذلك في مجال الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة, قال تعالى:”وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا”[الحجرات:9(.
1-5-2 آليات تحقيق المصالحة في الخطاب القرآني:
لقد جمعت الدعوة إلى المصالحة في الدين الإسلامي بين النظرية والتطبيق, حيث إن القرآن الكريم وضع المبادئ والتشريعات والأخلاق والآداب والأجزية اللازمة لتحقيقها من جانبي الوجود والعدم، ويمكن توضيح ذلك في ما يلي:
1- آليات تحقيق المصالحة من جانب الوجود: لتحقيق المصالحة من جانب الوجود, يدعو الدين الاسلامي إلى الكثير من المبادئ والأخلاق والتشريعات نذكر منها:
• التسامح: يعتبر التسامح في الخطاب القرآني الوسيلة المثلى لتحقيق المصالحة, قال تعالى: ” فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” [فصلت:34]. وقال أيضا: “وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” [الفرقان:63(
• العفو والصفح: فإنهما من أهم الطرق المفضية إلى تحقيق المصالحة وقد جاء الحث عليها في الكثير من الآيات منها قوله تعالى: ”وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” [البقرة:237) وقوله تعالى: ”َالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ” [آل عمران:134( وقوله تعالى “فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ” (البقرة:109 (وقوله تعالى: ”وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ” (النور:24)
• العدل والإحسان: قال تعالى: “وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً” [البقرة:83]. وقال أيضا: “وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” [البقرة:195] أما العدل فيقول عز وجل:” “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” (النحل:90(
• الشورى: حيث يقول عز وجل:”وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ” (الشورى:35)
• الأخوة الإيمانية: قال عز وجل: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” [الحجرات:10].
• الوحدة الإنسانية: قال تعالى:”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات:13(
• الاعتراف بالآخر والتواصل وقبول الحوار معه: دعا الخطاب القرآني إلى الاعتراف بالأخر من غير المسلمين والتواصل معه, قال تعالى:”لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” [البقرة:256]. وقال أيضا:”أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ” [يونس:99]. وقال أيضا:”ولاَ انتم عابدون ما اعبد، لكم دينكم ولي دين” (الكافرون:5،6)

2- آليات تحقيق المصالحة من جانب العدم: لتحقيق المصالحة من جانب العدم يأمرنا الدين الاسلامي باجتناب الأخلاق الذميمة والمعاملات المحرمة والضارة، التي تعكّر صفو العلاقات بين الناس، ووضع الجزاء الصارم على الفرقة والاختلاف، وعلى كل من تسوّل له نفسه زرع البلبلة والفتنة في المجتمع، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
• الأخلاق الذميمة المناقضة والنافية للمصالحة: مثل السخرية وسوء الظن والتجسس والغيبة والحقد والكراهية والإقصاء والقطيعة والضغينة وغيرها من خوارم الود وقواطع الصلة بين الناس، فإنها منهي عنها بنصوص كثيرة منها قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات:11-12.(
• المعاملات المنافية والمناقضة للمصالحة: وهي الربا والغش والاحتكار والميسر والسرقة والغضب والرشة والتدليس والاحتيال والاختلاس وغيرها من المعاملات الضارة المحرمة بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
• الجزاء على الفرقة والاختلاف: لقد توعد الله عز وجل من يدفع الى الفرقة والاختلاف بالفشل وذهاب الريح والشوكة في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة. فال تعالى: “وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”[الأنفال:46], وقال أيضا: “وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (آل عمران:195)

1-6 بعض التجارب الدولية في المصالحة والعدالة الانتقالية
منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى الان شهد العالم تجارب عديدة للمصالحة وللعدالة الانتقالية جرت في دول كثيرة منها: الجزائر وتشيلي والمغرب والأرجنتين والبيرو والسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب افريقيا، وتهدف جميعها الى تحقيق حالة من التوافق في المجتمع الواحد الذي ظهرت فيه بوادر الخلافات السياسية والدينية وما ترتب عنها من انتهاكات لحقوق الانسان استوجبت جبر الاضرار وتشكيل محاكم الانصاف والمصالحة، وتعويض الضحايا، والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات التي تضررت، (عثمان،2012).
1- التجربة الجزائرية
بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات سنة 1991 بنسبة %80 من أصوات الناخبين، والغاء الانتخابات، دخلت البلاد في دوامة عنف دموي، حيث بلغ عدد الضحايا حوالي 200000 قتيلا أو يزيد، من مختلف الأطراف بينما كانت الخسائر المادية تفوق 20 مليار دولار ثمن المواجهة بين الإسلاميين والدولة، (وناس ، 2013).
لقد حاول الرئيس الجزائري “الأمين زروال” معالجة الوضع المحتقن في الجزائر عقب تلك الحقبة الدموية فأصدر ما اطلق عليه “قانون الرحمة” والذي استهدف به العفو وتخفيف العقوبة على المسلحين الخارجين عن سلطة الدولة والمتحصنين بالجبال، لكن لم يستجب لذلك الا حوالي 500 مقاتل من أكثر من 20000 مسلح، وعندما تولى الرئيس بوتفليقة الحكم اصدر ما يسمى بـ “مشروع الوئام المدني” عام 1999م والذي ارتكز على ثلاثة نقاط وهي (نفس المرجع):
• أن يسلّم المسلحين في الجبال أنفسهم مقابل الإعفاء من المتابعات القضائية بغض النظر عما ارتكبوه من جرائم، كالتفجيرات في الأماكن العامة والتقتيل الجماعي.
• أن يبقى من يعود من المسلحين تحت مراقبة الأجهزة الأمنية، وترجئ معاقبته الا في حالة ثبوت ضلوعه في جرائم يعترف بها فيعاقب فيما بعد وتسمى المرحلة مرحلة إرجاء.
• اقتضاء تخفيف العقوبة قانونيا لمن يسلم نفسه ويعترف طواعية.
ولقد اثمرت نتائج مشروع الوئام المدني الجزائري على تسليم أكثر من 6500 مسلح أسلحتهم للسلطات الجزائرية في ظرف أسبوع واحد فقط. وتمت اعادة دمج المسلحين بالمجتمع الذي كانوا يكفرّونهن، بل أن بعضهم تحول من النقيض إلى النقيض وأصبح في صف الدولة، كما تقلص عدد ضحايا القتل في البلاد بشكل ملحوظ. مع ملاحظة أن السقف الزمني للمشروع كان محددا في 20 يناير 2000 م.
استمرت الجزائر في البحث عن آليات مطورة وممكنة للمصالحة الوطنية فعملت على تطوير مشروع الوئام المدني بدعم نقاط قوته ومعالجة نقاط ضعفه حتى تم في شهر سبتمبر سنة 2005 الإعلان عن ما سمي بـ” ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ” وهو مشروع عالج الموضوع جذريا وتم اعتماده عن طريق استفتاء شعبي.
الفئات التي استهدفها ميثاق السلم والمصالحة في الجزائر(وناس،2013):
• المقاتلون في الجبال ومن يدعمهم وقد استجاب للعفو 6000 مقاتل آخر نزلوا من الجبال
• فئة الجيش الإسلامي للإنقاذ وهو عبارة عن ميليشيا لمجموعة إسلامية مسلحة استفادت من العفو وتمسكت ببقائها منفصلة ولقد سلموا أسلحتهم وحلت مجموعتهم المسلحة وصاروا مواطنين عاديين، ورُفع كل عائق إداري أمام التحاقهم بالوظيفة العامة في الدولة.
• فئة عائلات المسلحين حيث منع القانون تمييزهم وحرمانهم.
• فئة المفصولين عن العمل لأسباب تتعلق بالأزمة. فئة أعوان الدولة والحرس المدني الذين قاتلوا الجماعات المسلحة والذين اتهموا بارتكابهم تجاوزات وانتهاك أعراض، اتخذت الدولة قرار نهائيا بعدم متابعتهم قضائيا داخليا أو خارجيا في ما ارتكبوه من تجاوزات.
• فئة المفقودين وقدرت بنحو 7000 مفقود ، ومنحت الدولة أهاليهم شهادة الوفاة لتسهل الحياة الاجتماعية من تقسيم الإرث و إبرام عقود الطلاق والزواج ، كما قدمت منح للأسر وامتنعت 70 أسرة وتشبثت بالحقيقة وفحص الحمض النووي .
2- تجربة جنوب أفريقيا
بعد ان تولى الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا الحكم في بلده مد ذراعيه وفتح صدره لجميع الخيرين وأصحاب النية الحسنة من سكان جنوب أفريقيا وخاطبهم قائلا ” أننا لن نقصي رجلاً أو امرأة نبذا النظام العنصري عن مشاركتنا النضال من أجل بناء دولة ديمقراطية غير عنصرية متحدة في جنوب أفريقيا تعترف بحق الاقتراع العام لجميع الناس الذين يضمهم سجل واحد للناخبين ” ( مانديلا،1997 ) ، وقد تم تشكيل لجنة خاصة من مهامها البحث عن حل يضمن تحقيقا دقيقا وعلنيا وأمام الضحايا مع المتهمين والمسئولين المباشرين عن أعمال القمع في النظام العنصري، وقاد أعمالها القس الجنوب أفريقي والمناضل ضد العنصرية “ديزموند توتو”، وقد منحت هذه اللجنة سلطة إصدار العفو عمن تثبت عليهم الاتهامات ويعتذرون لضحاياهم! باشرت اللجنة اعمالها وقامت باعتماد “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي أنشئت برنامج امتدادي مكثّف لعقد جلسات استماع علنية، بما في ذلك شهادات أعضاء سابقين في الجيش والأجهزة الأمنية، وقامت اللجنة ايضا بحصر الضحايا الذي تجاوز عددهم 22 ألفاً أحصتهم اللجنة، واعتمدت اللجنة مبدأ التعويضات للضحايا كجزء من المصالحة الوطنية، وفي نهاية أعمال اللجنة ، أصدرت تقريراً متوازناً أظهر أنّه على الرغم من أن حركة التحرير قد خاضت حرباً عادلة ، إلا أنّها في بعض الحالات انتهكت اتفاقية جنيف لحقوق الانسان.
3- تجربة رواندا
” كانت رواندا مستعمرة بلجيكية تتألف من هذه الفئات الثلاثة ، الهوتو ويشكلون 85% والتوتسي 14% والتوا 1% ، من السكان، وبعد إعلان بلجيكيا في يناير 1961 وبضغوط من الأمم المتحدة ، عن منح الحكم الذاتي للحكومة الرواندية المؤقتة والذي أعقبه انتخابات عامة في سبتمبر 1961 أسفرت عن فوز كاسح للهوتو وسيطرتهم على المجلس التشريعي، الذي أصدر قراراً بإلغاء الملكية التوتسية وإعلانه النظام الجمهوري ، وبعد الاستقلال الفعلي في يوليو 1962 وفي ظل النظام الجمهوري واصل الهوتو تدعيم سلطاتهم على دواليب السلطة بينما يحاول التوتسي استعادة سلطاتهم المفقودة ، وطبقت سياسة الحصص الإثنية في كل مناحي الدولة ، وكانت النسبة 09% فقط للتوتسي و01% للتوا و 90% للهوتو ، وإثناء عودة الرئيس الرواندي من بوروندي أسقطت طائرته بقذيفتين فوق مطار كيغالي فقتل هو ومن معه في الطائرة ، وبعد مقتله مباشرةً واعتباراً من 7 أبريل سنة 1994 ، وعلى امتداد أكثر من 100 يوم شرع المتشددون من الهوتو في تنفيذ مذابح ضد التوتسي ، قتل خلالها مئات الألاف في تلك البلاد ، وعدد كبير منهم قتل على يد جيرانه نتيجة للتحريض على الكراهية العرقية من جانب النخبة السياسية، ( بومدين ، 2011 ).
انه برغم حجم الضحايا الكبير ودموية الاحداث في رواندا، الا انهم تمكنوا من اجراء مصالحة مذهلة جرت وقائعها بين القتلة والناجين، من خلال الاعترافات الفردية، والمغفرة والصفح في إطار محاكم خارج القضاء في القرى، ولقد حوكم معظم الجناة الرئيسيين للإبادة الجماعية في محاكم عادية، سواء في رواندا نفسها ، أو أوروبا، أو المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، التي شكلتها الأمم المتحدة خصيصا. وحيث أنه كان يوجد مئات الألوف من المتهمين بالقتل، ونظام العدالة الجنائية الرسمي في رواندا يعتبر ضعيف جدا، ويفتقر للإمكانيات اذ تعجز سجون البلاد عن ايواء السجناء بالكامل، وأن هذه المحاكمات كانت يمكن أن تستغرق عقوداً من الزمن، فبالتالي كان على البلاد أن تستند إلى شكل من أشكال نظام العدالة التقليدي العرفي المعروف في رواندا باسم النظام القضائي التقليدي “غاكاكا”، فقد كان أقرب للصعيد الشخصي ومصمم لتحقيق النتيجة النهائية المتمثلة في السماح للناس الذين يعرفون بعضهم بعضا إمكانية استئناف العيش في المجتمع نفسه، كما انه يجمع قرية بأكملها ليشهد سكانها على عمليات الاعتراف، وعلى صدقيتها، ولتشجيع الضحية على الصفح والغفران، والاتفاق على بعض التعويضات مثل المساعدة في حراثة حقل الضحية لفترة من الوقت.

1-7 الدروس المستفادة من التجارب الدولية
كل التجارب الدولية تعتبر دروسا يستفاد منها غير ان وجه التشابه بين الحالتين الليبية والجزائرية يبدو قريبا، نتيجة لعوامل الثقافة الواحدة والدين واللغة والظروف المعيشية، فالتجربة الجزائرية تصلح ان تكون درسا مستفادا يقتدى به في الحالة الليبية مع الأخذ في الاعتبار أن المصالحة والوفاق في الجزائر لم تأت بين عشية وضحاها بل أنها جاءت على مراحل زمنية متتابعة تضمنت تدرجا في ثلاثة مراحل “آليات” متتابعة وهي: قانون الرحمة ومشروع الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ولقد كان من نتائج تلك الاليات الناجحة ما يلي:
1- حسم الرأي العام الجزائري أمره مع الإرهاب، واجمع الشعب الجزائري كله على نبذ التطرف والارهاب والعنف بدوافع دينية مطلقا .
2- عودة أكثر من 15000 مقاتل إلى بيوتهم و أسرهم واندماجهم في المجتمع.
3- معالجة ملف التعويضات للمتضررين .
4- تحول اتجاه الدولة من التركيز الأمني ومحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة الى اتجاه إعادة الاعمار وتنفيذ مشاريع التنمية دون خوف أو عائق .
4- صارت قوات الدولة مدرّبة تدريبا مناسبا لمكافحة التطرف والارهاب .

1-8 المهام التي ارتكزت عليها لجان الحقيقة والمصالحة في شتى أنحاء العالم
بغض النظر عن السلبيات أو الإيجابيات ، الإخفاقات أو النجاحات التي صادفت عمل الكثير من لجان للمصالحة تم إحداثها في دول من أمريكا اللاتينية ، و أوروبا الشرقية ، وافريقيا كما في جمهورية جنوب إفريقيا، فإن هذه اللجان ارتكزت على ست مهام رئيسية وهي نفسها التي طالبت بها المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان سنة 1988 في قضية فالاسكيز رودريكيز حول خروقات جسيمة لحقوق الإنسان، و تتمثل هذه المهام في (صوليح،2005):
1- كشف حقيقة الضحايا ، أي القيام بتحقيق وافي لمعرفة الحقيقة حول الخروقات التي مست الضحايا
2- كشف حقيقة الجناة، أي إجراء تحقيق يمكن من التعريف بمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، سواء باعتبارهم أفرادا أو مؤسسات رسمية ، او مجموعات قبلية او عنصرية
3- المتابعة القضائية، أي قيام اللجنة بإحالة كل الجناة الذين يثبت تورطهم في تلك الانتهاكات والخروقات التي اقترفوها على القضاء، وإتاحة الفرصة أمام الضحايا أو عائلاتهم أو المدافعين عن حقوق الإنسان من أجل مواجهتهم بإقامة دعاوي مدنية ضدهم في المحاكم المحلية
4- جبر الضرر، و قصدت منه المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان أشياء أخرى بالإضافة إلى التعويض المادي للضحية أو لذوي الحقوق ذات الصلة
5- الإصلاح المؤسساتي، أي مختلف الإجراءات و التدابير الإدارية و التشريعية و القضائية والإعلامية والتربوية التي تتحمل الدولة و حكوماتها تحقيقها من أجل الوقاية في الحاضر والمستقبل من تكرار حدوث انتهاكات حقوق الإنسان
6- حفظ الذاكرة ، و سعت من خلاله بعض اللجان إلى توسيع كل المنافذ الممكنة أمام نقاش توافقي، مستمر، و صريح حول مختلف أبعاد الانتهاكات و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، منطلقة في ذلك من أن حقيقة الماضي لا يملكها إلا الأفراد الذين عاشوها، و ذلك لسبب بسيط هو أنها حقيقة شخصية، و من أن الضحايا خصوصا والعائلات والأقارب عموما لن تسعفهم الذاكرة الوطنية المشتركة وحدها.

1-9 التحديات التي تواجه تحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا
ان تحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في أي مجتمع تحتاج لتظافر الجهود وإرادة صادقة وعزيمة قوية من الجميع، والواقع الليبي بالرغم من وصول اغلب اطراف الصراع فيه الى مرحلة من النضج المدرك لأهمية المصالحة بعد تجربة 7 سنوات من الاختلاف والاحتراب لا يزال يحتوي الكثير من التحديات التي تقف عائقا دون تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والعدالة الانتقالية، الأمر الذي يستوجب معرفة وتحديد هذه التحديات حتى يمكن البحث عن وسائل التعامل معها لتذليلها وازاحتها، ويمكن حصر تلك التحديات فيما يلي:-
• انتشار السلاح والانفلات الامني
يبقى انتشار السلاح وتداوله بين جميع الليبيين, على امتداد خارطة الوطن, هاجسا امنيا مخيفا يقلق الكثير, ويقف حجر عثرة امام مبادرات المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، خصوصا وان هذا السلاح يشمل الخفيف والمتوسط والثقيل، وما يزيد الامر تعقيدا, هو تركز هذا السلاح وبكميات كبيرة في ايدي ميليشيات ذات توجهات قبلية او دينية او حتى سياسية لا تخضع للسلطات المركزية حتى الآن.
• استمرار الانقسام السياسي والرسمي
بالرغم من مرور سبع سنوات كاملة على انتفاضة 17 فبراير لا يزال الانقسام السياسي والرسمي سيد الموقف, ولقد ساهمت في ذلك الاجسام التي اوجدتها الظروف كأجسام انتقالية لكنها تمددت واستمرت حتى الآن وما وجود حكومتين في ليبيا اليوم واحدة في الشرق والثانية في الغرب الا دليلا على ذلك الانقسام المشين، ويقابلهما على المستوى التشريعي مجلس للنواب في طبرق ومجلس للدولة على انقاض المؤتمر الوطني في طرابلس، ويتبع ذلك بالطبيعة انقسام في اغلب مؤسسات الدولة العامة، وهذا الانقسام يعتبر من اشد واخطر التحديات التي تواجه مسيرة المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا.
• التأثيرات والتدخلات الخارجية
ان ارتباط انتفاضة فبراير منذ بداياتها بالتدخل الخارجي، جعلها للأسف رهينة لاتجاهات بعض الدول ذات النفوذ الكبير الآن، مثل تركيا وقطر والإمارات وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وامريكا بالإضافة الى دول الجوار مصر وتونس والجزائر وتشاد والنيجر والسودان، وهو ما سمح لهذه الدول بالتأثير في الشأن الليبي بصورة مباشرة وغير مباشرة والتدخل من خلال مجموعات محلية تابعة ومسيرة وفقا لمصالح وتوجهات تلك الدول.

1-10 الاستنتاجات
من خلال ما تم تناوله بالخصوص وبنظرة تحليلية من الواقع المعاش يمكننا استنتاج ان فترة السبع سنوات الماضية بما احتوته من تقاتل وحروب سياسية واجتماعية جلبت لليبيين الكثير من المعاناة والبؤس والتهجير والنزوح وما ضاعف ذلك من تدني الوضع المعيشي على المستوى الاقتصادي، الا انها كانت كفيلة بأن توصل كل الليبيين على مختلف انتمائاتهم السياسية والاجتماعية الى حالة من النضج السياسي تجعلهم يتوحدون مقتنعين بضرورة المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية سبيلا وحيدا للانتقال من مرحلة الفوضى الى مرحلة الدولة المستقرة ذات الهيبة و القوة.
ليس لليبيين من خيار الآن الا المصالحة الوطنية الشاملة بين كل اطياف المجتمع الليبي، فلا مناص من تطييب النفوس وتوفير جو من الود والوطنية تسوى فيه الخلافات وترد فيه المظالم وتقبل فيه الاعتذارات ويبسط فيه رداء الصفح والعفو. الليبيون اليوم مدعوون للتسامح والتصالح مع انفسهم اولا ومع غيرهم من اخوتهم وشركائهم في الدين والوطن، مدعوون الى لم الشمل ورص الصفوف جنبا الى جنب اخوة متحابين متعاونين لإعادة اعمار ليبيا التي هي بالجميع وللجميع، ان الليبيين اليوم في مسيس الحاجة الى مصالحات متعددة: سياسية واجتماعية واقتصادية، وفق ما يلي:-
1. مصالحة سياسية وهي بين انصار فبراير وانصار سبتمبر
2. مصالحة اجتماعية وهي بين قبائل او مدن حدثت بينها حروب وتقاتل خلال فترة الانتفاضة وما بعدها، وما صاحب ذلك من تهجير ونزوح
3. مصالحة اقتصادية وهي بين الفئات المحرومة من الثروات الليبية وبين من استحوذ عليها من الخواص سواء اثناء فترة حكم القذافي او ما بعده من انتفاضة فبراير حتى الآن، ويستوجب ذلك ترجيع الأموال او قدر كبير منها بالمراضاة للخزينة العامة .

1-11 مقترحات بالآليات الممكنة لتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في ليبيا
عطفا على ما تم سرده أعلاه واهتداء بالتجارب الدولية السابقة وقياسا على ظروف المرحلة ومعطيات الواقع المعاش فإن العنصر الأساسي الذي ترتكز عليه مقترحات آليات المصالحة في ليبيا يكمن في آلية كفيلة بإنهاء الانقسام السياسي الذي هو العقبة الكأداء في طريق عودة الاستقرار وهيبة الدولة الليبية، وأن ذلك بالطبيعة لا يمكن عمليا الا من خلال آلية ديناميكية لتفعيل اتفاق الصخيرات، فهو نقطة الانطلاق الوحيدة التي يتوفر فيها الحد الأدنى من التوافق بين الاجسام السياسية الممثلة للطيف الليبي تحت رعاية اممية، ولكي يتحقق المطلوب ينبغي التدرج في المراحل التالية:
المرحلة الأولى: الملتقى الوطني الشامل للحوار والمصالحة
ينبغي الإسراع في عقد الملتقى الوطني الشامل للحوار والمصالحة ويتوافق ذلك مع خارطة الطريق المقدمة من المبعوث الأممي لدى ليبيا السيد غسان سلامة، على ان يشمل الملتقى كل أطياف الشعب الليبي وعلى وجه التحديد كل من:-
 انصار انتفاضة 17 فبراير( وفد عن مجلس النواب + وفد عن مجلس الدولة + وفد عن المؤتمر الوطني العام)
 انصار النظام السابق (وفد عن التنظيمات السياسية المختلفة)
 ممثلون عن جميع المكونات الاجتماعية الليبية ( المناطق والقبائل المختلفة)
يعقد الملتقى داخل ليبيا ويراعى ان يستمر الانعقاد الأول لعدة أيام بما يتيح الفرصة للحوار بين كل اطياف المجتمع الليبي بحيث يتم مناقشة كل الامور وبشفافية في جو تسوده روح الاخوة واللحمة الوطنية تهيئة لمناخ من المصارحة والافصاح تفضي الى توافق حقيقي بين جميع الليبيين في كنف الروح الوطنية الصادقة.
يتم في هذا الملتقى الشامل الاتفاق على الثوابت الوطنية وهي وحدة الوطن وسيادته وانهاء مظاهر الانقسام السياسي بتوحيد السلطات التشريعية والتنفيذية، وهذه مرتكزات التوافق الاساسية التي لا اختلاف عليها من جميع الاطياف، وتؤجل مرحليا نقاط الاختلاف لحين اعتماد الدستور والاستفتاء عليه لمدة محددة، تشكل جسر عبور لحالة من الثبات والاستقرار، ولن يتأتى ذلك الا بتفعيل اتفاق الصخيرات من خلال الاجسام الثلاثة التي يتضمنها الاتفاق والتي تستمد شرعيتها الآن منه دون غيره، بحكم انتهاء صلاحيتها وفقا للاعلان الدستوري، وهذا يعني الخروج الفوري بمجلس رئاسي موحد وحكومة موحدة بمعاضدة كاملة من كل من مجلس النواب ومجلس الدولة
يعتبر الملتقى في حالة انعقاد دائم وتنبثق عنه لاستمرار المتابعة والتواصل اللجان التالية:
– اللجنة التأسيسية لمشروع الهيئة الوطنية العليا للسلم والمصالحة
– لجنة التواصل مع الاجسام الثلاثة في اتفاق الصخيرات (مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي)
المرحلة الثانية: تفعيل قانون العفو العام وانشاء الصندوق الوطني للتعويضات وجبر الأضرار
– بمجرد توحيد السلطات التشريعية والتنفيذية وانهاء الانقسام ينعقد الملتقى الشامل ويرعى الإعلان عن بدء تفعيل قانون العفو العام بما يخدم توجهات المصالحة دون المساس بالحقوق الشخصية.
– يرعى الملتقى الشامل الإعلان عن انشاء الصندوق الوطني للتعويضات وجبر الأضرار والذي يتم من خلاله توفير الأموال اللازمة للمتضررين وفق آلية مناسبة تراعي المصلحة العامة والاعتبارات الاقتصادية
المرحلة الثالثة: تشكيل الهيئة الوطنية العليا للسلم والمصالحة
بعد ان يتم إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة انتقالية موحدة يصادق عليها مجلس النواب ينعقد الملتقى الشامل مرة أخرى ويرعى الإعلان عن تشكيل الهيئة الوطنية العليا للسلم والمصالحة بناء على ما تعرضه اللجنة التأسيسية لمشروع الهيئة ونقترح ان تتكون من:
 شخصيات ليبية مشهود لها بالنزاهة والوطنية ذات اهتمام خاص وتجارب بالمصالحات الاجتماعية وتحضي بثقة واحترام الشعب الليبي من رجال القضاء والمثقفين والأعيان.
 ثلة من فقهاء الدين والشريعة الليبيين تقوم بتزكيتهم دار الافتاء
 ثلة من فقهاء الدين والشريعة من غير الليبيين من الدول العربية والإسلامية يقترحهم فقهاء الدين والشريعة الليبيين
مهام وواجبات الهيئة الوطنية العليا للسلم والمصالحة
– يناط بالهيئة وضع ميثاق شرف اجتماعي لصيانة اللحمة الوطنية يحرّم فيه التقاتل بين الليبيين على اسس مذهبية او عنصرية او جهوية او مناطقية او قبلية او عشائرية، وتفصّل فيه مجموعة من الأمور الأمنية الاجتماعية المتعلقة بحالة السلم والأمن الاجتماعي ومقتضيات المصالحة والعدالة، كما يشمل الميثاق أيضا ضرورة الالتزام بخطاب اعلامي توافقي ينبذ التعصب والتأجيج ويدعو الى المصالحة والتسامح ونبذ كل مظاهر العنف اللفظي
– يعرض ميثاق الشرف الاجتماعي في صيغته النهائية على كل الليبيين للإستفتاء عليه
– تباشر الهيئة الوطنية للسلم والمصالحة بمجرد إتمام عملية الاستفتاء على الميثاق من جميع الليبيين متابعة تنفيذ بنوده الأساسية
– تتولى الهيئة المذكورة القيام بتتبع مواطن النزاعات والخلافات التي وقعت بالقطر الليبي اثناء وبعد انتفاضة 17 فبراير، وتكون الاولوية للنزاعات الجهوية ثم القبلية ثم النزاعات الفردية
– تتولى الهيئة عملية تقدير جبر الاضرار ورد المظالم لأصحابها في فترات ما قبل 17 فبراير وما بعدها حتى الآن
المرحلة الرابعة: تشكيل قوة السلم والمصالحة
ينعقد الملتقى الوطني الشامل ويرعى الإعلان عن تشكيل قوة خاصة مسلحة تسمى، “قوة السلم والمصالحة” تجمع كل افراد الكتائب المسلحة الحاليين الغير راغبين في الانضمام الى القوات المسلحة النظامية وقوات الشرطة، ويتم ذلك وفق قانون خاص يحدد هيكلها التنظيمي ومهامها، وتختص بما يلي:
– جهوزية متابعة وتنفيذ كافة اتفاقات الصلح التي توقعها الهيئة الوطنية للسلم والمصالحة أمنيا.
– التحول الى أي منطقة يحدث فيها نزاع مسلح بين الليبيين والتدخل الفوري لفك الاشتباك
– يعهد الى قوة السلم والمصالحة مهمة جمع الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي توجد خارج نطاق الجهتين الرسميتين: الجيش والشرطة، جمعها في مراكز خاصة (معسكرات الجيش ومراكز الشرطة) من خلال برنامج زمني يعد خصيصا وفق آلية تتضمن: ( الإعلان عن مواعيد مسبقة للتسليم – منح حوافز مادية للذين يبادرون بالتسليم الطوعي خلال المواعيد المحددة- بعد انتهاء مدة التسليم الطوعي يتم ضبط الأسلحة ومصادرتها بالقوة ومعاقبة الذين يحوزونها)

الخاتمة والتوصيات
ان التجارب الانسانية تؤكد وبوضوح مدى الحاجة الى حالة من الوفاق والوئام الاجتماعي في كل مجتمع مهما كان حجم الاختلاف مذهبيا او عرقيا او سياسيا، والمجتمع الليبي المتجانس دينيا ولغويا مؤهلا الآن لتجاوز كل الخلافات وظروف المرحلة، وليس امامه الا ولوج مرحلة جديدة من المصالحة الوطنية الشاملة من اوسع ابوابها فهي الطريق الى الاصلاح الحقيقي والاستقرار وبناء دولة القانون، وعلى مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي تغليب المصلحة الوطنية العامة والمساهمة بجدية في تبني وبلورة اليات العمل المقترحة والاسراع بتحويلها الى واقع ملموس حتى يتسنى للجميع الانتقال من حالة عدم الاستقرار الى حالة بناء الدولة العصرية الجديدة دولة الديمقراطية والقانون التي ينتظرها الليبيون، وفي سبيل تحقيق ذلك توصي الورقة بمايلي:-
اولا: توصيات عامة
• توحيد ودمج كل اجسام المصالحة الحالية المتعددة في جسم واحد وفق اعتبارات اجتماعية وجغرافية تحت مسمى “الملتقى الوطني الشامل للحوار والمصالحة”
• الإسراع بعقد الملتقى الوطني الشامل للحوار والمصالحة داخل ليبيا بمشاركة كل الاطراف والمكونات الليبية وفق ما هو موضح في الآليات المقترحة بهذه الورقة.
• وضع ميثاق شرف اجتماعي لصيانة اللحمة الوطنية يحرّم فيه التقاتل بين الليبيين على اسس مذهبية او عنصرية او جهوية او مناطقية او قبلية او عشائرية، وتفصّل فيه مجموعة من الأمور الأمنية الاجتماعية المتعلقة بحالة السلم والأمن الاجتماعي ومقتضيات المصالحة والعدالة
• الدعوة الى ضرورة الالتزام بخطاب اعلامي توافقي ينبذ التعصب والتأجيج ويدعو الى المصالحة والتسامح ونبذ كل مظاهر العنف اللفظي والمعنوي
• الدعوة الى تفعيل قانون العفو العام والإسراع في تهيئة الظروف لعودة كل المهجرين في الداخل والخارج
• الدعوة لإنشاء الصندوق الوطني للتعويضات وجبر الأضرار
• الإعلان عن تأسيس الهيئة الوطنية العليا للسلم والمصالحة
• الدعوة الى تشكيل قوة خاصة تسمى قوة السلم والمصالحة

ثانيا: توصيات خاصة
نقترح ان تنبثق عن هذا المؤتمر مجموعة من اللجان تتولى التواصل والتنسيق والتحضير والمتابعة لما يتمخض عنه من توصيات وهذه اللجان هي:
1. اللجنة التأسيسية للملتقى الوطني الشامل للحوار والمصالحة
2. اللجنة التأسيسية لمشروع الهيئة الوطنية العليا للسلم والمصالحة
3. اللجنة العامة للتواصل مع الاجسام الثلاثة (مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي)

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 5

  • عبدالحق عبدالجبار

    دكتور عبيد الرقيق المحترم بالله عليك مصالحة اي مصالحة وبين من و من بالزبط هل تقارن شعب اربعة مليون مسلم … بي الجزائر وتشيلي والمغرب والأرجنتين والبيرو والسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب افريقيا……؟ هل تقصد مصالحة بين الامارات و قطر… و تشاد والسودان …و الجزائر ومصر… و فرنسا وإيطاليا …. و بريطانيا و روسيا … وعلي من يرضي العم سام و تونس و مالطا … هل تقصد مصالحة بين البترول و الغاز و الذهب و الاستثمارات الخارجية او بين الجغرافيا والتاريخ …هل مصالحة بين مرشد الخوان و مرشد التخلف …..ماذا تقصد يا دكتور …الذي تريده لن يكون الا عندما يبتعد من علي المشهد و يتولي المشهد ليبيين حقيقيين همهم الوطن واهله ولاهم لله وللوطن والشعب … اما في الوقت الحالي يبقي ما تريد حلم صعب المنال ….و لك فائق الاحترام سيد القوم خادمهم ولكن اسياد الليبيين الان خدام غيرهم

  • عبيد احمد الرقيق

    السيد المحترم عبدالحق،،، شكرا على مشاركتكم…احترم وجهة نظرك لكني شاركت بهذه الورقة في المؤتمر الأخير الذي عقد بطرابلس يومي 26-27 فبراير 2018 وحضره ممثلين عن جميع مناطق ليبيا وبلدياتها ورأيت فيهم جميعا رغبة جامحة للمصالحة وانقاذ الوطن وقد حاولت تقديم وجهة نظري من خلال الورقة حيث تبنى المؤتمر والحمدلله كل ما وصيت به فيها…لعل الله يسخر منا وفينا من يقوم بتنفيذ ولو جزء مما ورد

  • مفهوم !؟

    عليكم الأنتظار إلى سنة ( 2025 ) ربما يتحقق جزء من الحلم ، وهذا هو المقرر على ليبيا فى الفاتيكان ، ( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ) .

  • عبدالحق عبدالجبار

    اخي الدكتور عبيد الرقيق المحترم ( الجبار الذي يجبر الخاطر و يجبر الكسر ) اخي في الله والوطن هل كان المجتمعين يتبعون احد الدول التي انا ذكرت ؟ هل كان المجتمعين يتبعون اما المرشد او الاستراتيجي الذي انا ذكرت ان كان هذا فعلينا السلام هل المجتمعين لهم من القوة والمال ما يسمح لهم بتنفيذ ما في الورقة؟انا كان هذا فإنها فاتحت خير … اخي في الله والوطن الدكتور عبيد الرقيق المحترم الطين اننا جزي من لعبة ربعية كبيرة و مدروسة و البلة ان لدينا من بائعي الوطن ما يزيد عن حاجة الدول التي انا ذكرت و العالم باسرة وهذا ما زاد الطين بلة …كما قال اخي المحترم مفهوم و لكن انا اعتقد تل ابيب قبل الفاتيكان و الله اعلم ….

  • عمر ربيده

    بارك الله فيك د عبيد الرقيق لقد اجدت بما قدمت وهذا يعتبر بحث متكامل عن المصالحه وبشكل عام الا اننا فى حصر الاطراف التى تريد ان تتصالح هى ليست فبراير و سبتمبر وهذا الانقسام ليش هو سبب الريسى فيها ان الليبيون عندما انتخبوا او انتخابات فى تاريحهم يوم 7 7 2012 لم يكن هناك فبراير ولا سبتمبر تلك نقطه النجاح التى جمعت كل الليبين مع بعضهم ووقفوا بعائلاتهم للانتخاب وبكل حريه آملين ان يكون الجو الديمقراطى سيستمر بواسظه المنتخبين الى ان يحقق ما حلم به الليبين وما هدفوا به عند تغير نظام استبد على الحريات والموارد واهملهم واهمل مستقبلهم ومستقبل اجيالهم ,,نعم لم نرى مدينه او قريه لم تخرج ذد النظام عفويه كلهم خرجوا وهذا يعنى ان اى طرف يذكر سبتمبر او فبراير الان هو ضد الليبين من بعد ذلك التاريخ بدأت الفتن والحروب بظهور اسلام سياسى واخر ليبيرالى زالهدف لاهذا ولا ذاك بل العوده بليبيا لعهود الظلم وكبح الصوت والحقوق فالمصالحه هى بين من سبب فى هذا الانشطار والحروب الاهليه فى كل مدينه وهذه الاطراف مازالت فى القياده زلا تريد توجيه اصابع الاتهام لها ولا تعترف بماذا ارتكبت واولهم تاورغاء واما الباقى فالصلح فى طريقه للنهايه واذا اردنا ان نتصالح بيننا يجب ان يقوم الجيش والشرطه والقانون لفرض شروط المصالحه بالقوه وبالجبروت ولك الشكر

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً