المهجَرون من تاورغاء الى الجبل الغربي..تجاهل رسمي وصمت شعبي !

المهجَرون من تاورغاء الى الجبل الغربي..تجاهل رسمي وصمت شعبي !

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ما هذا الصمت الرهيب, حيال مأساة المهجَرين الليبيين في الداخل والخارج, من الحكومة بسلطاتها الثلاثة؟!.. التشريعية ويمثلها المؤتمر الوطني العام والتنفيذية وتمثلها الحكومة المؤقتة والقضائية ممثلة في وزارة العدل!. تبا لهذا الصمت المشين الذي يستمر ممنهجا حتى بعد انتصار الانتفاضة ودخولها عامها الثالث. لا احد ينكر أن الأحداث القاسية التي صاحبت انتفاضة الشعب في ليبيا, قد خلقت مناخا من التدافع القبلي والمناطقي في خضم فتنة شرسة خطط لها نظام القذافي ومارسها على الأرض بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد. لقد تقاتل الليبيون فيما بينهم تحت تأثير إرادة ذلك الحاكم العدوانية وجبروته وطغيانه وهو حيا متزعما لتلك الحرب الظالمة! لكن الاستغراب كله, أن يستمر الليبيون يتقاتلون من بعده وهو ميتا!

أن يصر بعض الليبيون الذين اندفعوا وراء نزعات حقد وتوجهات مناطقية وقبلية إلى تكريس وتجسيد ما نوى القذافي فعله في الشعب الليبي, متمثلا ذلك في استمرار حالة الكره والتقاتل بين الليبيين إلى أمد ليس بمعلوم, هو المؤسف حقا! أن يبادر من كانوا في صف الثوار في تطبيق خطة القذافي الجهنمية الرامية إلى تفتيت اللحمة الوطنية ذلك هو مكمن الدهشة والاستغراب ! إنهم إذ يفعلون ذلك بقصد أو بغيره, يبرهنون على مدى ولائهم لثقافة الطغيان والظلم والتجبر وينسون أنهم ثأروا عليها!! ما يجري الآن من استمرار تهجير جماعي لإخوة لنا خارج الحدود وداخل الوطن في تاورغاء وبعض مناطق الجبل الغربي (العوينية والقواليش والريياينة …وغيرها) ليس إلا مثالا صارخا على تفشي ثقافة الطغيان والظلم من منطلق العقاب الجماعي المحرَم دوليا, والذي ترفضه كل الشرائع والقوانين بدون استثناء! . فهل يكفي أن نتساءل بمرارة لماذا يحدث ذلك؟! وقد مر على انتهاء نظام القذافي أكثر من عامين؟!!

هل يعي الساسة في المؤتمر الوطني العام و الحكومة مدى خطورة استمرار هذه المأساة؟! وهل يدركون أن نتائج ذلك ستكون كارثية على الأمن الوطني الليبي وعلى تماسك النسيج الاجتماعي؟! فمتى يفيق الساسة من غفلتهم؟! وينفضون عنهم غبار الخوف والمجاملة ليقولوا كلمة الحق بدون تردد, في وجه المتشددين من أي جهة او قبيلة كانوا؟! متى يستشعر ساستنا قيمة الوطن فينظرون إلى عيون الأطفال المشردين خارج الوطن او من تاورغاء او العوينية او القواليش… او غيرهم على امتداد الأرض الليبية, ليقرروا في لحظة وفاء لليبيا, الانحياز إلى الحق ردعا للظلم والطغيان؟! متى يتحرر الساسة من خوفهم أو من هوسهم ليقرروا وبكل شجاعة عودة المهجرين جماعيا إلى ديارهم عاجلا لا آجلا؟! متى تتواجد مؤسسات الحكومة وأجهزتها فى تلك المناطق المنكوبة لإعادة بنائها واعمارها؟! متى نرى على الأرض كتائب الوطن المفدَى من جيش وشرطة تحمي تلك المناطق وتعيد إليها الحياة من جديد؟! متى نحس بحقوق عودة إخوة لنا في الدين والوطن الى ديارهم بعد كل هذه السنين من التشرد والحرمان؟!

كمواطن ليبي استغرب أن يكون الشعب حتى الآن ساكتا اخرسا, فلا مظاهرات ولا اعتصامات تطالب بعودة المهجرين! فهل هي حالة يأس أصابت منظومة القيم سقما ثم ضمورا؟!. ندرك أن زلزال الانتفاضة له تداعياته المؤثرة في كل بقعة من ليبيا, لكن ألا يوشك زمن الارتداد على الانتهاء؟! ورغم كل ذلك, فالأمل يجعلنا نثق بقدرة الشعب على الفعل, في لحظة قدرية لا مناص منها. هذا الشعب هو نفسه الذي انتفض على القذافي حين تسيد اليأس الموقف, ولم يتوقع احد أن ينهض ويثور! نعم حين ستدق ساعة الصفر معلنة انبلاج فجر الثورة سيخرج حتما هذا الشعب منتصرا للمظلومين المشرًدين عن ديارهم!

كمواطن ليبي أتساءل بمرارة, أين مؤسسات المجتمع المدني من هذا التهجير؟! أم أن ما هو موجود الآن لا يتعدى كونه محاولات فردية تبقى قاصرة حتى على مجرد الإعلان عن نفسها !. أين تلكم الجمعيات المؤدلجة؟!, المبنية أساسا على أجندات حزبية وأهداف ذاتية, التي يبدو أنها لا تمتلك حس التعبير عن الشعب الليبي, ولا يهمها حال الوطن والمواطن لا من بعيد ولا من قريب! أليس مؤسفا أن لا نسمع حتى حينه باعتصام واحد نظمته جمعيات أهلية طالبت فيه بعودة المهجرين المشردين من أبناء ليبيا؟! أم أن زمن القيم قد ولى والواعز الاخلاقي في طريقه الى الاندثار؟! إن أسوأ ما يمكن أن يعيشه المرء ثقافة تهتريء بفعل النزعات المتجردة من القيم والأخلاق, في مرحلة من مراحل الوهن والضعف يعيشها الوطن يتسيَدها المتطرفون من ذوي النوازع الشريرة الذين لا يقيمون للقيم والأخلاق أي وزن! حتى لا يساء الفهم من أولئك المتشددين اذكرهم بأن الحقوق تؤخذ بالقانون والمتهمون فقط هم المستهدفون ولا تزر وازرة وزر اخرى وكفى!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • القيلوشي

    بارك الله فيك ايه الرجل صاحب الضمير د عبيد الرقيق …..والمصيبة الكبري هو في سكوت المفتي واهل العلم ومشايخ …والله المستعان

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً