الربيع المزعوم والفساد المحتوم !

الربيع المزعوم والفساد المحتوم !

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

 

 

بعد الدخول في السنة الثامنة من عمر ما سمي “ثورات الربيع العربي” لم أجد ما يناسب وصف ذلك الربيع المزعوم الا بأنه ربيع الفساد والعبث الذي ابتليت به بعض الدول العربية في حالة جماعية انطلقت شرارتها مع بداية العام 2011 ، لقد اثبتت الايام من خلال الحقائق التي تدمغنا كل يوم جديد وبما لا يدعو مجالا للشك أن تلك الانتفاضات كان وقودها الشباب من البسطاء الذين ارهقهم الانتظار يتسولون على ارصفة حكامهم المغيبين عن حقيقة الامور تارة، والمتعمّدين اذلال شعوبهم تارة اخرى، تحت تأثير مفهوميتهم القاصرة لحكم شعوبهم استنادا الى ميكيافبلية صمّاء خرساء لا أمل فيها ولا رجاء!

بعد هذه السنين القاسيات لا يمكن للبصيرة ان تخطيء القول بأن نتائج تلك “الانتفاضات الربيعية” كانت ولاتزال كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معانى، على شعوب تلك البلدان التي ضربتها رياح التغيير وان تفاوت حجم التأثير من دولة الى اخرى! ولا اوضح اثرا ما اصاب الاقطار الثلاثة (ليبيا وسوريا واليمن) من خراب ودمار لا تزال تعاني شدته شعوبها حتى الآن، ونستطيع القول ان ما جلبته رياح ذلك التغيير الدموي في هذه الاقطار الثلاثة يفوق كل توقع! وبكل مرارة كان تغييرا في اتجاه سلبي متطرف! حيث ان فوضى انتشار السلاح ووصوله في ايد متطرفة دينيا وسياسيا وقبليا، جعل منه اداة خراب ودمار طالت الأخضر واليابس وأتت على كل الممتلكات العامة، حين عاثت الأيدي العابثة فيها فسادا وافسادا بدون اي ضوابط قانونية أو حتى عرفية!

ان الوضع الذي نتج عن فوضى ما سمي بثورات الربيع العربي في الدول الثلاثة التي استخدمت فيها القوة وبدون ضوابط، هو وضع أقل ما يمكن وصفه بالكارثي! فقد اصيبت بنية هذه الدول التحتية والاجتماعية اصابات بليغة، فمن دمار وخراب الممتلكات العامة والمرافق، الى تقطيع في الاواصر الاجتماعية وتمزيق للنسيج الوطني، الى شروخ في اللحمة الوطنية التي كانت متماسكة قوية، وكل ذلك يصب في بوتقة الوهن والضعف التي تنهك الجسد الوطني وتضعفه، امام تيارات متلاطمة من اجندات سياسية واطماع اقليمية ودولية توشك ان تنهش الجسد العربي في المجمل.

ان الفساد الذي صار ينهش جسد ما تبقى من انقاض الدولة الليبية من الخطورة بمكان، بحيث لم يعد ممكنا السكوت عليه، فقد بلغ السيل الزبى ووصلت القلوب الحناجر، وها نحن نرى بأعيننا ونشهد كل يوم مظاهر هذا الفساد اللعين، الذي طال كل مناحي الحياة في ليبيا الغالية، والذي انعكس بالتالي على الحال المتردي الذي صار يعيشه المواطن الليبي، الذي أضحى محاصرا في معيشته ومستقبل ابنائه، عاجزا حتى عن توفير ثمن الخبز، بعد أن تضاعف كثيرا ولم يعد ممكنا تامينه من قبل المواطنين البسطاء وهم السواد الأعظم من الليبيين.

ان حجم الهوة بين الاغنياء والفقراء في وطني صار يتسع كل يوم جديد، مما اوجد فجوة اقتصادية كبيرة لم نكن نعهدها سابقا، هذه الفجوة التي امتصت بنهم شديد ما كان يشكّل الطبقة المتوسطة، والتي كانت تضم اغلب الليبيين، فتكاد تذوب وتختفي الآن، ليعاد تشكيل المجتمع الليبي ويصبح يتكون من طبقتين اثنتين فقط!، طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء، ولعمري هذه مؤشرات خطيرة وجب الوقوف عندها بجديّة لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه، قبل ان تتفاقم الازمات وتعصف بما تبقى من كيان الوطن المنهك والشعب المغدور!

ان مظاهر الفساد الاقتصادي والمالي الذي تعيشه ليبيا اليوم لم تعد خافية على احد، فقد بلغ تغوّل المفسدين حدا من الفضاضة تلاشت فيه كل القيم النبيلة، فسادت روح الجشع والطمع والكسب الحرام حتى طغت على كل شيء، ولم تعد مظاهر الفساد تثير اولئك المفسدين الذين صاروا علنا يمارسونها دون خوف او وجل، بل صار التباهي معلنا وعلى رؤوس الأشهاد! لكن من يكتوي بلهيبها هو شعبنا الذي ارهقته الطوابير، التي اصبحت سمة ليبية بامتياز، فمن طوابير المصارف الى طوابير الغاز الى طوابير البنزين الى طوابير المخابز وبعض السلع الغذائية! وكل ذلك يحدث وطبقة الأغنياء الجدد تتلذذ بمعاناته فهي التي تسيطر على دواليب السلطة عبر اذنابها وادواتها، الذين يتحكمون في مفاصل الدولة بعد أن أوجدتهم محاصصات سياسية تارة وجهوية وقبلية تارة اخرى!

هل يستفيق الليبيون من غفلتهم بعد كل هذا الفساد المشين؟! وهل مازال هناك من لم تلسعه عقارب الفساد المتوحشة؟! الا أنها مسألة حياة أو موت تهم كل الليبيين ، فهل ينتفض البسطاء الذين صيّرهم المفسدون فقراء وارادوهم ان يكونوا دائما في خانة الحقراء؟! هل يقلب الفقراء الطاولة ويزيحون صفحة حالكة السواد ويشعلون شمعة تبدد الظلام وينطلقون في مسيرة اعادة الاعتبار لهم ثأرا من انفسهم التي ركنت وخنعت وثأرا على المفسدين من عبدة الدينار والدولار! هل ينتفض الليبيون على واقع مظلم وظالم فيعيدون تشكيله بما هو انسب وافضل لهم ولأجيالهم اللاحقة؟! أم ان حالة الهوان والخوران في استمرار ولنا في ذلك قول آخر في موعد آخر!؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 5

  • عبدالحق عبدالجبار

    الربيع المزعوم …. لو تأخذ ال ع في الكلمة الاولة و تضعها بعد ال … فسوف تصبح العربي …. و كذلك لو تأخذ ال ع في الكلمة الثانية و تضعها بعد ال فسوف تصبح المعزوم …. ولهذا الربيع المزعوم … و العربي المعزوم … لهذا الربيع هو واحد يعني الربيع ليس عربي وإنما العربي معزوم فقط والمصيبه خذا العربي معزوم في بيته و أكله ….فماذا يحصل ؟ …… الذي يحصل يأكل العربي القليل و بموافقة صاحب العزومة و اذا كان اصحاب العزومة كثر فتكون الحصول علي الموافقة صعب جداً جداً لان اصحاب العزومة عليهم اولا الاتفاق علي حصتهم ثم الاتفاق علي القشور التي سوف تقدم للمعزوم …وإذا كان عند المعزوم فئران و غربان وخفافيش قل للقشور السلام … ولَك فائق الاحترام

  • عبيد احمد الرقيق

    شكرا سيد “عبدالحق عبدالجبار” على مساهمتك التي اردت فيها التلاعب بالحروف وبالتالي امكنك الوصول الى حكاية “العربي المعزوم” فأجدت طباقا وجناسا في الكلمات وتماهيا في المعاني والدلالات…!! ولك مني تحية رمضانية خاصة..

  • عارف

    اتسائل ان كان يمكن فعلا الرهان على الطبقة الكادحة؟ اليس الفساد هو ثقافه سائدة فى مجتمنا؟ اليست الجهوية والقبلية والحزبية ومن ثم المحاصصة هى سمة بارزة فى مجتمعنا؟ تأتى باخرين من نفس البيئة وتنتظر نتائج مختلفة؟؟؟

  • عبدالحق عبدالجبار

    بداء التحرك من الصغير ….علي بابا و الأربعين حرامي … ماهو مجرب …النار وصلت لو في قضاء ( مصرف ليبيا المركزي يستجيب للمجلس الأعلى للقضاء)

    http://alwasat.ly/news/libya/207351

  • عبدالحق عبدالجبار

    نعم يا استاذ عارف …. ( الجهوية والقبلية والحزبية ) مرض مزمن و خطير وعندما يتحدوا هؤلاء تحت مظلة العمالة لبيع الوطن و ثرواته و اذلال اهلة يصبح مرض قاتل …. وهنا السؤال هل حقاً نحن مسلمين …. تعليق طويل في 2012 علي صحيفة ليبيا المستقبل

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً