القائد الرمز: من التصفيق إلى العبودية

القائد الرمز: من التصفيق إلى العبودية

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

 

 

التصفيق وسيلة لإظهار الإستحسان والإعجاب أو الموافقة بل والتواطؤ في أحيان كثيرة، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يصفق لهدف. التصفيق المأجور أول ما عرف عند الرومان، حيث كان نيرون (طاغية روما) يأمر جنوده بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها ويعزف على القيثارة؛ ليصفقوا له بعد الانتهاء من العزف والغناء، عرف العرب التصفيق في الجاهلية وإستخدموه في صلاتهم ولقد إستنكر الإسلام ذلك في الآية الكريمة {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}، ولكن أجاز الحديث التصفيق للنساء (ربما لآنه لا تأثير إجتماعي له)، أي لم يصفق المسلمون للنبي ولا للخلفاء الراشدين، بل أن هولاء لم يكونو رموزا بقدر أنهم ولاة أمر المسلمين، فلم يذكر التاريخ الشيخ أو العلامة أو الأمير أو السلطان أو القائد الرمز: أبوبكر، أو علي أو عثمان.

مع ظهور الأمراء والسلاطين ومن بعدهم من الحكام الطغاة المتسلطين المستبدين أصبح التصفيق عادة إجتماعية منتشرة  بين الطبقة اللصيقة بالسلطان بل وسيلة من وسائل الإسفاف والانحطاط والاستغلال البشع من بطانة السؤ، ولقد وصفهم القرآن بأنهم جنود الطغاة، وأنهم الذين إتبعوا. البطانة المنتفعة تصفق وأكثر المصفقين حماسة، الإعلاميون والمثقفون والساسة المنافقون من أجل منافع ومهايا وعطايا أكثر، وبذلك يتم صناعة “القائد الزعيم الرمز” الذي يتوهم هو والعوام المتخلفين أنه رمزا لتلك الأمة.

بهذا المشهد الدرامي المتكرر عند نمرود ونيرون وفرعون وسلاطين بني أمية وهتلر والقذافي وصدام حسين وعبد الناصر والسيسى والمشير وغيرهم تصبح البطانة مستعبدة له ووسيلة تنفيذ العمليات الإجرامية القذرة من تعذيب وسجن وتغييب وقتل، وتستمر الألة الإعلامية في التظليل والتطبيل ودعوة الشعب للتصفيق بأجر أو بدونه.

هذه الظاهرة إنقرضت في العالمين الثاني والأول ولكنها لها ديناميكية حاضرة في معظم الدول الإسلامية المتخلفة، كيف صفق الليبيون لموسيليني عند زيارته لطرابلس، ولماذا صفقوا لإنقلاب القذافي وسموه ثورة ولم يفكر أحدا أن للبلاد دستورا يمنع الإنقلابات، ولم يتوقف مئات الألاف عن التصفيق بلا مقابل ولا خدمات ولا بنية تحتية لأربعة عقود خلت؟، لماذا إنتخب الليبيون هكذا عاهات مثل التي نراها في مجلس النواب؟ ولماذا وضع مجلس النواب على رأسهم هذا الصنف التابع وزبانيته لدول خارجية ولم تجرء الأكثرية النفعية منهم للمعارضة أو إسقاط هذا المجلس العبث؟.

لاشك أن في كل مؤسسات  الدولة يوجد ما يسمى بالدولة العميقة تلك الطبقة من الإداريين النفعيين الذين يحافظون بكل الطرق على دوام الصنم وتكريس مبداء الرمز، فبعد سبعة سنوات من موت القذافي لايزال  هناك من  يقول “سيدي القائد” وبكل أريحية، فما أبشع أن تكون عبداً صغيراً تمارس العبودية وتظن أنك حرا طليق، وهناك من لا يجد مغنما إلا في الفوضى الحالية، وهذه العبودية النفعية تعرقل أي تغيير منشود إلى الأفضل.

التاريخ يعلمنا أن سقوط أو إسقاط طاغية يحدث فوضى عارمة بعده، والبقاء عليه يحدث فوضى مؤجلة، والسبب في ذلك أن الدولة ومؤسساتها تكون مرهونة لنبض قلب رجل واحد وهو الرمز، فإذا توقف النبض إنهار بنيان الدولة.

العالم الغربي له رأي أخر، فوزير خارجية روسيا ويشاركه الكثيرين أن الشرق الأوسط لن ينفع له حكم سوى الحكم الشمولى المستبد، وأن الخيار الأخر هو الحركات الجهادية، يتسأل هل العراق وليبيا واليمن أفضل حالا بعد إسقاط الحكومات المستبدة؟ ويجيب حاليا بالتأكيد لا. وهذا صحيح، فحسب مقال واينر مبعوث أمريكا إلى ليبيا أن حفتر لا يعترف بالحكومات ولا بالمجالس الحالية وأن أصحاب اللحى سيشبعهم موتا، وعندما يبسط قوته على التراب الليبي سيعترف العالم بسلطته على الدولة ويتعامل معه بأريحية.

أما من الناحية الإقتصادية فيقول أحد الكتاب المصريين عن تعامل الغرب من الطغاة العرب، بأنهم يفرحون من داخلهم لآنهم يتعاملون مع الطاغية كوريث لثروة كبيرة وهو سفيه يمكن ترويضه أو أمره ليدعن لكل الإملاءات.

لذلك فالتعويل على الغرب لحل المشاكل البينية بعيد المنال وإستمرار النخب الحالية إستمرار لشرعنة الطغاة الكبير منها والمتناهي الصغر، والحل الماثل للعيان خوض إنتخابات جديدة رئاسية وبرلمانية في آن واحد يفوض الشعب من خلالها نوابها وينبثق عنهم حكومة تسطيع تنظيم المؤسسات، وجمع السلاح ولجم الطغاة بنوعيهم وإيقاف الخارجين عن القانون وإبعاد المصفقين والمطبليين النفعيين عن المشهد، فلقد مضى عهد القائد الرمز الملهم إلى الأبد.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

اترك تعليقاً